الطعام العضوي حيلة تسويقية تدغدغ الحلم البيئي

التقليل من الرحلات الجوية واستخدام وسائل النقل العام والاستهلاك الحذر للمياه هي سبل معروفة للمساعدة في مكافحة تغير المناخ، لكن هل حقا أن التوجه إلى الأطعمة العضوية وتغيير العادات الغذائية يساهمان في الحفاظ على البيئة؟ خبراء يؤكدون ذلك وآخرون يقولون ليس ذلك إلا حيلة تسويقية للطعام العضوي.
برلين - تختلف آراء الخبراء حول جدوى تغيير عاداتنا الغذائية بتناول الطعام العضوي، فالتقليل من أكل اللحوم والزراعات العضوية يساهمان في التخفيف من الغازات والحفاظ على البيئة، في حين يرى خبراء أن الزراعة العضوية التي تعتمد الأسمدة الطبيعية تساهم أيضا في إطلاق غازات الميثان، وما التسويق للطعام العضوي إلا حيلة تجارية بمبررات تبدو علمية في ظاهرها.
يقول ميشائيل بيلهارز، من وكالة البيئة الاتحادية الألمانية، إن تناول كميات أقل من اللحوم وشراء الأطعمة العضوية نافعان كثيرا من الناحية الصحية والبيئية.
ويعتمد مزارعو المنتجات العضوية على الأسمدة الطبيعية، وخاصة منها مخلفات الحيوانات وبقايا النباتات، أكثر من اعتمادهم على المواد الكيميائية المشتقة من المواد البترولية، كالأسمدة الصناعية ومبيدات الحشرات التي قد تؤذي الأفراد الذين يعيشون بالقرب من المزارع التي يتم فيها اعتماد هذه المواد.
وغالبا ما يحتوي الطعام العضوي على عناصر غذائية أكثر من احتوائه على غيرها من العناصر الأخرى، كاحتوائه على مضادّات الأكسدة، كما أن الزراعة العضوية تحافظ على البيئة وتوفر الماء وتقلل من تآكل التربة وتزيد من خصوبتها.
الكثير من المنتجات العضوية تحتوي على سكريات أو صوديوم أو نسبة دهون عالية وبذلك تكون غير صحية تماما
ويقول الكاتب مالت روباتش “علينا بالتأكيد أن نأكل كميات من اللحوم قليلة”، لأن الحمية النباتية تؤدي إلى خفض البصمة الكربونية بشكلٍ كبير.
والبصمة الكربونية هي إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يحدثها شخص أو مؤسسة أو مجتمع أو حدث أو منتج بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتؤدي الأنشطة المرتبطة بإنتاج الغذاء ومعالجته إلى انبعاث غازات الاحتباس الحراري. وعادةً ما تقاس البصمات الكربونية لإنتاج الغذاء بعدد الكيلوغرامات من غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من إنتاج كيلوغرام من الغذاء.
ويمكن أن يمثل الطعام ما يصل إلى ثلث البصمة الكربونية للأسرة؛ إذ يقول بيلهارز إنه في بلد أوروبي مثل ألمانيا يبلغ متوسط البصمة الكربونية للطعام نحو 1.7 طن للفرد سنويا بالنسبة إلى أولئك الذين يعتمدون نظاما غذائيا مختلطا.
ويوضح أن هذا الحجم ينخفض إلى ما بين 1.3 و1.4 طن بالنسبة إلى النباتيين، وإلى طن واحد بالنسبة إلى متبع النظام النباتي الأكثر صرامة والذي يتجنب أيضا أي منتجات لها صلة بالأنواع الحيوانية والطيور، مثل منتجات الألبان والبيض والعسل.
وينطلق معظم الكربون عن طريق منتجات الحيوانات المجترة، والتي تعني بشكل أساسي لحم البقر والجبن ومنتجات الألبان الأخرى، يليها لحم الخنزير والدجاج.
بالنسبة إلى أي شخص مهتم يمكن أن يكون نظام “الحمية الصحية الكوكبية” الغذائي دليلا إرشاديا. ويهدف هذا النظام إلى التأكد من حصول الجميع على ما يكفي من الطعام دون الإضرار بالكوكب.
ويقترح هذا النظام الغذائي تناول 300 غرام من اللحوم يوميا كحد أقصى لكل شخص، ويفضل أن تكون من لحوم الدواجن.
وفي الوقت نفسه تقترح جمعية التغذية الألمانية عدم تناول ما يزيد عن 300 إلى 600 غرام من اللحوم لكل شخص في الأسبوع.
يقول بيلهارز إن النظام الغذائي يركز على زيادة التركيز على البقوليات والحبوب لتصبح المصدر الرئيسي للبروتين.
ويضيف أن الطعام الصحي والطعام الصديق للبيئة يمكنهما المضي جنبا إلى جنب. وينصح بقوله “اتبع نظاما غذائيا نباتيا قدر الإمكان، وتأكد من تناول الألياف وتقليل الدهون الحيوانية، وتناول الكثير من الخضروات والفواكه، ويفضل أن تكون عضوية”.
ويقول هذا الخبير البيئي إن المنتجات العضوية أفضل، حيث توجد قيود أكثر صرامة على المكونات والإضافات، بما في ذلك اللحوم أو بدائل الألبان.
ويؤكد على أن حماية البيئة ليست مهمة فردية فحسب، بل هي مهمة مشتركة. إن النتائج الإجمالية في نهاية العام هي الأمر الأكثر أهمية مما يأكله كل فرد.
في المقابل يؤكد خبراء آخرون عكس ما ذهب إليه بيلهارز، وأثبتوا أن للزراعات العضوية مخاطر على البيئة وذلك من خلال بحوثهم الميدانية المتعلقة بالموضوع.
وتذكر واشنطن بوست أن دراسة ميدانية أجريت في مزرعة نموذجية أثبتت أن استخدام البقايا الحيوانية كسماد عضوي أدى إلى المزيد من تسرب المركّبات الغازية الآزوتية (النيتروجينية) إلى المياه الجوفية بالمقارنة مع طرق التسميد التقليدية. وأشارت الدراسة إلى أن التلوث بالنيتروجين يعدّ أحد أهم أسباب إغلاق آبار المياه الصالحة للشرب في بعض الولايات الأميركية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المركبات النيتروجينية التي تنتج عن الزراعة تعد من أكثر المواد الملوّثة للبيئة انتشاراً بعد الطحالب والفطريات، وهي تقتل الأسماك وتسبب تلوثاً خطيراً للمياه إلى درجة أنها تصبح أحيانا خالية تماماً من كل مظاهر الحياة.
ويقول حنا تيوميستو البروفيسور في جامعة أوكسفورد “يعتقد العديد من الناس أن الأضرار التي تلحقها الزراعة العضوية بالبيئة أقل بكثير من تلك التي تنتج عن الزراعة التقليدية، إلا أن التجربة العملية تثبت أن هذا الاعتقاد غير صحيح، فالبحوث تثبت أن لبقية تطبيقات الزراعة العضوية تأثيرات أكثر خطراً على البيئة، ويكون من الضروري أن يفهم الناس أن وسم علب المنتجات الغذائية بكلمة ‘عضوية’ لا يضمن بالضرورة أنها من المنتجات الصديقة للبيئة”.
وأجمع أربعة باحثين سويديين في مجال الزراعة على أن الأطعمة العضوية المنتجة بأساليب لا تتضمن مواد صناعية مستحدثة مثل السماد الكيميائي والمبيدات الحشرية الصناعية لا تعتبر أقل إضرارا بصحة المستهلك ولا حتى بالبيئة.
جاء هذا الاستنتاج في كتاب يحمل عنوان “الحلم البيئوي” اعتمدوا فيه على أبحاثهم الشخصية بالإضافة إلى أبحاث أخرى، ليخرجوا بنتيجة لم تكن مرضية للمنظمات والاتحادات المعنية بالزراعة والبيئة، خاصة في ما يتعلق بتحذير الباحثين الأربعة من المخاطر التي قد تصيب البيئة في حال أصبحت الزراعة في السويد عضوية 100 في المئة.
ويرى خبراء في التغذية أن الكثير من المنتجات العضوية تحتوي على سكريات أو صوديوم أو نسبة دهون عالية وبذلك تكون غير صحية تماما.
لذا لا يمكن الجزم بأن أي غذاء عضوي هو صحي حتى لو أشّر على ذلك الملصقُ الغذائي.