أيمن بن عبدالرحمن خبير مالي على رأس حكومة إنقاذ جزائرية

رئيس الوزراء الجديد الذي لجأت إليه السلطة الجزائرية سيكون من الصف الثاني الذي تتم التضحية به بسهولة في حال حاجتها إلى تغيير شكلي تحت أي ضغط منتظر.
السبت 2021/07/03
خبير في المالية على رأس الحكومة الجديدة

خرج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن إفرازات الانتخابات التشريعية ووضع مطلب الحكومة السياسية خلف ظهره بتعيينه خبيرا في المالية على رأس الحكومة الجديدة، في خطوة تظهر عزمه على تشكيل جهاز تنفيذي يتفرغ لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد البلاد، لكن حظوظ صمود فريق أيمن بن عبدالرحمن تبقى محل شك في ظل استمرار أعباء الأزمة السياسية واستمرار القطيعة بين السلطة والشارع.

وسيكون وزير المالية ومدير بنك الجزائر السابق أمام تحدي التوفيق بين الطابع التكنوقراطي لحكومته وبين الشراكة الشكلية التي يريد رئيس الدولة إضفاءها على المشهد مع حلفائه السياسيين الفائزين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فهو مطالب بإيجاد التوافق والانسجام بين الأسماء التي سيختارها للقطاعات التقنية، وبين الأسماء التي تقترحها الأحزاب السياسية المذكورة والكتلة المستقلة.

◙ رغم الضمانات التي يحوزها رئيس الدولة من طرف القوى السياسية الموالية للسلطة لدعم برنامجه، مع تقدمه لانتخابات الرئاسة كمرشح مستقل، فإن رئيس الوزراء الجديد غير بعيد أيضا عن أن يكون في عين إعصار مستقبلي

وبدا الرئيس الجزائري من خلال وزيره الأول أنه مصمم على الذهاب الى أبعد الحدود من أجل تنفيذ برنامجه الانتخابي والتعهدات الـ45 التي وعد بها الجزائريين خلال حملته الانتخابية في الرئاسيات السابقة، ويكون اختياره للخبير المالي أيمن عبدالرحمن مؤشرا على أنه يريد فريقا تقنيا للنهوض بالقطاعات المتعثرة وحلحلة الأزمة المركبة، بينما يحتفظ لنفسه بالمسائل السياسية التي لا زال يتعمد تجاهلها رغم الضغط الذي تفرضه منذ نحو ثلاث سنوات.

وتأكد ذلك من خلال الكلمة المقتضبة التي وجهها تبون إلى رئيس الوزراء الجديد خلال مراسيم التعيين، والتي جاء فيها “أنت أهل للمهمة لأن ما ينتظرنا في المستقبل له علاقة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي، إذن أنت ماليّ وعلى دراية بكل المسائل المالية”.

ولم يسجل لرئيس الوزراء الجديد المكلف بمواصلة المشاورات السياسية مع القوى الحزبية والمستقلين لتشكيل الحكومة، أي حضور سياسي في وقت سابق، وليس في جعبته أيّ تقاليد سياسية، فالرجل المستقدم من قطاع المالية لشغل مناصب مهمة، مطالب في أول خطوة له بإقناع الأحزاب الشريكة للسلطة بالمشاركة في الحكومة والقبول بالعرض الذي يريده رئيس الجمهورية.

ورغم حظوته بدعم الرجل الأول في الدولة وثقته فان أول امتحانات بن عبدالرحمن سيكون أمام البرلمان الجديد، حين سيذهب ببرنامج عمل الحكومة لنيل ثقته، خاصة وأنه أبان ارتباكا في مناسبات سابقة عندما سئل عن الوضعية المالية للبلاد، من طرف نواب في البرلمان المنحل، وأثناء أزمة السيولة المالية التي ضربت البلاد خلال الأشهر الماضية.

موظف مطيع

بن عبدالرحمن أمام تحدي التوفيق بين الطابع التكنوقراطي لحكومته وبين الشراكة الشكلية التي يريد رئيس الدولة إضفاءها على المشهد مع حلفائه السياسيين.
بن عبدالرحمن أمام تحدي التوفيق بين الطابع التكنوقراطي لحكومته وبين الشراكة الشكلية التي يريد رئيس الدولة إضفاءها على المشهد مع حلفائه السياسيين.

لا يزال الرأي العام الجزائري يتذكر إجابات غير مقنعة لبن عبد الرحمن بشأن الأسباب الحقيقية لأزمة السيولة، لمّا عبّر عن مقاربة السلطة حول “المؤامرة”، رغم أن الدوائر الاقتصادية والمالية دقت حينها أجراس الإنذار حول المأزق المالي في البلاد، كما فشل في تحقيق التعهد الذي أطلقه حينها عن استعادة العملة المحلية (الدينار) لقيمتها تدريجيا بداية من نهاية العام 2020.

ويبدو أن الوزير الأول الجديد كغيره من الكثير من المسؤولين الكبار لا يحسن التواصل مع الآخرين وسريعا ما يدخل في مناكفات مع غيره حتى ولو كان زميلا له في نفس الحكومة، فخلال أزمة السيولة المالية تبادل تهم التقصير والخلل مع وزير البريد والاتصالات، قبل أن يعترف بأن الأزمة المركبة بين كورونا والنفط أثّرت كثيرا على المقدرات المالية للبلاد.

◙ قرار تعيين بن عبدالرحمن يفاجئ الطبقة السياسية وفي مقدمتها الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي كانت تنتظر حكومة سياسية لاحتواء التخبّط الذي تعاني منه الجزائر منذ أكثر من عامين، بسبب انتفاضة الشارع

ويبدو أن الرجل قد اختير لمهمة انتحارية بسبب التوجهات المؤلمة المنتظرة من طرف السلطة تجاه الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية، وليس بعيدا أن يكون في موقع متقدم أمام موجة غضب بدأت ملامحها تتشكل بفعل تراكم الأزمات الاجتماعية والمطالب الفئوية.

إشكالية الغطاء السياسي

رغم الضمانات التي يحوزها رئيس الدولة من طرف القوى السياسية الموالية للسلطة لدعم برنامجه، مع تقدمه لانتخابات الرئاسة كمرشح مستقل، فإن رئيس الوزراء الجديد غير بعيد أيضا عن أن يكون في عين إعصار مستقبلي سواء من طرف البرلمان أو المعارضة، خاصة في ظل توجهات غير شعبية للحكومة التي تعكف على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

وهكذا يكون بن عبدالرحمن مسنودا من سلطة ونفوذ الرئيس تبون، وبإمكانه التحكم في الطاقم الحكومي بمن فيهم الوزراء القادمين من الأحزاب السياسية على اعتبار أن الحكومة هذه المرة ينتظر أن تكون أكثر وفاء لرئيس الجمهورية من سابقتها التي تدخلت فيها عوامل خارجية ترتبط بمراكز النفوذ الفاعلة.

ويعدّ رئيس الوزراء الجديد واحداً من الرصيد البشري للسلطة الذي لجأت إليه رغم عدم نضجه، أو من الصف الثاني الذي تتم التضحية به بسهولة في حال حاجتها إلى تغيير شكلي تحت أيّ ضغط منتظر، فهو يبقى أحد الكوادر التي تخرّجت من أعرق المعاهد الإدارية في البلاد، والمرتبط بالمناصب التقنية البعيدة عن الممارسة السياسية.

رصيد كبير وتحديات معقدة

حظوظ صمود فريق بن عبدالرحمن تبقى محل شك، في ظل استمرار أعباء الأزمة السياسية واستمرار القطيعة بين السلطة والشارع وصراع الأجنحة داخل المؤسسة الحاكمة.
حظوظ صمود فريق بن عبدالرحمن تبقى محل شك، في ظل استمرار أعباء الأزمة السياسية واستمرار القطيعة بين السلطة والشارع وصراع الأجنحة داخل المؤسسة الحاكمة.

بن عبدالرحمن تكنوقراطي لم ينتم الى أيّ حزب سياسي ولم يسجل له أيّ ميل سياسي أو أيديولوجي معين، وتفرغ طيلة مساره المهني في مناصب قطاع المالية بحكم دراسته القانون والمالية، وتخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة، التي تمثل الخزان الأول لإنتاج الكوادر التي توجه للمؤسسات الرسمية للدولة، ومنها تخرج معظم المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس تبون.

ولد عام 1966 بالجزائر العاصمة، نشأ ودرس في المدارس المحلية، إلى غاية تخرجه بشهادة عليا في الاقتصاد والمالية، كما يحمل شهادة ماجستير في العلوم الاقتصادية والمالية، فضلا عن العديد من الشهادات في الإدارة والتدقيق، كما يقوم حاليا بتحضير شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية.

بدأ مساره المهني بوزارة المالية مطلع التسعينات حيث شغل على التوالي منصب مفتش مالي على مستوى المفتشية العامة للمالية، وأصبح مفتشاً عاما للمالية، ثم تولى منصب نائب مدير للرقابة على مستوى المفتشية العامة للمالية.

◙ الرأي العام الجزائري لا يزال يتذكر إجابات غير مقنعة لبن عبدالرحمن بشأن الأسباب الحقيقية لأزمة السيولة، حين عبر عن مقاربة السلطة حول "المؤامرة"، أو حين فشل في تحقيق التعهد الذي أطلقه عن استعادة العملة المحلية لقيمتها

تم تعيين بن عبدالرحمن بعد ذلك كرئيس قسم مراقبة ببنك الجزائر المركزي ثم محافظًا للبنك، وعينه الرئيس تبون وزيرا للمالية خلفا لعبدالرحمن راوية. ومن أكبر المهام التي أسندت إليه في قطاع المالية رقمنة قطاعي الجمارك والضرائب، وإعداد مخطط للتعامل مع التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا، وخلال فترة تولّيه مسؤولية القطاع، أطلق برنامجا وطنيا ضخما لتعميم الصيرفة الإسلامية بمختلف البنوك العمومية.

وجاء قرار تعيين بن عبدالرحمن مفاجئا للطبقة السياسية وفي مقدمتها الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي كانت تنتظر حكومة سياسية لاحتواء الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من عامين، بسبب انتفاضة الشارع ضد السلطة الحاكمة. وحمل تعيينه رسالة واضحة تعطي الانطباع بأن أولوية السلطة في الظرف الراهن هو الجبهتان الاقتصادية والاجتماعية، وأن الوضع السياسي وحتى أزمة الشرعية الشعبية للمؤسسات لم تعد تزعجها.

ومع ذلك باشر بن عبدالرحمن مشاورات سياسية مع الطبقة السياسية المتوجة في الانتخابات النيابية الأخيرة من أجل استكمال تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب عليها، وهي الخطوة التي تأكد طابعها الشكلي في ظل توجه السلطة إلى حكومة تكنوقراطية تضطلع بالملفات الاقتصادية والاجتماعية وتجاهلها للأزمة السياسية ولمطالب الحكومة السياسية التي طالبت بها بعض الأطراف.

وينتظر أن يعلن بن عبدالرحمن عن طاقمه الحكومي خلال الأيام القليلة القادمة بغية التفرغ الفوري لمعالجة الكثير من الملفات المتراكمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل التداعيات التي تركتها الأزمة الاقتصادية والجائحة الصحية العالمية على الاقتصاد المحلي الموجود في حالة اختناق حقيقي.

هل يكفي الاقتصاد وحده

أول امتحانات بن عبدالرحمن سيكون أمام البرلمان الجديد، حين سيذهب ببرنامج عمل الحكومة لنيل ثقته، خاصة وأنه أبان ارتباكا في مناسبات سابقة عندما سئل عن الوضعية المالية للبلاد.
أول امتحانات بن عبدالرحمن سيكون أمام البرلمان الجديد، حين سيذهب ببرنامج عمل الحكومة لنيل ثقته، خاصة وأنه أبان ارتباكا في مناسبات سابقة عندما سئل عن الوضعية المالية للبلاد.

وتعاني الجزائر من وضع مالي واقتصادي معقد بسبب تراجع مداخيل النفط والإنتاج معا، وجمود الإنتاج المحلي وتفشي البطالة خلال السنوات الأخيرة، وتراجع القدرة الشرائية بما يضع الجبهة الاجتماعية على صفيح ساخن بدأت ملامحه تتجلى في مسلسل مفتوح من الاحتجاجات، كان آخرها أزمة ماء الشرب المفاجئة والتي شملت بشكل كبير وسط البلاد وغربها.

تزامن اختيار بن عبدالرحمن مع قرار قضاء العاصمة بإيداع منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية المعارضة فتحي غراس، بعد توقيفه الأربعاء بمسكنه في مدينة قسنطينة، لينضاف بذلك إلى نحو 300 موقوف ومسجون بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للسلطة، وهو ما يوحي بأن ملف الوضع السياسي سيكون بعيدا عن أيدي الرجل، ولا من ضمن صلاحياته، وإلا لما قبل ببدء مشواره الحكومي بقرار كهذا.

وفي أول تصريح له قال بن عبدالرحمن “كلفني السيد رئيس الجمهورية بالإشراف على الحكومة الجديدة من أجل تطبيق فعال للبرنامج النهضوي للسيد رئيس الجمهورية الذي سيسمح للجزائر بالانطلاقة الاقتصادية المنشودة.. سنعمل جاهدين كرجل واحد لتحقيق الجزائر الجديدة“.

◙ يبدو أن الرجل قد اختير لمهمة انتحارية بسبب التوجهات المؤلمة المنتظرة من طرف السلطة تجاه الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية.

ويوحي التصريح بأن الرجل الأول في الحكومة سيعكف على تنفيذ البرنامج الانتخابي الذي وعد به تبون الجزائريين خلال الانتخابات الرئاسية التي أفرزته رئيسا للبلاد في انتخابات ديسمبر 2019، وهو البرنامج الذي أوجزه في 54 التزاما.

سيكون رئيس الوزراء الجديد مثقلا بالملفات المتراكمة على مدار السنوات الأخيرة، آخرها أزمة مياه الشرب التي خلفت حالة من الذعر والقلق لدى الشارع الجزائري، وطرحت دور الحكومة في التخطيط والاستشراف وتسيير المخزونات الاستراتيجية في مختلف المجالات، لاسيما في ظل تسلسل الأزمات بداية من أزمة السيولة المالية والحرائق والكهرباء وبعض المواد الاستهلاكية ووصولا إلى أزمة المياه مما يضع البلاد على حافة صيف ساخن بامتياز. فقد كانت الأرقام الاقتصادية الأخيرة صادمة للرأي العام، بعد إعلان ادارة شركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام، عن تراجع رقم أعمالها بنحو 40 في المئة، وهو ما يعكس الوضع الحرج الذي يعيشه الاقتصاد الجزائري، على اعتبار أن سوناطراك هي الشركة التي تعيل الجزائر بنحو 98 في المئة من مداخيلها.

12