أوروبا تتحول إلى قلعة ذات حصون رقمية في مواجهة المهاجرين

أرسلت أوروبا رسالة شديدة اللهجة إلى المهاجرين بصوت مرتفع وبقوة التكنولوجيا وسلطة القانون من خلال استخدام شرطة الحدود اليونانية لحصون رقمية عبر جهاز صوتي بعيد المدى بهدف تعقب حركة المهاجرين للكشف عن أي حركة مشبوهة باستخدام تحليل الذكاء الاصطناعي.
بيبلو (اليونان) – بينما يبدأ العالم في الانفتاح على السفر مرة أخرى، ترسل أوروبا للمهاجرين رسالة بصوتها المرتفع: ابقوا بعيدًا! إذ تهدف إلى تطويق حركة المهاجرين عبر الحدود اليونانية التركية مما أثار جدلا حقوقيا حول تجريب أوروبا للتكنولوجيا على اللاجئين ما ينافي حقوق الإنسان.
وأطلقت شرطة الحدود اليونانية رشقات نارية تصم الآذان من شاحنة مدرعة عبر الحدود إلى تركيا. يُعد الجهاز الصوتي بعيد المدى، أو “مدفع الصوت”، المُثبَّت على السيارة، بحجم جهاز تلفزيون صغير ولكن يمكن أن يضاهي حجم محرك نفاث.
يعد الجهاز جزءًا من مجموعة واسعة من الحواجز الرقمية الجديدة التي يتم تركيبها واختبارها خلال هذه الأشهر الهادئة التي ينتشر بها وباء فايروس كورونا على الحدود اليونانية التي يبلغ طولها 200 كيلومتر (125 ميلًا) مع تركيا لمنع المهاجرين من دخول الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني.
يغلق جدار فولاذي جديد، على غرار البناء الأخير على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، نقاط العبور شائعة الاستخدام على طول نهر إيفروس الذي يفصل بين الدولتين.
مليارات يورو ضخها الاتحاد الأوروبي في أبحاث التكنولوجيا الأمنية في أعقاب أزمة اللاجئين
تم تجهيز أبراج المراقبة القريبة بكاميرات بعيدة المدى ورؤية ليلية وأجهزة استشعار متعددة. سيتم إرسال البيانات إلى مراكز التحكم للإبلاغ عن أي حركة مشبوهة باستخدام تحليل الذكاء الاصطناعي.
وقال الرائد في الشرطة ديمونستينيس كامارجيوس، رئيس سلطة حرس الحدود في المنطقة، لوكالة أسوشيتيد برس “ستكون لدينا صورة ‘ما قبل الحدود’ واضحة لما يحدث”.
وضخ الاتحاد الأوروبي 3 مليارات يورو (3.7 مليار دولار) في أبحاث التكنولوجيا الأمنية في أعقاب أزمة اللاجئين في 2015-2016، عندما فر أكثر من مليون شخص – الكثير منهم هربوا من الحروب في سوريا والعراق وأفغانستان – إلى اليونان وإلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وتهدف شبكة المراقبة الآلية التي يتم بناؤها على الحدود اليونانية التركية إلى اكتشاف المهاجرين مبكرًا وردعهم عن العبور، مع تسيير الدوريات النهرية والبرية باستخدام الكشافات والأجهزة الصوتية بعيدة المدى.
وقال كامارجيوس “إن العناصر الرئيسية للشبكة ستطلق بحلول نهاية العام. مهمتنا هي منع المهاجرين من دخول البلاد بشكل غير قانوني. نحن بحاجة إلى معدات وأدوات حديثة للقيام بذلك”.
تطوير برامج عالية
طور باحثون في جامعات في جميع أنحاء أوروبا، يعملون مع شركات خاصة، تقنيات مراقبة وتحقق مستقبلية، واختبروا أكثر من 12 مشروعًا على الحدود اليونانية.
تم تجريب أجهزة كشف الكذب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي وروبوتات حرس الحدود الافتراضية، بالإضافة إلى جهود لدمج بيانات الأقمار الاصطناعية مع لقطات من طائرات مسيرة في البر والجو والبحر وتحت الماء. تسجل أجهزة مسح راحة اليد الأوردة في يد الشخص لاستخدامها كمعرف بيولوجي، كما قام صانعو تقنية إعادة بناء الكاميرا بمحو أوراق الشجر تقريبًا، مما يكشف الأشخاص المختبئين بالقرب من المناطق الحدودية.
تم إجراء الاختبارات أيضًا في المجر ولاتفيا وأماكن أخرى على طول المحيط الشرقي للاتحاد الأوروبي.
كما وقع تطوير استراتيجية معاداة الهجرة الأكثر عدوانية من قبل صانعي السياسة الأوروبيين على مدى السنوات الخمس الماضية، وتمويل الصفقات مع دول البحر المتوسط خارج الكتلة لوقف المهاجرين وتحويل وكالة حماية الحدود في الاتحاد الأوروبي، فرونتكس، من آلية تنسيق إلى قوة أمنية دولية.
لكن صفقات الهجرة الإقليمية تركت الاتحاد الأوروبي عرضة لضغوط سياسية من جيرانه.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، عبر عدة آلاف من المهاجرين من المغرب إلى سبتة الإسبانية في يوم واحد، مما دفع إسبانيا لنشر الجيش. ووقعت أزمة مماثلة على الحدود اليونانية التركية واستمرت ثلاثة أسابيع العام الماضي.
تضغط اليونان على الاتحاد الأوروبي للسماح لفرونتكس بالقيام بدوريات خارج مياهها الإقليمية لمنع المهاجرين من الوصول إلى ليسبوس والجزر اليونانية الأخرى، وهي أكثر الطرق شيوعًا في أوروبا للعبور غير القانوني في السنوات الأخيرة.
وكونها مسلحة بأدوات تقنية جديدة، تميل سلطات إنفاذ القانون الأوروبية أكثر إلى الخارج.
لن يتم تضمين جميع برامج المراقبة التي يتم اختبارها في نظام الكشف الجديد، لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن التكنولوجيا الناشئة ستجعل من الصعب على اللاجئين الفارين من الحروب والصعوبات الشديدة العثور على الأمان بسهولة.
وقام باتريك براير، المشرّع الأوروبي من ألمانيا، بإحالة سلطة بحثية تابعة للاتحاد الأوروبي إلى المحكمة، مطالبًا بنشر تفاصيل برنامج كشف الكذب
المدعوم بالذكاء الاصطناعي. وقال براير “ما نراه على الحدود، وفي معاملة الرعايا الأجانب بشكل عام، هو أنه غالبًا ما يكون مجال اختبار للتقنيات التي يتم استخدامها لاحقًا على الأوروبيين أيضًا. ولهذا السبب يجب على الجميع الاهتمام، من أجل مصلحتهم الخاصة”.
وحث براير السلطات على السماح بعمل مراقبة واسعة لأساليب مراقبة الحدود لمراجعة المخاوف الأخلاقية ومنع بيع التكنولوجيا للأنظمة الاستبدادية خارج الاتحاد الأوروبي.
انتهاك حقوق الإنسان

جادلت إيلا جاكوبوسكا، من مجموعة الحقوق الرقمية “إدري”، بأن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يتبنون “الحلول التقنية” لتهميش الاعتبارات الأخلاقية في التعامل مع قضية الهجرة المعقدة.
وقالت جاكوبوسكا “إنه لأمر مقلق للغاية أن أموال الاتحاد الأوروبي يتم ضخها مرارًا وتكرارًا في تقنيات باهظة الثمن تُستخدم بطرق تجرِّم وتجرِّب وتنزع صفة الإنسانية عن القائمين عليها”.
وتباطأت تدفقات الهجرة في أجزاء كثيرة من أوروبا خلال الوباء، مما أدى إلى توقف الزيادة المسجلة على مدى سنوات. وفي اليونان، على سبيل المثال، انخفض عدد الوافدين من حوالي 75 ألفًا في عام 2019 إلى 15700 في عام 2020، بانخفاض قدره 78 في المئة.
لكن الضغط سيعود بالتأكيد. وبين عامي 2000 و2020، ارتفع عدد المهاجرين في العالم بأكثر من 80 في المئة ليصل إلى 272 مليونًا، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، متجاوزًا بسرعة النمو السكاني الدولي.
وفي قرية بوروس الحدودية اليونانية، كانت مناقشة الإفطار في أحد المقاهي تدور حول الأزمة الأخيرة على الحدود الإسبانية المغربية. العديد من المنازل في المنطقة مهجورة وفي حالة انهيار تدريجي، والحياة تتكيف مع هذا الواقع.
وتستخدم الأبقار الجدار الفولاذي كحاجز من الريح وتستريح في مكان قريب.
ويقول باناجيوتيس كيرجيانيس، أحد سكان بوروس، إن الجدار والإجراءات الوقائية الأخرى أديا إلى توقف عبور المهاجرين “اعتدنا على رؤيتهم يعبرون ويأتون عبر القرية في مجموعات من 80 أو 100. لم نكن خائفين. لكنهم لا يريدون الاستقرار هنا. كل هذا الذي يحدث حولنا لا يتعلق بنا”.
وخلال السنوات الأخيرة وضع صانعوا السياسة الأوروبية استراتيجية للهجرة أكثر لوقف المهاجرين ومنعهم من الوصول إلى القارة.
يعمل الجهاز الصوتي المُثبَّت على السيارة بكاميرات وأجهزة استشعار على إرسال البيانات إلى مراكز التحكم للإبلاغ عن حركة مشبوهة باستخدام الذكاء الاصطناعي
وبالتزامن مع أزمة كورونا تبعثرت أوراق صانعي القرار الأوروبيين وتحمّل اللاجئون ضريبة باهظة بسبب ذلك، حيث استغلت بعض الدول الأوروبية الجائحة للحد من إمكانية تقديم طلبات اللجوء وتكثيف عمليات صد المهاجرين وإبعادهم وإعادتهم إلى المياه الدولية، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتشير معلومات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن حق اللجوء في دول أوروبية يتم الحد منه خلال جائحة كورونا. حيث هناك تقارير تفيد بأن “دولا أوروبية” تحد من إمكانية التقدم بطلب للجوء وإعادة المهاجرين وصدهم أو حتى استخدام العنف ضدهم، حسب ما أفادت به في برلين جليان تريغز، نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين الخميس (28 يناير 2020). وحذرت تريغز من تعليق حق الإنسان في اللجوء بسبب جائحة كورونا.
وقالت المسؤولة الأممية يبدو أن عمليات صد المهاجرين تتم بشكل منهجي وباستخدام العنف ضدهم، حيث “يتم إعادة قوارب اللاجئين وجرها إلى خارج المياه الإقليمية”. ويفيد الكثير من المهاجرين باستخدام القوة ضدهم وإساءة معاملتهم من قبل موظفي الدولة. كما يتم أحيانا توقيف وحبس المهاجرين ولا يتم بحث حاجة طالبي اللجوء للحماية.
وأشارت تريغز إلى أنه يجب احترام والالتزام بمبادئ اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين واتفاقية الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان وقوانين الاتحاد الأوروبي التي تحتم على الدول بحث وفحص حق المهاجر بطلب اللجوء والحماية. كما أن الذين يهربون من بلادهم بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، يجب عدم صدهم وترحيلهم حتى لو هاجروا (دخلوا البلاد) بصورة غير شرعية، حسب مسؤولة الأمم المتحدة التي أكدت أن الأمر ليس اختياريا وإنما يتعلق بالتزام “قانوني وأخلاقي” وختمت تصريحاتها بالقول إن عمليات صد المهاجرين “غير شرعية”.
وطالبت ببحث عمليات الصد هذه والتحقيق فيها، حيث يجب أن تكون هناك آليات مراقبة وطنية مستقلة لمنع عمليات الصد والإعادة من على الحدود وضمان تمكين المهاجرين من التقدم بطلب للجوء.
وحسب إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين الواصلين إلى دول الاتحاد الأوروبي قد تراجع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث لم يتجاوز عدد من وصل خلال عام 2020 سواء عن طريق البر أو البحر الـ95 ألف شخص في حين كان عددهم عام 2019 قد وصل إلى 123 ألف وفي عام 2018 وصل إلى 141 ألف شخص.
وخلال السنوات الأخيرة تعددت مظاهر توظيف التكنولوجيا في استهداف المهاجرين وفي العام 2019 أثارت دائرة خدمات الهجرة والمواطنة الأميركية (USCIS) جدلا واسعا وتعرضت لانتقادات بسبب استخدامها لأدوات الترجمة على الإنترنت، لفحص منشورات المهاجرين على مواقع التواصل الاجتماعي للمهاجرين.
على الرغم من أنّ شركة غوغل قالت إنّ خدمة الترجمة لا تهدف إلى استبدال المترجمين البشر، ولا يجب الاعتماد عليها للمهام المعقّدة، لكن الحكومة الأميركية استخدمتها للمساعدة في تقرير ما إذا كان ينبغي السماح للاجئين بالوصول إلى البلاد بناءً على منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وينصح دليل موظفي خدمات المواطنة والهجرة الأميركية باستخدام واحدة من العديد من خدمات الترجمة المجانية عبر الإنترنت التي توفرها غوغل وياهو ومايكروسوفت ومحركات البحث الأخرى، وذلك لترجمة المنشورات باللغات الأجنبية.
وقال اتحاد الحريات المدنية الأميركي، حينها وهو مجموعة مدافعة عن الحقوق المدنية، إنه “لا يوجد دليل على أنّ مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي هذه فعّالة أو عادلة”، وأضاف أنّ ذلك سيؤدي إلى فرض الرقابة الذاتية على الناس عبر الإنترنت.
وقالت هينا شمسي مديرة مشروع الأمن القومي في الاتحاد في بيان “سيتساءل الناس الآن عمّا إذا كان ما يقولونه على الإنترنت سيُحرّف أو يُساء فهمه من موظف حكومي”.
وأضافت “هناك خطر حقيقي من أن التدقيق في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي سيستهدف مهاجرين ومسافرين من دول ذات أغلبية مسلمة بشكل ظالم، ويعرضهم لرفض التأشيرات دون تمييز ودون أن يفعل ما يذكر لحماية الأمن القومي”.