سكان بني وليد الليبية يلوحون بأغصان الزيتون أملا في إنهاء عزلتهم

أحمد العمامي
بني وليد (ليبيا) – ما زال علم ليبيا في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي يرفرف في بعض مناطق مدينة بني وليد، وتعج الشوارع بالإهمال لكن سكانها لديهم أمل جديد في مستقبل مدينتهم وبلادهم.
وخلال زيارة قام بها مؤخرا رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة الذي يقود حكومة وحدة وطنية جديدة، لوح الناس بأغصان الزيتون لدى مرور موكبه عبر المدينة التي ظلت معزولة لفترة طويلة بسبب الخلافات السياسية. ورفع أطفال أيديهم بعلامة النصر.
وجرى تعيين الدبيبة في مارس الماضي، وأدى اليمين أمام برلمان ليبيا المنقسم بعد أن تم اختياره عبر عملية حوار برعاية الأمم المتحدة، وهي خطوة اعتُبر على نطاق واسع أنها توفر أفضل فرصة للسلام في سنوات، رغم ما قد تتسم به من هشاشة.
وحلت حكومته المؤقتة محل إدارتين منقسمتين في الشرق والغرب، وأتت بمجموعات تمثل مصالح فصائل أو أقاليم إلى مواقع السلطة أو الرعاية.
لكنها ما زالت تواجه تحديات ضخمة تشمل وجود العديد من الجماعات المسلحة على الأرض، وانعدام الثقة بين المجتمعات، والنزاعات على توزيع الثروة النفطية.
وفيما عزز تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا الآمال في أن تكون هذه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا والتي مزقتها الحرب عبرت منعطفا باتجاه السلام، لكن محللين يحذرون من أن العقبات الرئيسية لا تزال قائمة.
ويعد إخراج المرتزقة من ليبيا إحدى التحديات الحاسمة التي اعترف بها الدبيبة خلال جلسات منح الثقة للحكومة. إضافة إلى ذلك تشكل الدعوى إلى تأسيس للمصالحة تحدّيا لا يقل أهمية بالنسبة إلى بلاد عانت الانقسام طيلة عقد من الزمن.
وكان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قد ركز في كلمته أثناء أداء حكومة الوحدة اليمين الدستورية في 15 مارس بمدينة طبرق على أهمية “تأسيس نواة للمصالحة”.
لكن المنفي اعترف أن “المصالحة النهائية لا يمكننا بلوغها نهاية العام”.
وفي مناسبة أخرى أوضح أن “الجهد الأكبر سينصب لتأسيس عملية مصالحة وطنية من خلال بناء هياكلها وتوفير متطلباتها عبر ترسيخ قيم العفو والصفح والتسامح”.
فالهدف من تحقيق حد أدنى من التوافق والتصالح هو الوصول إلى تنظيم انتخابات 24 ديسمبر، إذ لا يمكن إجراؤها بدون حد أدنى من التصالح والقبول بالآخر.
فمنذ 2011 انقسم الليبيون بين مؤيد لنظام معمر القذافي ومناصر لثورة 17 فبراير، وأخذ هذا الانقسام طابعا سياسيا وحتى اجتماعيا، إذ تمسكت عدة قبائل بدعم نظام القذافي حتى بعد سقوطه.
وتلك المشكلات جلية في بني وليد، إذ ترك عقد من القتال والعزلة والانقسام أثره الغائر الذي تجسد في شوارع مليئة بالحفر وبنايات محترقة مليئة بآثار الرصاص.
ويقول عبدالفتاح جبارة وهو معلم وصانع قهوة في وسط المدينة “المدينة مهمشة ومعزولة وتحتاج للكثير من الدعم”.
وسلط وجود عربات مصفحة من قوات اللواء 444 الذي مقره طرابلس لحماية الدبيبة وموكبه ووزراء الحكومة لدى مرورهم في بني وليد الأسبوع الماضي الضوء على المخاوف من تجدد أعمال العنف مرة أخرى.
وتولى المقاتلون الذين كانوا يرتدون الزي الرسمي والأقنعة مسؤولية تأمين كل نقاط التفتيش من ضواحي طرابلس وحتى مشارف بني وليد.
وعندما انتفض الليبيون ضد القذافي في 2011 ودعم حلف شمال الأطلسي انتفاضتهم، كانت بني وليد معقلا للزعيم الراحل.
وبعد عام تقاتلت مع قوات أغضبتها الحماية التي منحها سكان المدينة لمقاتل متهم بارتكاب انتهاكات.
وبدأت تلك المعارك عقدا من العزلة لبني وليد، إذ انقطعت صلتها بالفصائل الرئيسية التي حكمت معظم ليبيا من العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي في الشرق.

ولا تزال بعض البنايات تحمل أثر القصف من ثقوب ونوافذ مهشمة وجدران عليها علامات الاحتراق. وعند مدخل المدينة لا يزال علم البلاد الأخضر قبل الثورة يرفرف، وملصقا يحمل صورة القذافي معلقا.
والطرق غير ممهدة أو كانت مليئة بالحفر. ونمت الحشائش في مداخل بنايات مهجورة، كما انتشرت برك من مياه الصرف الراكدة تغطيها الطحالب قرب مجمعات سكنية.
ويعد الدبيبة أول مسؤول حكومي كبير يقطع المسافة بين طرابلس وبني وليد والتي تبلغ 180 كيلومترا منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
وغطت حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها على المشكلات الداخلية بالسخاء، حيث استخدمت عائدات البلاد النفطية لمنح عقود وإصلاح البنية التحتية وبدء مشروعات.
وفي مصنع للسجاد عُرف قبل 2011 بمنتجاته عالية الجودة من الصوف الطبيعي، انتشرت بيوت العنكبوت والأتربة على آلات غزل متوقفة. ولا يعمل منها الآن إلا القليل.
وتقول فاطمة مسعود (50 عاما) التي تعمل في المصنع منذ 20 عاما “المصنع يحتاج إلى الدعم (…) لا شيء في المدينة يمكن أن يقدم مرتبات جيدة”.
ووعد الدبيبة بزيادة مرتبات العمال في المصنع بنسبة 70 في المئة، وبتخصيص أموال للتطوير. وقال “بني وليد لن تكون ساحة للحرب مرة أخرى. وسنخلق فرص عمل للشباب”.
لكن محللين سياسيين يقولون إن التركيز على الإنفاق يخاطر بإضعاف حكومة الوحدة الوطنية، مع معارضة البرلمان في شرق البلاد لميزانيتها.
كما أضافوا أن فرصة المحسوبية والثروة قد تثني الدبيبة عن الوفاء بتعهده بإجراء انتخابات لتشكيل حكومة دائمة لتحل محل حكومته.
لكن أهالي بني وليد رحبوا بزيارة الدبيبة وعلقوا آمالهم عليها.
ويقول أحد السكان ويدعى علي عبدالقادر في حفل تخرج حضره رئيس الحكومة “الحياة هنا شبه معدومة في المدينة. نحتاج إلى دعم عاجل”.
وتقع مدينة بني وليد غرب ليبيا وتبعد 180 كيلومترا عن العاصمة طرابلس، وتعتبر المدينة معقلا لأنصار النظام السابق حيث تعرضت للقصف من قبل حلف شمال الأطلسي خلال أحداث ما سمي بثورة فبراير 2011.
وبقيت مدينة بني وليد منذ أن تمت مهاجمتها في 2012 من قبل كتائب مصراتة بعد قرار أصدره المؤتمر الوطني حمل اسم القرار رقم 7، بعيدة عن دائرة اهتمامات الحكومات المتعاقبة.
وسمح غياب الدولة في المدينة بتعزيز سلطة القبيلة التي باتت تسيّر المدينة عن طريق ما يعرف بالحكم الرشيد، أما أمنيا فتعتبر سرية حماية بني وليد القوة التي تحمي المدينة وتتكون من شباب تطوعوا للقيام بهذه المهمة.