السيسي في مأزق: كيف يعالج قلق المصريين بشأن سد النهضة

القاهرة – يحاول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “النزول من الشجرة التي صعدها” في ما يتعلق بأزمة سدّ النهضة، في ظل إدراكه بعدم قدرته على فعل الكثير بعد أن نجحت إثيوبيا في فرض سياسة الأمر الواقع، في ظل تردد دولي هو أقرب إلى التراخي في الضغط عليها، وهو ما ترجم في اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير.
وبعد خطابات تصعيدية، أججت الشارع المصري وجعلته متحفزا لأي مغامرة، غيّر السيسي من خطابه مساء الخميس بدعوة المواطنين إلى الهدوء، مؤكدا لهم أنه “لا داعي للقلق”.
جاء خلال حضوره المؤتمر الأول لبرنامج “حياة كريمة” في ملعب القاهرة الدولي بحضور الآلاف من رجال الدولة ونسائها وعدد من الإعلاميين وشريحة كبيرة من المواطنين.
وطالب السيسي ضاحكا بوقف “الهري”، وهي كلمة عامية مصرية تستخدم للتدليل على كثرة الكلام والأخذ والرد والحديث دون علم، وقد سبقها بإشارة أخرى تفيد بأن الأمن القومي للبلاد بكل جوانبه “خط أحمر”.
وشبه بعض المراقبين كثافة “الهري” حاليا وسط المصريين بما حدث قبيل حرب 6 أكتوبر 1973، عندما ارتفع صوت الجماهير مطالبة باستعجال الرئيس الأسبق أنور السادات خوض المعركة ضد إسرائيل لمحو آثار هزيمة يونيو 1967.
ولم يكن السيسي غافلا عن هذا التشابه الذي يشكل ضغطا إضافيا عليه، وبدا بالأمس وكأنه يحاول امتصاص الحماسة الشعبية، في ظل إدراكه بأنه لن يستطيع فعل الشيء الكثير باستثناء المواصلة في المسار الدبلوماسي الذي أثبت عقمه.

أحمد حجاج: مصر لا تزال منفتحة على جهود تسوية الأزمة بشكل سلمي
وخلال خطاب الأمس حرص السيسي على استخدام مفردات تفيد القوة والقدرة، قائلا “لازم أنا والجيش نروح قبل ما تحصل أي حاجة لمصر”.
وفهم البعض حديث السيسي بشأن سدّ النهضة في إطار العنوان الذي عقد تحته المؤتمر “حياة كريمة”، كإشارة على دغدغة مشاعر المصريين ومحاولة إرضاء غرورهم بأن الرئيس والجيش لن يتسببا في ضياع أي حق من حقوقهم في المياه أو غيرها، لكن عليهم التخفيف في الآن ذاته من وهج حماستهم.
واعتبر الأمين العام السابق للجمعية الأفريقية بالقاهرة السفير أحمد حجاج، أن تجدد الحديث عن الخط الأحمر والتمسك باستمرار المفاوضات في وقت واحد رسالتان على أن مصر لن تتساهل في أي أمور تتعلق بأمنها القومي، وأنها أيضا لا تزال منفتحة على جهود تسوية الأزمة بشكل سلمي بما يضمن التعاون بين شعوب دول حوض النيل.
وكشف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة ستخوض جولة تفاوضية أخرى مدعومة بتوافق عربي يؤيد حقوقها المائية بالتوازي مع التلويح بأنها قادرة على ردع أي اعتداء على الحقوق المائية عسكريا، وهو ما دفع الرئيس إلى توجيه رسائل طمأنة للمواطنين للتأكيد على أن البلاد تمتلك من الأدوات ما يجعلها قادرة على تأمين مصالحها.
وبحث وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبدالعاطي مع رئيس وزراء الكونغو الديمقراطية مايكل لوكوند في كينشاسا الجمعة تطورات أزمة سد النهضة.
وأكد عبدالعاطي أن بلاده “حريصة على استكمال مفاوضات سد النهضة للتوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومُلزم للجميع يلبي طموحات جميع الدول في التنمية، وأن مصر والسودان لن تقبلا بالقرار الأحادي لملء وتشغيل السد”.
وأخذت المقارنات مستوى آخر من حيث نوعية الجمهور الذي خاطبه السيسي، فغالبية الحاضرين لم يكونوا كالمعتاد في مرات سابقة من النخبة الوظيفية بمستوياتها المختلفة، سياسية وبرلمانية وأمنية وإعلامية واقتصادية، بل حوت جنبات الملعب القاهرة الدولي قطاعا لافتا من المواطنين العاديين.
ولم تغب رمزية المكان عن المقارنة أيضا بين السيسي والرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، فالأول خطب وسط شريحة متنوعة من المواطنين دون انتقاء أو تفرقة بينهم، في حين تعمد الثاني أن يلقي خطابه وسط ممثلي التيار الإسلامي في المرتين.

وكانت المرة الأولى في 6 أكتوبر 2012 بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر، بينما جرت الأخرى في 15 يونيو 2013 لنصرة الثورة السورية، وقد أثار الخطابان وقتها الكثير من المخاوف حول تقسيم المصريين إلى إسلاميين وغير إسلاميين.
وأشار مستشار كلية القادة والأركان (تابعة للجيش المصري) اللواء محمد الشهاوي إلى أن التأكيد على الصرامة والقوة رسالة موجهة إلى الداخل والخارج بأن القوات المسلحة جاهزة لتأمين مصالح المصريين، وهي إشارة طمأنة جديدة بعدم القلق من مشروع سدّ النهضة الإثيوبي، وجرى التخطيط لإثارة القضية مرة أخرى خلال تدشين أكبر عملية لتنمية الريف، بما يعني أن القاهرة لديها قدرات متباينة تجعلها أكثر فاعلية.
وأطلق السيسي مبادرة “حياة كريمة” في 2 يناير 2019 لتنمية الريف المصري، ثم تحولت إلى مشروع قومي مع بداية العام الجاري بهدف تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة للفئات الأكثر احتياجا في التجمعات الريفية في مصر، كي تسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين.
وأوضح الشهاوي في تصريح خاص لـ”العرب” أن مصر لم تغلق أي منافذ يمكن أن تقود إلى نجاح المفاوضات مع إثيوبيا، وأن استخدام مصطلحات خشنة في مرات عديدة يستهدف التأكيد على قدرتها على حماية مصالحها المائية.
ولفت إلى أن تصريحات السيسي جاءت متزامنة مع حديث وزير الدفاع المصري الفريق محمد زكي، الذي أكد خلال مشاركته في مناورات لوحدات الجيش الثالث على قدرة البلاد على التعامل مع كافة مهددات الأمن القومي.
ويقول متابعون إن طمأنة المصريين حيال أزمة سد النهضة عملية تحتاج إلى أدلة ملموسة، فشريحة منهم بدأت تتشكك في هذه النوعية من الرسائل المتكررة، وهي ترى أن إثيوبيا ماضية في خطتها للملء الثاني دون أن تظهر نوايا لاستئناف المفاوضات ومراعاة رؤية مصر والسودان أو تخشى من عواقب التلويح بالتعامل معها بخشونة.