لا ترم فضلات الأكل حتى لا يجوع فقراء جنوب أفريقيا

جوهانسبرغ (مؤسسة تومسون رويترز) - عندما حصل سيدني بيوكس على رخصة قيادة الحافلة لم يتخيل نفسه قط خلف عجلة قيادة حافلة مدرسية عمرها 40 عاما تحولت إلى محل بقالة متنقل يخدم المقيمين من ذوي الدخل المنخفض في جوهانسبرغ.
ليست قيادة الحافلة سهلة، فلا يوجد توجيه مرن وهي تتحرك على طول الطريق، لكن بيوكس قال إنه كلما صعد أحد الزبائن على متنها لشراء البقالة التي لا يستطيع تحمل تكلفتها في المتاجر تذكّر لماذا لا يريد قيادة أي شيء آخر.
وقال بيوكس البالغ من العمر 24 عاما، وهو يقف بجوار الحافلة البيضاء اللامعة في ضاحية بيرترامز للطبقة العاملة، “نحن هنا من أجلهم، عندما يكون الناس عالقين دون طعام ومارّين بشهر صعب… يسعدني أن أراهم سعداء”.
انطلق مشروع حافلة سكافتين (وهي كلمة عامية محلية تعني علبة الغذاء) في بداية جائحة كورونا عندما ناشدت الناشطة إلكا ستاين رواد الأعمال الاجتماعية على وسائل التواصل الاجتماعي طرح أفكار لمساعدة المجتمع. فقد كان للإغلاق الصارم الذي بدأ في مارس 2020 تأثير مدمر على الملايين من مواطني جنوب أفريقيا.
وبحلول أبريل 2020 فقد 3 ملايين شخص وظائفهم وكان واحد من كل خمسة يعاني من الجوع، وفقا لمسح أجرته الجامعات.
وفي الربع الأخير من العام الماضي أظهرت الإحصاءات الحكومية بطالة قياسية بلغت 32.5 في المئة، مما يعني أن 7.2 مليون شخص كانوا عاطلين عن العمل.
وقالت ستاين من مكتبها في فيكتوريا ياردز، المصنع السابق لغسل الملابس وسط مدينة جوهانسبرغ والذي يضم الآن أستوديوهات فنية وحدائق خضروات وعيادة، “كنت أعرف أنني أريد البحث عن حلول مستدامة بشأن الطعام”.
ولقد أزيلت مقاعد الحافلة من أجل إفساح المجال للخزائن والرفوف لتكديس الخضروات والفاصوليا والتوابل والحبوب الطازجة. وبحلول يناير 2021 بعد 90 يومًا من شراء ستاين الحافلة القديمة أعيد بعثها كمتجر بقالة متنقل. وتقف الحافلة في أحياء المدينة المختلفة ثلاثة أيام في الأسبوع حيث يخبر فريق العمل الزبائن بما يهدف المشروع إلى تحقيقه، ويشجع المتسوقين على إحضار أكياسهم لتقليل النفايات البلاستيكية.
وقالت ستاين “أنظر إلى حافلة المدرسة القديمة هذه التي ولدت من فكرة مجنونة وأتساءل: كيف تمكنا من تحقيق ذلك؟”.
واستجاب 12 شخصا لدعوة ستاين على وسائل التواصل الاجتماعي في يونيو 2020، وانضموا إليها في جلسات تفكير استمرت تسعة أشهر.
وقالت سانيل مسيبي (34 عاما)، التي ردت على منشور ستاين بعد أن فقدت وظيفتها في حضانة أثناء الإغلاق، “شعرنا بأننا جزء من إحداث تغيير في مجتمعنا”.
ويُعدّ الجوع مشكلة ملحة في وسط المدينة حيث تتكون العديد من العائلات من العمال المهاجرين العاطلين عن العمل واللاجئين المحتشدين معا في غرف ويعيشون جنبا إلى جنب.
كما يمثل التلوث تحديا آخر، حيث يشتكي السكان من عدم كفاية التخلص من النفايات وجمعها مما قد يؤدي إلى تراكم أكوام من القمامة في الشوارع والحدائق.
وفي ضواحي جوهانسبرغ الشمالية الأكثر ثراء تعد متاجر مثل دي أنرابد رائدة في مجال الاستهلاك الصفري للنفايات، مما يشجع المتسوقين على إعادة استخدام الأواني الزجاجية والحاويات عند شراء الطعام بكميات كبيرة.
وأخذت ستاين أعضاء فريقها إلى المتجر أثناء الإغلاق، وناقشوا سبب غياب هذا المفهوم في المناطق ذات الدخل المنخفض. وأدركوا أن توفير طعام صحي وبأسعار معقولة للناس هو الأولوية القصوى، وأن المحادثة حول الحد من الهدر ستتبع هذه الخطوة.
وقالت مسيبي، بعد أن أطلعت أحد الزبائن على الأطعمة المعروضة، “يستمر الناس في القدوم إلى الحافلة ويسألون: من أتى بهذا؟ لقد كانت فكرة يحتاجها المجتمع حقا”.
وقالت ديزيري نغكوكانا إنها تذهب إلى الحافلة كل أسبوع لأنها توفر مواد “طازجة ونظيفة وبأسعار معقولة”. وقالت بائعة الملابس المستعملة إن ذلك ساعدها في توفير المال لأنها لم تكن مضطرة للتنقل إلى مركز تسوق لشراء البقالة. وتابعت “لن أنام جائعة”.
وصعدت ثولي (شقيقة مسيبي) إلى الحافلة لشراء بعض المواد الغذائية. وقالت “أحصل على كل ما أحتاجه هنا الآن، وأوفر ما يصل إلى 500 راند (36 دولارا) شهريًا من البقالة”.
لكن ستاين قالت إن بعض الناس ما زالوا يترددون في صعود الحافلة، قائلين إنهم يعتقدون أنها “تبدو باهظة بالنسبة إليهم”. وتابعت “لقد حطم هذا قلبي”، وتأمل أن يدرك المجتمع المحلي أن الحافلة ستكون مفتوحة للجميع مع مرور الوقت، حتى لو كان لديهم القليل من المال في جيوبهم.
وفي الوقت الحالي تموّل ستاين الحافلة من خلال شركتها الاستشارية، لكنها تأمل أن تصبح ذاتية الدعم قريبا. وقد أشادت المدينة بجهودها.
وقال نثاتيسي مودينغوان، المتحدث باسم المدينة، في تعليقات عبر البريد الإلكتروني “ترحب مدينة جوهانسبرغ بأي مبادرة تهدف إلى التخفيف من انعدام الأمن الغذائي وتشجعها وتدعمها”.
وأضاف أن المدينة تدعم صغار المزارعين من خلال توفير مرافق التخزين البارد والكهرباء والمياه والبذور والمعدات الزراعية وبرامج التدريب للمساعدة في مكافحة الجوع.
وتأمل ستاين أن يتبنّى الآخرون فكرتها وينقلوها إلى المدارس والبلدات والقرى. وقالت “لا أريد بناء إمبراطورية. أريد أن يأخذ المقلدون هذا المفهوم كلما اقتضت الضرورة “.