بائع غاز عراقي يستعين بأغاني ياس خضر لاستقطاب زبائنه

الشاب منتظر عباس يعتبر آخر موزع للغاز يعتمد على الغناء لبيع قوارير الغاز في شوارع بغداد.
الجمعة 2021/06/04
تقليد الغناء لبيع الغاز يجمع العمل بالمتعة

بغداد - يستيقظ أهالي حي الكرادة في بغداد كل صباح على صوت بائع قوارير الغاز منتظر عباس، مردّدا كلمات أغنية الفنان العراقي المعروف ياس خضر "رجع قلبي يحن"، وهو يحلم بأن يفتح له شغفه بالغناء أبواب الشهرة.

ولا ينفك عباس عن تكريم الفنان الملقب بـ"بصوت الأرض" لاستقطاب زبائنه مغنيا "قلبي يعيد اكتشاف الحب، كأنما لم يتعلم من معاناة الماضي".

وهذا الشاب البالغ 22 عاما هو آخر موزع للغاز في بغداد يغنّي متنقلا على عربة مثبتة إلى دراجة نارية يسميها العراقيون “ستوتة”، ليعلم زبائنه بأنه وصل، فيستقبلونه بابتسامة تحفزه على مواصلة التجوال والغناء.

حاتم العراقي بدأ بائعا يجول بالطرقات وينادي على بضاعته بصوته الغنائي
حاتم العراقي بدأ بائعا يجول بالطرقات وينادي على بضاعته بصوته الغنائي

وورث عباس هذه المهنة عن والده الذي علّمه كل شيء، وهو يجوب شوارع وأروقة ذلك الحي التجاري في وسط بغداد منذ العام 2007.

ويروي عباس لوكالة فرانس برس بقميصه البرتقالي وقبعته التي تحميه من الشمس “أنا آخر بائع يغني وعندما يتعرف الناس على صوتي يفتحون أبواب منازلهم وينادونني. آخرون يتصلون بي ويطلبون أيضا مني الغناء لجمع العمل بالمتعة”.

ويحبّ أحمد علي صاحب محل بقالة في الثلاثين من العمر، غناء عباس. ويقول “طريقة غنائه جميلة وممتعة لاسيما في هذه الأيام. سنفتقد ذلك مستقبلا، كان هناك كثر مثله لكن الآن لم يعد لهم وجود”.

ويتحسّر الشاب ذو اللحية الكثيفة والابتسامة العريضة لأن باعة الغاز باتوا يستخدمون “موسيقى مسجلة، لكنها بصراحة مملة”، مضيفا “على الأقل عباس صوته جميل، وهو ما يدفعني لأشتري منه”.

ومع ذلك تكون موسيقى عمال التوصيل في بعض الأحيان، دافعة للسخرية.

ويهزأ مختار طالب، وهو مدوّن عبر الإنترنت، في مقطع فيديو من تلك المعادلة، متسائلا عن السبب الذي يدفع بائعي الغاز إلى وضع أغانٍ حزينة حينما يتجولون لبيع بضائعهم ويقول “إنها مجرّد قارورة غاز”.

ويتذكر كمال، البالغ 55 عاما والمقيم في منطقة بغداد الجديدة في شرق المدينة، بدوره الأيام التي كانت تعج فيها بغداد بباعة الغاز الجوالين المغنين.

ويقول “أخبرتهم حينها بأن أصواتهم جميلة وشجّعت العديد منهم على المشاركة في سباقات الإذاعة، لكن بينهم من لم يتجرأ على ذلك، فقد كانت ملابسه رثّة”.

وكان في السابق هناك “لجنة امتحان الأصوات”، لأشخاص راغبين في أن يكونوا مطربين تنظّمها هيئة الإذاعة والتلفزيون العراقي تتألف من موسيقيين ونقاد في الفن وشعراء مهمتها اختيار الفائزين، ومن ينال قبولها تتاح له فرصة تسجيل أغانيه.

وبدأ العديد من الفنانين العراقيين مشوارهم الفني عن طريق تلك المسابقة، لكن بعد غزو العراق عام 2003، وصلت أحزاب إسلامية للسلطة واجتاحت أعمال العنف البلاد، ولم يعد للجنة وجود رغم المطالبات المتكررة خلال الأعوام الماضية بإعادة تفعليها.

وتوقف باعة الغاز أيضا عن الغناء وباتوا يعلمون الزبائن بقدومهم بموسيقى مسجلة يبثونها عبر مكبرات الصوت، أو يطرقون على قوارير الغاز لجذب الانتباه.

ومن بين هؤلاء أبوطيبة الذي يبلغ خمسين عاما، قائلا “زبائني يعرفونني من الإيقاع ومن طريقتي بالطرق”.

واختفى تقليد الغناء لبيع الغاز في أغلب دول المنطقة في عمّان مثلا. وبهدف الحد من الضجيج، أرغمت البلدية عمال التوصيل على اعتماد مقطوعة بيتهوفن “من أجل إليزه”، فقط لإعلام الزبائن بقدومهم.

وفي لبنان وسوريا اندثر الباعة الجوالون على عربات تجرها الحمير أو الأحصنة، وأصبح غالبية الأشخاص يذهبون بأنفسهم لشراء قوارير الغاز أو يتصلون بعامل توصيل لإحضارها.

ولا يحكم عباس على طريقة عمل عمال التوصيل الآخرين، لافتا “كل حسب وجهة نظره وأنا أفضل الطريقة التقليدية. غالبية زبائني يفضلون غنائي”.

ولا يريد عباس مع ذلك أن يورث هذه المهنة لأولاده، مؤكدا أن هذا “عمل صعب جدا وأجره قليل”.

ويأمل هذا الشاب الذي لا يكف عن الغناء خلال عمله ومع أصدقائه وخلال جلساته العائلية، في أن يصبح يوما مثل حاتم العراقي، المغني العراقي المشهور الذي يعيش حاليا في دبي.

ويقول عن العراقي بأنه “إنسان رائع، من مدينة الصدر مثلي، كوّن مستقبله من مهنة بسيطة مثلي وأصبح مغنيا رائعا”. ويضيف “أي بائع غاز يتمنى أن يكون مثل حاتم العراقي”.

24