تركيا تصرّ على إغراق السوق الليبية بالبضائع لإنعاش اقتصادها

تتزايد التحذيرات من تفاقم مشكلة غزو السلع التركية للسوق الليبية، والتي تشير أحدث الأرقام إلى أنها ارتفعت بشكل مطرد منذ بداية 2021، حيث تسعى أنقرة من وراء زيادة صادراتها للبلد النفطي إلى استغلال الأوضاع حتى يلتقط اقتصادها المنهك أنفاسه بالحصول على عائدات مالية أكبر.
طرابلس - تكشف التحركات التركية المستميتة لغزو السوق الليبية من بوابة الصادرات دليلا على هيمنة سياسة الخضوع للمصالح الخارجية، التي انتهجتها حكومة الوفاق السابقة في طرابلس، وهو ما يعزز تأكيدات المحللين بأن هذا التوافق سيهدد آخر المقومات الاقتصادية للبلد النفطي، الذي يعاني أصلا من ويلات الأزمات منذ عشر سنوات.
وتظهر بيانات رسمية جديدة أن تركيا واصلت في سياسة إغراق السوق الليبية ببضائعها، التي شهدت ركودا بسبب مقاطعة عدد من الدول لمنتجاتها المصنوعة محليا، إضافة إلى تداعيات تفشي وباء كورونا والذي أثّر على الصادرات التركية المختلفة.
وبلغت الصادرات التركية إلى ليبيا نموا بنسبة 67 في المئة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام على أساس سنوي لتبلغ حوالي 983 مليون دولار. وفي مايو الماضي وحده، وصلت قيمة الصادرات التركية إلى ليبيا 158 مليون دولار.
ويحاول قطاع الأعمال التركي الترويج لسياسة بلاده في هذا المضمار بالتأكيد على أنها ستسهم في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، بفضل انعكاس قوة العلاقات السياسية بينهما بشكل إيجابي على المجال الاقتصادي.
ولكنّ الكثيرين يرون أنها ستدمر ما تبقى من الاقتصاد الليبي المرتهن للنفط. وفي حال تمكنت أنقرة من تنفيذ أحلامها في هذا المجال فإن صادرات تركيا إلى ليبيا سوف تشمل الملابس والأثاث والمواد الغذائية وقطع غيار السيارات ومستلزمات البناء وغيرها من القطاعات الأخرى.
983 مليون دولار صادرات تركيا لليبيا في أول 5 أشهر من 2021 بارتفاع 67 في المئة بمقارنة سنوية
ولم يخف مرتضى قرنفيل، رئيس مجلس الأعمال التركي الليبي التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا أهمية السوق الليبية لتعزيز خزائن الدولة وعبر عن تفاؤله باستمرار نمو صادرات بلاده إلى ليبيا.
ونسبت وكالة الأناضول إلى قرنفيل قوله إن “المجلس يتوقع أن يتجاوز حجم الصادرات إلى ليبيا 3 مليارات دولار سنويا، عقب تصديق الحكومة الليبية المؤقتة على ميزانية البلاد لهذا العام”.
ووجدت تركيا في الساحة الليبية متنفسا اقتصاديا وتجاريا بالنسبة لها عبر الاتفاقيات، التي عقدتها مع حكومة الوفاق السابقة في نوفمبر 2019 والتمسك بها وتعزيزها من خلال الحكومة الانتقالية الحالية.
وتريد أنقرة أن تسيطر على النسبة الأكبر من جهود إعادة الإعمار في ليبيا في منافسة مع قوى إقليمية أو دولية على غرار مصر وفرنسا والولايات المتحدة، وهو ما سعت إليه من خلال مباحثات الدبيبة مع أردوغان في زيارته الأخيرة.
وأثّرت عوامل كثيرة بشكل مباشر على كافة مناحي حياة الليبيين، بدءا بشح المعروض من السلع الاستهلاكية الضرورية وارتفاع أسعارها الجنوني في الأسواق وفقدانها أحيانا، وصولا إلى صعوبة الحصول على مرتب شهر واحد من البنوك التي تشكو من أزمة اتسعت بشكل لافت في السنوات الماضية.
وكان قرنفيل قد قال في وقت سابق من العالم الجاري “نعلم أن القطاع الخاص التركي متحمس لاستكمال المشاريع المفقودة والمشاركة في مشاريع جديدة في ليبيا، فلديها احتياجات تراكمت خاصة بسبب الوضع في السنوات العشر الماضية وتحتاج إلى حل سريع”.
وتشكل العائدات المسجلة من التصدير إلى ليبيا، والتي اقتربت من حاجز المليار دولار وقد تتضاعف بنهاية العام الجاري، دفعة تبدو الأقوى لمساعدة الاقتصاد التركي على الخروج من ركوده.

ويتجلى من خلال هذه الأرقام سبب تمسك تركيا بوجودها في ليبيا، التي تحوّلت إلى ساحة لأطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنعاش اقتصاده المتدهور بسبب عدة عوامل.
وتأثر الاقتصاد التركي بفعل المقاطعة التي أقرها رجال أعمال سعوديون كبار في العام الماضي، ضد البضائع التركية ردا على ما وصفوه بعداء من جانب أنقرة، مما دفع المستثمرين الأتراك إلى التحايل عبر السوق السوداء لبيع بضائعهم في البلد الخليجي.
وتمر تركيا بأزمة اقتصادية حادة منذ 2016 لاسيما ارتفاع نسب التضخم وتراجع قيمة الليرة، وسط تأكيد خبراء اقتصاديين أن هذه المشكلات تعود إلى سوء إدارة الأزمات. وأضحت البلاد مصنّفة عند مستوى مرتفع المخاطر من جانب وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الرئيسية.
ورغم أن أنقرة تتطلع إلى زيادة حجم الصادرات مستقبلا لتصل إلى 10 مليارات دولار، لكن خبراء يرون أنه أمر صعب خاصة إذا جاءت حكومة جديدة بعد الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل، لأنه من المتوقع أن تعيد مراجعة الاتفاقيات التي أبرمتها حكومة الوفاق السابقة.
وما يعزز هذا المنحى المتعلق بوجود صعوبات قد تقف حائلا أمام تحقيق تركيا أطماعها في ليبيا هو المتغيرات الإقليمية المتسارعة والداعمة لإنهاء الاقتسام السياسي بعد اتفاق الفرقاء على تشكيل حكومة وحدة وطنية ستعمل على إيصال البلد إلى بر الأمان بعد الانتخابات.
وتشير التقديرات الرسمية إلى انخفاض حجم الاقتصاد التركي إلى حوالي 717 مليار دولار العام الماضي مقارنة مع نحو 760.8 مليار دولار في العام السابق.