حياة طبيعية بفضل التكنولوجيا.. ولكن ماذا عن اللمس؟

مع تفشي وباء كورونا يعمل باحثون ضمن مشروع مشترك لصياغة تصوّر لمجتمع "بلا لمس" من خلال الاستعانة بشاشات ذكية تعتمد على التعلم الآلي.
الاثنين 2021/06/28
هل يمكن للبشر الاستغناء عن اللمس

الحاجة أمّ الاختراع، على الأقل هذا ما أثبته علماء سويسريون وكوريون، مع تفشي وباء كورونا، بتوظيفهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للوصول إلى مجتمع “دون لمس”، وإخراج البشر من العزلة المفروضة عليهم ليمارسوا نشاطهم الطبيعي.

لوزان (سويسرا)- مجتمع دون لمس، هو ما يسعى إليه علماء سويسريون بالتعاون مع علماء من كوريا الجنوبية، بعد عام ونصف من عزلة فرضت على شعوب الأرض ومنعتهم من ممارسة أنشطتهم اليومية والتمتع بالأماكن العامة.

المشروع المشترك يهدف إلى إعادة تعزيز التفاعل بين الناس بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي ولكن دون لمس.

ثمانية عشر شهرا كانت كافية ليصبح التصافح والتلامس بين الناس من المحرمات وجزءا من الماضي. ويقول خبراء إن عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل الوباء مستبعدة، أو لن تكون قريبة.

ولكن هل يمكن للبشر الاستغناء عن اللمس والتفاعل فيما بينهم؟

مفهوم جديد للمجتمع

لاورا كروتشانيلي: اللمس هو الحاسة الأولى التي من خلالها نتواصل مع العالم

علماء النفس يعتبرون أن اللمس حاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها وفقا للباحثة لاورا كروتشانيلي التي تقول “اللمس هو الحاسة الأولى التي من خلالها نتواصل مع العالم الخارجي وآخر حاسة تُختم بها حياتنا”.

وتظهر الدراسات أهمية اللمس لتطوّر الدماغ، وتربط القصور السلوكي والإدراكي لدى الأطفال الأيتام بنقص الاتصال العاطفي الجسدي في السنوات الأولى من أعمارهم، ومؤخرًا ربطت بعض الدراسات بين قلة الاتصال أثناء فترة انتشار الوباء والزيادة المسجلة في المشاكل النفسية لدى السكان.

ووفق جاي يوب كيم الأستاذ في جامعة هونجيك في سيول غيّرت جائحة كوفيد – 19 حياتنا “كيف نعمل، كيف نتكلّم وكيف نأكل”. ويعتقد كيم أن الوباء يُجبرنا على تغيير المسار واستخدام تقنيات، كالتعلم الآلي، من شأنها أن تصنع لدينا مفهوما جديدًا عن المجتمع.

وتعكف جامعة العلوم التطبيقية والفنون في جنوب سويسرا بالتعاون مع جامعة هونجيك ضمن مشروع مشترك لصياغة تصوّر لمجتمع “بلا لمس”، من خلال الاستعانة بشاشات ذكية تعتمد على التعلم الآلي.

وليس الغرض من هذه الشاشات مجرّد تعزيز التقيّد بالتدابير الوقائية، كارتداء الكمامات والتزام التباعد الاجتماعي، وإنما أيضًا وقبل كل شيء، فتح الأماكن العامة أمام الناس للالتقاء بأصدقائهم وأفراد عائلاتهم، والجلوس على طاولة في أحد المقاهي، يتجاذبون أطراف الحديث في أمان غير آبهين بالوباء.

النظام الذكي سيدير التفاعلات بين الزبائن بإخبارك متى يُمكنك الشرب ومتى يتعيّن عليك وضع الكمامة، بحيث لا تُخلع الكمامات من طرف الجميع في نفس الوقت.

“ليس المقصود استخدام الذكاء الاصطناعي كتقنية للتّحكّم من خلف الكواليس، وإنّما كأداة متناغمة مع الحياة اليومية” تقول سيرينا كانجانو الباحثة المسؤولة عن مُختبر “فاب لاب” وهو مختبر للثقافة المرئية في جامعة العلوم التطبيقية والفنون في جنوب سويسرا، والتي تتولى إدارة المشروع بالتنسيق مع جاي يوب كيم الأستاذ في قسم التصميم الصناعي في جامعة هونجيك.

وتهدف مجموعة البحث السويسرية – الكورية إلى إعادة تصميم الأماكن العامة مما يجعل علاقتنا مع التكنولوجيا ذات طابع أكثر قبولًا وطبيعية في سياقات اجتماعية مختلفة.

في الواقع، تجد التكنولوجيا نفسها في تحدٍ مستمر مع الأماكن المغلقة العامة، كما هو الحال في وسائل النقل المشتركة، مثل عموم المركبات والسيارات والدراجات النارية أو الكهربائية أو الهوائية وغير ذلك. وتعتمد هذه الوسائل بشكل رئيسي على اللمس للاستفادة من منافعها، كما لو يحتاج الشخص على سبيل المثال لفتح إحدى المركبات أو قيادتها.

وتقول كانجانو “كثيرا ما نقوم بتجربة استخدام الشاشات المُشتركة في الأماكن العامة”، وتضيف “تُركز أبحاثنا على تصميم شاشات دون لمس بتاتًا، وعلى الطريقة التي يُمكننا من خلالها ترجمة تفاعلاتنا اليومية وإعادة التفكير فيها”.

تجارب أكثر شمولية

هل يمكن للبشر الاستغناء عن اللمس والتفاعل فيما بينهم؟
هل يمكن للبشر الاستغناء عن اللمس والتفاعل فيما بينهم؟

ثمة مشروع آخر من شأنه تعزيز ارتداء الكمامات حيث يعتمد على برمجيات التعرف على الوجوه لتحديد أيّها لا يرتدي الكمّامة، وبرأي الأستاذ الكوري فإن “ارتداء الكمامة ليس مجرد قضية اجتماعية، بل أيضًا مسألة حرية ومسؤولية فردية”.

وبينما استند تطوير العديد من هذه المشاريع إلى التجارب الثقافية العامة في كوريا الجنوبية، إلا أن الفريق السويسري – الكوري يُعنى بدراسة وتحليل أثرها في أنحاء أخرى من العالم. وفيما يتعلق بالشأن الغربي حرص الفريق على أن تكون التجارب اليومية أكثر شمولية و”نظافة صحية”.

على سبيل المثال، قام فريق من المطورين الأوروبيين باختراع موزعات مطهر تتأقلم – ارتفاعًا وانخفاضًا – مع طول المستخدِم، فيما اهتمّ مشروع آخر بالعمل على تطوير الصنابير الموجودة في الحمامات العامة وجعلها “دون لمس”، حيث استخدم النظام المعتمد تقنية التعلم الآلي للتعرّف على الإيماءات الجسدية وضبط درجة حرارة الماء، على أن يتم كل ذلك دون الحاجة إلى لمسة واحدة.

الجائحة تجبرنا على تغيير المسار واستخدام تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي لتطوير مفهوم جديد للمجتمع

التعاون بين سويسرا وكوريا الجنوبية أتاح فرصة التفكير في الوباء بطريقة إبداعية ومتطورة جدًا، وفق كانجانو التي أشارت إلى الاستفادة من التجربة العريقة لكلا البلدين في مجال البحث التكنولوجي، وقالت “كوريا الجنوبية دولة متقدمة جدًا تكنولوجيًا، ولديها ثقافة تصميم عتيدة، تمامًا كما سويسرا”.

غير أن العلاقات والتفاعلات الإنسانية لست هي نفسها في كل مكان، وتضرب كانجانو مثالاً بالكمامات، حيث أن النظرة إليها في أوروبا مختلفة تمامًا عما هي عليه في آسيا، لذلك “عندما نضع تصميمات لأجهزة ومعدّات جديدة، يجب علينا أن ندرك، وفقًا لواقع التفاعل الاجتماعي المتنوّع، أن قبولها سيختلف باختلاف السياقات الثقافية”.

12