الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية من عداء تام إلى تحالف ظرفي

مرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ تحول رئاسة حزب الأصالة والمعاصرة من إلياس العماري الذي كان رأس حربة في مهاجمة الإسلاميين والوقوف ضد مشروعهم السياسي إلى خلفه حكيم بنشماس الذي سار على نفس النهج، ليقع التحول في الخطاب والممارسة تجاه حزب العدالة والتنمية مع الأمين العام عبداللطيف وهبي.
ومع ذلك وكقاعدة عامة فإن التحالفات التي يتم تشكيلها لعملية انتخابية مقبلة تشريعية ومحلية ويتم تسجيلها على هذا النحو عند التعيين لها آثار قانونية وسياسية، حيث ترتبط هذه التأثيرات بشكل أساسي بجانبين من العملية: الأول، تحكم الخطط والتكتيكات والخطاب السياسي التي تؤسس لعمل الحزبين وتحركهما معا داخل المجتمع والمؤسسات. ونفسر هذه النقطة بكون العدالة والتنمية غالبا ما تكون خططه وتكتيكاته مرتبطة بمدى خدمتها لأجندته بعيدة المدى وهي التمكن من أدوات المشاركة في صناعة القرار الاستراتيجي للدولة ويكون غالبا خطاب المظلومية والتودد في حالات أخرى للدولة معيارا جيدا لبراغماتية هذا الحزب في تعاطيه مع المتغيرات، وما تحالفه مع غريمه السابق إلا نتيجة منطقية لهذه الفكرة.
أما الأصالة والمعاصرة فيريد اختبار التقرب من العدالة والتنمية لاحتوائه واستخدامه للمرور من المعارضة إلى الحكم؛ وهبي يتوق بقوة إلى رئاسة الحكومة ولن يتردد أمام هذا الطموح الذي يشاركه فيه كل قادة الحزب في التحالف مع من كان يناصبهم العداء طيلة سنوات.
الجانب الثاني، الغاية الأخرى من التحالف هي مسح الحواجز التي توضع أمام الحزبين في سياق العملية الانتخابية، ما يعني أن التقارب بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية سيحسم الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بدعم المرشحين حسب الدوائر الانتخابية التي لهما فيها شعبية، والدعم بالتضامن بمواجهة سلوك الأحزاب وبشكل خاص حزب التجمع الوطني للأحرار.
الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبداللطيف وهبي يريد التحالف مع حزب العدالة والتنمية رغم العيوب السياسية المسجلة ضده للدخول إلى الحكومة من أجل تنفيذ ما يعتبره مشروعه السياسي والاجتماعي
وتميل الأحزاب السياسية في بعض الأحيان إلى إقامة تحالفات دون الالتفات بشكل جدي وحصري إلى الأسئلة الأخلاقية التي تثيرها مثل هذه الترتيبات، لهذا فالمصلحة السياسية والتموقع الانتخابي هما العاملان المؤسسان للتقارب الذي نشهده منذ فترة بين الحزبين المختلفين على المستوى الأيديولوجي والخطاب وتكتيكات الاشتغال والتحرك، وزاد هذا الأمر وضوحا مع اللقاء الأخير الذي جمع رئيسي الحزبين معا على طاولة نقاش واحدة.
اللقاء الذي ترأسه رئيسا الحزبين وهبي والعثماني بحضور قيادتي وعدد من أعضاء الحزبين بتاريخ الرابع والعشرين من يوليو يدفعنا إلى البحث في الخصائص الشكلية لهذا التحالف باعتباره شكلاً مميزًا من أشكال الارتباط بين الحزبين.
خصائص تجلت في مكان اللقاء الذي تم في مقر العدالة والتنمية، ما يعني أن قيادة الحزب طوت صفحة التراشق والخلاف الذي دام منذ تأسيس الأصالة والمعاصرة في العام 2008، والجانب الآخر متعلق بأسباب التحالف التي تعد وجيهة حسب قيادة الحزبين ومتعلقة بالظرفية السياسية التي تعيشها البلاد والتي تقتضي فتح نقاش وحوار وتبادل للآراء والنظر في المقاربات.
أما الحجج الجوهرية التي تستدعي هذا التحالف فمرتبطة بالمعايير الديمقراطية التي تسمح بالانفتاح على رؤى وتقديرات أخرى في نطاقات محددة، والحجج الأداتية التي تستشهد بما يمكن أن يجمعهما في البرنامج المشترك أو التعاون والتضامن داخل المؤسسات المنتخبة على المستوى المحلي والجهوي، خصوصا بعد تقييم هذا الشكل من التعاون الذي كان حاضرا في بعض المحطات منذ العام 2016، وإن بشكل ضيق في تجربة التدبير المحلي والجهوي.
مع اعتبار الحجج الجوهرية أكثر اتساقًا مع الروح الحزبية التي يريد وهبي والعثماني التأسيس عليها، نجد أن مقاربة الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة مرتبطة بكسب ثقة الناخب المغربي عندما يقول إن التحالف سيبعث رسائل مهمة للمواطنين، ليؤكد لهم أن الأحزاب قد تختلف سياسيا لكن توحدها قضايا الوطن، مع ذلك فهو يربط الاستمرار في هذا التحالف وتطوره بالعملية الانتخابية المقبلة التي يجب أن تطوى فيها صفحة الماضي ويبنى المستقبل بشكل مشترك.
سنوات طويلة خيم عليها خطاب العداوة بين الغريمين السياسيين، لهذا كان هذا الخطاب الودي بين الطرفين يتسم بنوع من الغرابة لدى البعض ويعطي انطباعا سلبيا عن الحزبين للمتابع الذي لم يطلع على حيثيات التقارب وطبيعته وأهدافه؛ حتى قواعد العدالة والتنمية إلى جانب طيف كبير من قيادييه أصيبوا بالهلع بعدما كان الكل يقول باستحالة هذا التحالف. لكنها السياسة التي تنتصر للمصلحة ولا علاقة لها بعاطفة البغض والكره والحب.
إذا كان وهبي برر مرحلة التطاحن بأن المواقع في بعض الأحيان تفرض بعض المواقف، وفي مرات أخرى تخون اللغة، فإن المسألة المؤرقة لعدد من قيادات العدالة والتنمية هي كيف سيتم تعامل الأصالة والمعاصرة مع حليفه المفترض مع ما تضمنته الوثيقة التأسيسية للحزب في جملتها الأخيرة التي تقول إن “النسق الحزبي في المغرب يشكو من التشتت وضعف الانسجام. ويعتبر الحزب أن استشراء الفساد والهشاشة والتفاوت الاجتماعي، وبروز مظاهر التطرف، والتوظيف السياسي للدين الإسلامي، معيقات مقلقة”.
الأحزاب السياسية تميل في بعض الأحيان إلى إقامة تحالفات دون الالتفات بشكل جدي وحصري إلى الأسئلة الأخلاقية التي تثيرها مثل هذه الترتيبات
يبدو أن الأصالة والمعاصرة يملك الكثير من الجرأة السياسية عندما يتحالف مع العدالة والتنمية الذي استنزفت قواه التنظيمية والمجتمعية خلال فترة تدبيره للشأن العام منذ سنة 2012، جرأة تتحرك على حد السيف عندما نعرف أن العدالة والتنمية راكم الكثير من الانتقادات لطريقة حكمه وقراراته التي وصفت بـ“اللاشعبية” وضربت القدرة الشرائية للمواطن، إلى جانب الخلافات الداخلية والأخطاء الشخصية للقياديين والحزب في مقاربة عدد من القضايا.
ونقول جرأة لأن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة رغم العيوب السياسية المسجلة ضد العدالة والتنمية يريد التحالف معه لكسب طموح الدخول إلى الحكومة من أجل تنفيذ ما يعتبره مشروعه السياسي والاجتماعي، وفي المقابل فإن العثماني لا يريد إنهاء قيادته للحزب والحكومة بهزيمة انتخابية ستكون وصمة سياسية في جبينه داخل الحزب، وبالتالي فإن الاستقطاب الأيديولوجي أصبح متجاوزا لكلا الحزبين.
الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في سبتمبر وأكتوبر من هذا العام بمثابة مرحلة مفصلية في حياة كل من الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، فالحزبان معا لهما مشاكلهما الداخلية التي تؤرق القيادة ولهذا يبحثان معا على شرعية الإنجاز من خلال تحقيق نتائج التحالف الذي نعتبره ظرفيا.
لماذا نقول إن التحالف ظرفي؟ أولا، لأن هناك نهاية تجربة تحالف العدالة والتنمية مع التقدم والاشتراكية قاسية والتي استمرت منذ العام 2012 حتى 2019، انتهت بشكل سلبي وانتقادات قاسية متبادلة بين القيادات. ثانيا، هناك عدد كبير من قيادات العدالة والتنمية لا تريد مشاركة الأصالة والمعاصرة أي فضاء انتخابي أو حكومي، وهذا ما لم تخفه القيادية والوزيرة السابقة عندما تحذر من محاولات وأد حزبها مقابل تعويضه بأحزاب إدارية (ومنها الأصالة والمعاصرة) تريد أن تترأس الشأن العام في الاستحقاقات القادمة.