هل يستعيد حزب الاستقلال زمام المبادرة السياسية في المغرب

الرباط – يسعى نزار بركة أمين عام حزب الاستقلال المغربي المعارض لجعل حزبه في صدارة نتائج الانتخابات التشريعية والمحلية المزمع إجراؤها في مطلع سبتمبر المقبل، وسط حراك لا يهدأ لكسب ثقة الشارع وتجديد كوادر الحزب.
وأظهر بركة ديناميكية في حراكه المتواصل واللقاءات التي عقدها في أكثر من مدينة مغربية مع أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، وكان الرهان الأبرز خوض الانتخابات وتصدر النتائج، حسب ما عبر عنه في أكثر من لقاء.
ووضع حزب الاستقلال نصب عينيه استعادة زمام المبادرة السياسية بعد خروجه إلى المعارضة منتصف ولاية الحكومة السابقة (2011 – 2016)، بالإضافة إلى العمل على التجديد لقيادات وكوادر الحزب لخوض الاستحقاقات الانتخابية بأريحية.
لكن خطوات الحزب قوبلت ببعض الانتقادات من داخله على خلفية ما قيل بشأن وجود “تعسف في استعمال القانون لتعطيل مهام ومؤسسات الحزب وأجهزته الوطنية والجهوية”، وذلك بعد حل جميع فروع حزب الاستقلال في مدينة فاس، وهي المدينة التي تعد معقلا انتخابيا لأمينه العام السابق حميد شباط.
وتبرر قيادة الحزب قرارها على خلفية “ما آلت إليه شؤون الحزب بهذه المدينة من تقهقر على مستوى التنظيمات المحلية، وتوتر وصراع دائمين بين الأجهزة والقواعد”، بالإضافة إلى الحضور الواضح للأمين العام السابق بالمشهد السياسي المحلي.
ودفع حضور اسم شباط والربط مع طموحه السياسي إلى ترجيح إمكانية عمله لاستعادة قيادة الحزب من بوابة فاس، لكن القيادي في حزب الاستقلال نورالدين مضيان اعتبر أن “شباط بالنسبة إلى قيادة الحزب هو فقط أمين عام سابق”.

شريفة لموير: ترتيب البيت الداخلي لحزب الاستقلال سينعكس إيجابا على أدائه
ولا يتوقع مضيان أي تأثير لحل فروع الحزب في فاس وما يعنيه ذلك من قطع الطريق على شباط وأنصاره في التحكم بالترشيحات الانتخابية في المدينة على القيادة الحالية التي وصفها بـ”المنسجمة”.
وأبرز أنه على خلاف ما كان في السابق، ومنذ المؤتمر السابع عشر الذي انتخب فيه نزار بركة أمينا عاما خلفا لشباط، تشتغل هذه القيادة وفق أجندة محددة وبتوزيع واضح للمهام يعطيها قوة تنظيمية وفعالية في الأداء السياسي.
وأجريت آخر انتخابات تشريعية في المغرب خلال العام 2016 وحل فيها العدالة والتنمية بالمركز الأول (125 مقعدا بالبرلمان من أصل 395)، فيما حل الأصالة والمعاصرة ثانيا (102)، والاستقلال ثالثا (46)، ليحل التجمع الوطني للأحرار رابعا (37).
ولم يخف أمين عام حزب الاستقلال انتقاداته لأداء الحكومة المغربية التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي. ويرى أن الحكومة مسؤولة عمّا تعيشه البلاد من فوارق اجتماعية وتآكل الطبقة الوسطى في السنوات الأخيرة في خطوة رأى فيها مراقبون تدشينا باكرا لحملة انتخابية للاستحقاق الانتخابي المنتظر.
وأكدت شريفة لموير الباحثة في العلوم السياسية أن الديناميكية التي يعرفها الحزب والمتزامنة مع اقتراب المحطة الانتخابية هي تجلّ واضح لرغبته في تصدّر الانتخابات.
وأوضحت لموير في تصريح لـ”العرب” أنه تأسيسا على التعديلات الأخيرة التي طرأت على القوانين الانتخابية خاصة مسألة القاسم الانتخابي فإن حزب الاستقلال يملك قاعدة انتخابية مهمة سواء في المجال الحضري أو القروي، وهذا ما يجعله حزبا غير بعيد عن غمار المنافسة لتصدر ترتيب الأحزاب المتنافسة.
ويعرف حزب الاستقلال حاليا جدلا داخليا بسبب قرارات اللجنة التنفيذية بحل فروع الحزب بمدينة فاس، وما نتج عنه من تراشق سياسي بين قيادة الحزب والأمين العام السابق حميد شباط بعد رفض تزكيته للدخول إلى غمار الانتخابات الشيء الذي يؤثر على أداء الحزب بمدينة فاس.
ولم ينف القيادي في حزب الاستقلال مضيان وجود بعض الصراعات “التي تدخل في سياق التسابق حول الترشح للانتخابات المقبلة، لكن هذه الصراعات منحصرة في الجهات ولا تشمل قيادة الحزب، ويجري معالجتها بالطرق المعهودة”.

عباس بوغالم: حزب الاستقلال من الأحزاب الكبرى وله قواعد وفية في المجال القروي والحضري
ويتوقع مراقبون أن يخدم القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية حزب الاستقلال، خاصة بعد إقرار التعديلات على القوانين الانتخابية والقانون التنظيمي المتعلق بأعضاء مجلس النواب، والمعروف بتعديل القاسم الانتخابي.
ويعتبر عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الأول في مدينة وجدة (شرق)، أن حزب الاستقلال من الأحزاب الكبرى، وله قواعد وفية في المجال القروي والحضري، ويمكنه المنافسة على الصدارة.
وأوضح بوغالم أن “للحزب عاملين اثنين يجعلانه منافسا قويا لباقي الأحزاب الطامحة لتصدر الانتخابات المقبلة، الأول يرتبط بوجود قيادة جديدة أعادت ترتيب الأوراق الداخلية واستجماع القوى، والعمل على استقطابات جديدة يمكنها تعزيز مكانة الحزب، وهذا يرتبط أيضا بجانب شخصية القيادة الحالية التي تحظى بالتوافق”، بالإضافة إلى العامل الثاني المتعلق بالمشهد الحزبي “بتراجع حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، الذي قدم نفسه في الانتخابات الماضية كبديل عن العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي الحالي”.
ورغم أن المشهد السياسي يكاد ينتج نفس التعبئة الانتخابية الماضية، وهذه المرة مع حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقدم نفسه بديلا منتظرا للإسلاميين، وسط توقعات بأن تقتصر المنافسة على ثلاثة أحزاب هي العدالة والتنمية والاستقلال والتجمع الوطني للأحرار.
وترى الباحثة شريفة لموير أن من أهم العوامل التي ستساهم في تعزيز موقع حزب الاستقلال في الانتخابات المقبلة هو عامل ترتيب البيت الداخلي، ما سينعكس إيجابا على أدائه ويتيح استجماعا لقوته التنظيمية لتركيزها أكثر حول إمكانيات فوزه بالمراتب الأولى.
وبالنسبة إلى التحالفات لم يبد حزب الاستقلال أي توجه حاليا في هذا المستوى، لكن الباحثة شريفة لموير أكدت لـ”العرب” أن توزيع المقاعد البرلمانية والمجالس البلدية على طريقة القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وليس المصوتين، سيكون عاملا مؤثرا في تشكل الأحزاب المتصدرة للانتخابات ويمكن أن يخلق مفاجأة، والذي قد يخدم تحالفات حزب الاستقلال خاصة وأنه يخوض هذه الانتخابات بهدف تصدرها وقيادة الحكومة المقبلة.
وعلى عكس بعض الأحزاب اليسارية وحزب العدالة والتنمية، لم يسبق لحزب الاستقلال أن وضع خطوطا حمراء في تحالفاته مع الحكومات التي قادها أو شارك فيها.