الصحافيون الأردنيون يتنفسون الصعداء برفض النواب لقانون يقيّد الحريات

مجلس النواب الأردني يرفض التعديل الحكومي الذي يعتبر نشر الأخبار الكاذبة حول قضايا الفساد جرما يعاقب مرتكبه بالحبس وبغرامة مالية أو بكلتا العقوبتين.
الجمعة 2021/06/11
النواب ينتصرون لحرية الإعلام

فاز الصحافيون الأردنيون بجولة في معركة الحريات الإعلامية عبر مساندة نواب مجلس الشعب لمطالبهم بإلغاء تعديل قانوني يشدد القيود على العمل الصحافي، فيما يحتاج القطاع إلى الكثير من الجهود لدعمه مهنيا وماليا إضافة إلى قطع الطريق على محاولات تمرير قوانين مماثلة.

عمان- انتصر مجلس النواب الأردني للصحافيين وللحريات الإعلامية، بإلغاءه للمادة “10” من مشروع قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد التي تقضي بإدراج قضايا النشر ضمن قانون مكافحة الفساد والذي يشكل تقييداً للحريات ويعد توسعاً في التشريعات التي من شأنها التضييق على الصحافيين.

وقال مجلس النواب في بيان رسمي أصدره الخميس إن تعديلات النواب على مشروع القانون المعدل، لقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، شكلت انتصاراً للحريات الصحافية ولمطالب الجسم الإعلامي، حيث شطب المجلس نص المادة الواردة من الحكومة والتي تجرم نشر الأخبار الكاذبة في قضايا الفساد.

وشطب النواب التعديل الحكومي الذي اعتبر نشر الأخبار الكاذبة حول قضايا الفساد جرماً يعاقب مرتكبه بالحبس أربعة أشهر وبغرامة لا تقل عن 500 دينار ولا تزيد عن 5000 آلاف دينار أو بكلتا العقوبتين.

وأثار التعديل الذي يعتبر أن نشر المعلومات الكاذبة بحق أي شخص بقصد تحقيق منافع شخصية أو اغتيال شخصية أو التأثير على مصداقيته أو الإضرار بسمعته واستغلال النفوذ، من جرائم الفساد، مخاوف داخل الأوساط الإعلامية، من أن تكون هذه المادة أداة حكومية جديدة للتضييق على حرية الصحافة في البلاد.

خالد القضاة: التعديلات منافية تماما لتأكيدات الحكومة الدائمة بحرية الإعلام

وقال صحافيون إن الحكومة كانت تهدف من وراء هذا التعديل منع نشر أي معلومات عبر المواقع الإخبارية الإلكترونية، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى تناولها عبر البرامج الإذاعية أو التلفزيونية، حول القضايا التي تحقق بها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، خاصة وأن الحكومة أو الإدعاء العام قرر في أكثر من مناسبة، منع النشر في قضايا فساد مالي، ومنع تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضا.

وطالبت نقابة الصحافيين، النواب، فور تقديم الحكومة لمشروع القانون المعدل، برد القانون دون مناقشته، خاصة وأن تطبيقه سيكون بمثابة تحجيم لعمل الصحافيين والإعلاميين، وتسمح للحكومة بملاحقة الصحافيين بشكل واسع.

واعتبر خبراء في قضايا النشر أن التعديلات المدرجة ذات خطورة كبيرة، خاصة وأنها تتضمن مصطلحات سياسية كاغتيال الشخصية، وأن التعديل القانوني يحبس المشتكى عليهم في مثل هذه القضايا بما يشابه قانون محكمة أمن الدولة.

ووفق عضو نقابة الصحافيين خالد القضاة، تعتبر هذه التعديلات منافية تماما لتأكيدات الحكومة الدائمة بحرية الإعلام في الأردن. وأشار القضاة إلى أنها المرة الثالثة التي تحاول فيها قوى مختلفة في الدولة خلال مجالس نواب مختلفة، تمرير قانون يُحد من حريات الصحافيين.

وقال إن تقييد حرية الصحافة يأتي من خطورة القوانين المطروحة كقانون الجرائم الإلكترونية والقوانين التي تتعلق بالخدمة المدنية والتي تمنع الموظف الحديث عن مؤسسته، وغيرها من القوانين التي تجرم الصحافيين.

ونبه إلى أن الأنظمة المطروحة مُرهبة للصحافيين، والحراك القائم يشكل قوّة دافعة لإسكاتهم، مضيفا أن منع نشر القانون والتصدي لهُ أسهل من تعديله لاحقاً، ولا بد من أن يقف الصحافيون جسداً واحداً تحت مسمى السلطة الرابعة.

وكشف القضاة أن اللجنة القانونية كانت من أشد المعارضين لقرارات المجلس، وأن هناك نيّة لتقييد حرية التعبير قدر الإمكان بأي نص كان، لذلك فإن عملية الضغط والتصعيد من الصحافيين والنقابيين مدروسة للرد على المادة المطروحة من مجلس النواب.

وكان رئيس الوزراء بشر الخصاونة، برر أمام مجلس النواب إدراج هذا البند في قانون مكافحة الفساد، بأن بعض جرائم النشر واغتيال الشخصية تعد مظهرا من مظاهر الفساد، لا بل ويسيء إلى سمعة الوطن ويحول دون أداء الكثير من الموظفين العامين لواجباتهم. ورأى أن هذا التعديل سيحد من نشر المعلومات المغلوطة وغير الحقيقية، ويفتح المجال أمام هيئة النزاهة لممارسة عملها بشكل أكثر فعالية.

ينال البرماوي: النقابة تضع من ضمن أولوياتها مساعدة الصحف الورقية على تجاوز الأزمات المالية

لكنّ مختصين بالقانون الأردني أكدوا أنه لا توجد ضرورة لإدراج مثل هذه التعديلات في قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، في ظل وجود نصوص مشابهة تجرم نشر المعلومات الكاذبة والقدح والذم في قانوني الجرائم الإلكترونية وقانون المرئي والمسموع.

بدوره، رحب مركز حماية وحرية الصحافيين بإلغاء مجلس النواب للمادة “10” التي تجرم نشر الأخبار الكاذبة باعتبارها من قضايا الفساد، وكانت ستشكل في حال إقرارها قيدا جديدا على حرية التعبير والإعلام. وأكد أن تجاوب مجلس النواب مع مطالب الإعلاميين والإعلاميات يعد خطوة إيجابية مقدرة.

ودعا “حماية الصحافيين” مجلس النواب إلى مراجعة حزمة التشريعات التي تفرض قيودا على عمل الصحافة مطالبا بتشكيل لجنة مشتركة مع خبراء إعلاميين وقانونيين تقوم بمواءمة القوانين مع المعايير الدولية لحرية الإعلام وأفضل الممارسات في العالم.

وتعتبر التشريعات القانونية وإشكالياتها المتعلقة بالحد من حرية التعبير والعمل الصحافي واحدة من مشاكل عديدة في القطاع الصحافي الأردني، تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمهنية لاسيما في الصحف الحكومية.

وبدأت الحكومة تلتفت أخيرا إلى الصحف وتعترف بضرورة دعمها للخروج من أزماتها. وأكد مجلس نقابة الصحافيين أهمية العمل على تحسين الأوضاع المعيشية للصحافيين بانتظام الرواتب ودفع المتأخرة منها كما أكد المجلس خلال لقاءين منفصلين مع رئيس مجلس الإدارة والمدير العام ورئيس التحرير المسؤول لصحيفتي “الرأي” و”الدستور”، على ضرورة تعزيز الأمن الوظيفي ورفض المجلس لأي توجهات لإجراء الهيكلة في صفوف الصحافيين والذين يشكلون النسبة الأقل من إجمالي عدد العاملين وتراجعت أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال القائم بأعمال نقيب الصحافيين ينال البرماوي إن النقابة تضع من ضمن أولوياتها مساعدة الصحف الورقية على تجاوز الأزمات المالية التي تعاني منها ولذلك تم العمل بتشاركية مع إدارات الصحف لأجل تحسين إيرادتها بخاصة من الإعلانات.

وأشار البرماوي إلى أنه تم البدء بمعالجة متدرجة أفضت إلى اتفاق مهم بين إدارة الصحف قادته النقابة لزيادة الإيرادات من الإعلان القضائي، مؤكدا أن هناك خطوات أخرى ستبحث قريبا ومواصلة الجهود لرفع سعر الإعلان الحكومي وجوانب أخرى تخدم الصحف. ونوّه بأنه تم تحقيق إنجازات سابقا على هذا الصعيد بخاصة رفع سعر الإعلان الحكومي بنسبة 120 في المئة وغيرها.

اعتبر خبراء في قضايا النشر أن التعديلات المدرجة ذات خطورة كبيرة، خاصة وأنها تتضمن مصطلحات سياسية كاغتيال الشخصية

من جانبه، أشار رئيس مجلس إدارة صحيفة “الدستور” محمد داودية إلى حجم التحديات التي تواجه الصحف الورقية بشكل عام وقال إن هناك إجراءات تمت سابقا لمساعدة “الدستور” على تجاوز أزمتها المالية لكن المسار تعثر بسبب جائحة كورونا.

ويطالب العاملون في الصحيفة بإعطاء الأولوية في الإجراءات القادمة لصرف الرواتب والمتأخرات المالية وتسديد أقساط البنوك ومؤسسات الإقراض وأن تتحمل الشركة الفوائد والتبعات المالية المترتبة على تأخير تسديدها.

وينتظر استكمال لجنة العاملين في الصحيفة مناقشة تلك المقترحات والتشاور مع كافة العاملين بالتنسيق مع النقابة بهدف إبرام اتفاق بين الإدارة والعاملين برعاية النقابة. وسيقوم مجلس النقابة بعقد لقاءات قريبا مع عدد من إدارات مؤسسات إعلامية أخرى للبحث في قضايا الزملاء والمهنة.

18