التفاعلات الداخلية تسهم في تآكل السلطة الفلسطينية

لم يعد بمقدور السلطة تحمل أي مستوى من النقد.
الاثنين 2021/06/28
معركة مصيرية ضد السلطة

تأخذ التفاعلات الداخلية في الضفة الغربية منعطفا خطيرا ليس بسب التناحر على السلطة بل بسبب تفرد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتلك السلطة. ففي خضم مختلف المعطيات على المستويين المحلي والخارجي، التي تجمّعت بدورها وتراكمت لتزيد من إرباك الوضع يبدو أن تآكل شرعية أبومازن وشعبيته باتت على المحك خاصة في ظل الانقسامات التي تعصف بحركة فتح منذ سنوات.

رام الله - عندما حذّر وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري في ديسمبر 2015 من عواقب أيّ انهيار للسلطة الفلسطينية، وأن ذلك سيشكل تهديدا لإسرائيل، كان الأمر يدور بالأساس حول مساعدة الرئيس محمود عباس من أجل تهدئة الجبهة الداخلية مهما كانت الظروف حتى لا تسري الفوضى في منطقة تعاني أصلا حينها من ظهور داعش.

لكن السلطة الفلسطينية تواجه بالفعل موجة غضب شعبي غير مسبوقة لم تحدث منذ سنوات في الضفة الغربية فجّرها قتل الناشط السياسي والناقد البارز نزار بنات قبل أيام في ظروف غامضة بعد اعتقاله من الأجهزة الأمنية، الأمر الذي فتح أبواب السجل الحقوقي الأسود للسلطة على مصراعيه.

ويبدو أن الأحداث التي تطورت لتطالب هيئات شبابية ولجان محلية الأحد إلى تصعيد التظاهرات في رام الله ومناطق أخرى من الضفة الغربية بعد صدامات عنيفة جرت مع قوات الأمن الفلسطيني اليومين الماضيين ستكون لها تبعات كثيرة وستنهي بقاء أبومازن عاجلا أم آجلا.

والأمر يسير إلى أبعد من ذلك، فبينما كانت حركة حماس معروفة بسجلها الحقوقي الأسود منذ أن التهمت قطاع غزة عقب انتخابات عام 2006، فمن الواضح أن عباس يعيد تكرار نفس الأخطاء، بل يتمادى في طريقة التعامل مع المناوئين للسلطة بشتى الطرق والأساليب.

ويقول متابعون إن السؤال الأبرز الذي بات يسيطر اليوم على المشهد السياسي والحقوقي وعلى القضية الفلسطينية برمّتها هل أن رئيس السلطة محمود عباس فعلا مستعد لهكذا توتر في ظل تآكل واضح في شعبيته.

قطرة أفاضت الكأس

خليل شاهين: السلطة الفلسطينية تواجه سنوات من تراكم الغضب الشعبي
خليل شاهين: السلطة الفلسطينية تواجه سنوات من تراكم الغضب الشعبي

يرى مراقبون أن تراكمات سنوات من الإحباط باتت تشكل ضغطا شعبيا على السلطة الفلسطينية التي تواجه انتقادات داخلية وخارجية على خلفية سياساتها وسلوكها الأمني. فقد أثار الرئيس محمود عباس الكثير من الجدل بإعلانه في نهاية أبريل الماضي إلغاء انتخابات تشريعية طال انتظارها منذ 15 عاما وكانت مقررة في الـ22 من مايو الماضي.

وبرر عباس، الذي انتخب لمنصبه عام 2005 ولم يتم التجديد له منذ ذلك الوقت، إلغاء الانتخابات بعدم سماح إسرائيل بإجرائها في شرق القدس، لكنّ معارضيه اعتبروا أن القرار جاء للتهرب من العودة إلى صندوق الاقتراع خشية خسارة حركة فتح التي يتزعمها وتراجع هيمنتها على الحكم.

وتلقت السلطة الفلسطينية سيلا من الانتقادات من الاتحاد الأوروبي وأطراف دولية بسبب قرار عباس بشأن إلغاء الانتخابات وطالبوا بالعودة إلى صندوق الاقتراع لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية. ولاحقا راقبت السلطة تداعيات جولة التصعيد العسكري الأخيرة بين حماس وإسرائيل في غزة الشهر الماضي والتي عززت، بحسب مراقبين، المكانة الشعبية للحركة.

والأسبوع الماضي تفجرت موجة انتقادات شديدة للسلطة الفلسطينية بسبب إبرامها اتفاقا لتبادل لقاحات فايروس كورونا مع إسرائيل اتضح أنها أوشكت على الانتهاء وغير مطابقة للمواصفات. وجاءت حادثة مقتل الناشط السياسي نزار بنات المعروف بانتقاداته العلنية للسلطة لتزيد من حدة الغضب الشعبي وتتحول إلى تظاهرات غاضبة في الضفة الغربية ولتكون القطرة التي أفاضت الكأس.

تهاني مصطفى: على المجتمع الدولي تحمل بعض المسؤولية فيما يحدث
تهاني مصطفى: على المجتمع الدولي تحمل بعض المسؤولية فيما يحدث

والناشط بنات كان مرشحا عن قائمة مستقلة لانتخابات المجلس التشريعي التي كانت مقررة في الـ22 من الشهر الماضي وتم إلغاؤها بقرار من عباس. ومطلع هذا الشهر تعرض منزل بنات لإطلاق نار عقب إعلانه عن توجيه رسالة لممثلي الاتحاد الأوروبي في فلسطين يعلن فيها اعتزامه التوجه إلى المحاكم الأوروبية لطلب وقف الدعم المالي عن السلطة بسبب تأجيل الانتخابات.

كما سبق أن تعرض بنات للاعتقال السياسي في العديد من المرات بما في ذلك تحريك دعاوى قانونية ضده على خلفية انتقاداته العلنية للسلطة الفلسطينية وكبار المسؤولين فيها.

وتعرضت السلطة الفلسطينية مرارا لانتقادات من منظمات وجماعات حقوقية دولية على خلفية اعتقالات الرأي والتعبير وممارسة التعذيب في سجونها لاسيما بحق المعارضين لسياساتها. ويرفض عباس والسلطة الفلسطينية، التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية، الاتهامات بالفساد واحتجاز أناس بسبب آرائهم السياسية.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني خليل شاهين أن أجهزة الأمن الفلسطينية “تصب النار على البنزين” باستمرارها في قمع التظاهرات الشعبية بدلا من احتوائها والاستجابة لمطالبها.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن شاهين القول إن السلطة الفلسطينية “تواجه سنوات من تراكمات الغضب الشعبي وصلت حد المطالبة في تظاهرات بإسقاط النظام برمّته وهو ما يعبّر عن حجم الفجوة بين الشارع وصناع القرار”.

وحذر من أن تصاعد الصدام بين الأمن الفلسطيني والشارع يهدد الضفة الغربية بحالة من الفوضى غير محسوبة العواقب “في وقت تجد فيه السلطة الفلسطينية نفسها تفتقر إلى الشرعية بعد إلغاء الانتخابات وتعثر ملف المصالحة الداخلية”.

خيار اللاخيار

Thumbnail

تأتي حملة القمع ضد المعارضة في الوقت الذي تواجه فيه السلطة الفلسطينية المدعومة دوليًا رد فعل عنيفًا متزايدًا من الفلسطينيين الذين يرون أنها فاسدة واستبدادية بشكل متزايد، وهو مظهر من مظاهر عملية سلام استمرّت ثلاثة عقود ولم تقترب بأيّ حال من تحقيق الاستقلال الفلسطيني. وخرج المئات إلى الشوارع للاحتجاج بعد انتشار خبر مقتل بنات.

فعباس ليس لديه الكثير ليظهره بعد أكثر من عقد من التنسيق الأمني الوثيق مع إسرائيل. وكان الزعيم البالغ من العمر 85 عامًا عاجزًا عن وقف التوسع في المستوطنات اليهودية وهدم المنازل وعمليات الإخلاء في القدس والغارات العسكرية الإسرائيلية المميتة، وقد تم تجاهله إلى حد كبير خلال الاضطرابات الأخيرة في القدس وحرب غزة التي استمرت 11 يومًا.

ومع ذلك تنظر الدول الغربية إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها شريكًا رئيسيًا لإعادة بناء غزة، التي تحكمها جماعة حماس المسلحة، وإحياء عملية السلام المحتضرة في نهاية المطاف.

وتقول تهاني مصطفى المحللة في مجموعة الأزمات الدولية إنه كان هناك “قمع متزايد” منذ أن تم تهميش السلطة الفلسطينية وتعرضت للسخرية على نطاق واسع خلال حرب غزة.

وترى أنه في هذه المرحلة لا تستطيع السلطة الفلسطينية في الواقع تحمل أيّ مستوى من النقد وأن المجتمع الدولي الذي قام بتدريب قوات الأمن الفلسطينية وتجهيزها “يحتاج إلى تحمل بعض المسؤولية” والضغط من أجل المساءلة والتغيير.

7