تشتت الجهود لإنهاء الطبقة السياسية الحاكمة في تونس يخدمها

أميرال متقاعد يدعو لإخراج تونس من مستنقع الفشل والفوضى.
الخميس 2021/05/27
دق ناقوس الخطر أم خدمة للمنظومة؟

لا يزال صدى دعوة الأميرال التونسي المتقاعد كمال العكروت لانتشال تونس من مستنقع الفساد والفوضى وإنهاء المنظومة السياسية الحالية يتردد حيث اختلفت التأويلات لتلك الدعوة، لكن الثابت أن تعدد المبادرات للتحرك ضد الطبقة السياسية الحاكمة بقيادة حركة النهضة الإسلامية بات يخدمها.

تونس – أثار البيان الذي أصدره أميرال تونسي متقاعد ومستشار سابق للأمن القومي بشأن إنقاذ بلاده بإنهاء المنظومة الحاكمة حاليا في تونس جدلا واسعا، كما تساؤلات بشأن الطريقة التي يقدر بها معارضو الطبقة الحاكمة بقيادة حركة النهضة الإسلامية على إسقاطها.

ونشر الأميرال كمال العكروت بيانا للرأي العام على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ونشرته أيضا وسائل إعلام محلية، اتهم فيه سياسيين وأحزابا وحكومات بالفشل في إدارة البلاد منذ ثورة 2011 وبإدامة الأزمات.

وشغل الأميرال المتقاعد منصب مستشار أول للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في 2015 ثم عينه مستشارا مكلفا بالأمن القومي في 2017، حيث عهد إليه إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي. واستقال من منصبه في أكتوبر 2019 بعد انتخاب الرئيس قيس سعيّد.

الصحبي بن فرج: يوجد تشتت حقيقي للحاملين للواء مناهضة حركة النهضة
الصحبي بن فرج: يوجد تشتت حقيقي للحاملين للواء مناهضة حركة النهضة

والانتقادات العلنية تجاه السلطة التي تصدر من قادة الجيش وحتى المتقاعدين منهم تعد نادرة في تونس.

وظلت المؤسسة العسكرية في تونس منذ بدء انتقالها السياسي عام 2011 إثر سقوط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وهو جنرال في الجيش ورئيس وزراء سابق، بمنأى عن الصراعات السياسية ومن بينها الأزمة الحالية بين مؤسسات الحكم.

وقال العكروت “رغم نجاحنا في تنظيم ستة انتخابات إلا أن الفشل رافق عمل أغلب الحكومات”، التي اتهمها بإغراق البلاد في مديونية غير منتجة. كما وصف البرلمان بأنه “فاقد للمصداقية”.

وأضاف أن “ما نشهده اليوم من تدهور مستمر للقدرة الشرائية للمواطن من جهة، وانهيار سريع للمؤشرات الاقتصادية والمالية زادته جائحة كورونا تعقيدا من جهة أخرى، وأمام بداية تفكك لمقومات الدولة ومؤسساتها، يجعلنا نستلهم من صرخة زعيم شباب تونس علي البلهوان لنقول معه ‘كفى لعبا إنّ البلاد مريضة وليس بشرب الماء تنطفئ الحمى'”.

وتابع الأميرال المتقاعد كمال العكروت “لقد حان زمن الإنقاذ، الواجب يدعونا جميعا، ممّن يرفضون تواصل منظومة الفشل والرداءة والتحايل السياسي من كل جهات البلاد كما أبنائها بالخارج، لرصّ الصفوف وتجميع القوى”.

وتُعد هذه الدعوة في تونس والتي فسرها في وقت لاحق الأميرال العكروت على أنها دعوة للتجميع أحدث مبادرة لتوحيد صف الأحزاب والمناوئين للمنظومة الحاكمة بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي حكمت البلاد منذ 2011.

لكن هذه الدعوة تثير مخاوف حيث ترى فيها أوساط تونسية امتدادا لتعدد المبادرات والجهود الفردية المناوئة للنهضة التي تستفيد من ذلك التشتت.

واعتبر الناشط السياسي الصحبي بن فرج أن “من حق كل تونسي أن يبادر بالدعوة للتوحيد والتجميع من أجل إنهاء المنظومة الحالية، لكن السؤال يبقى حول المشروع الذي سيلتقي حوله الجميع وأيضا الآليات الكفيلة ببلوغ ذلك الهدف أي إسقاط المنظومة الحالية”.

وأضاف بن فرج في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة لا تكمن في دعوة الأميرال العكروت فقط بل مهم أن يبادر كل طرف، لكن الأهم أن يتم التجميع الفعلي لأن اليوم يوجد تشتت حقيقي في الساحة من قبل الحاملين للواء مناهضة حركة النهضة”.

وتشهد تونس واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية والسياسية حيث تعرف البلاد قطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي).

خليل الرقيق: دعوات التوحيد تخدم المنظومة لأنها تسعى لضرب الدستوري الحر
خليل الرقيق: دعوات التوحيد تخدم المنظومة لأنها تسعى لضرب الدستوري الحر

وأفرزت تلك الأزمات دعوات مكثفة لحل البرلمان وإسقاط منظومة الحكم الحالية حتى أن الرئيس  سعيد بات يوجه انتقادات لاذعة للأحزاب السياسية الحاكمة والتجربة الانتقالية التي تعرفها البلاد.

ولكن هذه الدعوات وخاصة دخول الأميرال العكروت على الخط قُرأت أيضا على أنها محاولة لقطع الطريق أمام الحزب الدستوري الحر المعارض الذي ترأسه عبير موسي والذي يتصدر نوايا التصويت في البلاد ويركز حملته ضد الإسلام السياسي.

وكانت موسي قد لمحت في وقت سابق لوجود اتصالات بين الأميرال العكروت والدستوريين الذين تقول إنها تتبنى فكرهم، وهم الأشخاص أو الأحزاب المتفرعة عن الحزب الاشتراكي الدستوري، الذي حكم تونس خلال حكم مؤسس الدولة التونسية الرئيس الحبيب بورقيبة، من أجل استمالتهم واختراق حزبها، وفق قولها، وهو ما نفاه العكروت.

وقال العكروت في تصريح لإذاعة “موزاييك أف.أم” الأربعاء “لم أستهدف عبير موسي أبدا كما يتصور البعض، بل العكس ما يجمعني بها أكثر مما يفرقنا”.

وقال المحلل السياسي خليل الرقيق إن “الأميرال  العكروت سياسيا قريب من الدستوريين وهذا ما تبيّناه من خرجاته الإعلامية، وهو ما يجعلنا نستنتج إما أنه يريد مزاحمة الدستوريين أو الدخول للحزب الدستوري الحر، هذا ضعف من مصداقيته لأنه انتقل من الميدان العسكري الذي له هيبته إلى المجال السياسي”.

وأوضح الرقيق في تصريح لـ”العرب” “ثم نأتي للبيان، هذا البيان الذي دعا إلى توحيد الأحزاب التقدمية وهو كلام سمعناه من أطراف سياسية أخرى في وقت سابق على غرار محسن مرزوق، ناجي جلول، فاضل عبدالكافي وغيرهم، هذا العكس يخدم المنظومة الحالية لأنه وكأننا بهذه الدعوات تأتي للحد من التصاعد والنجاحات التي يحققها الدستوري الحر خاصة في نوايا التصويت”.

واستنتج أن “كل هذه الدعوات نابعة من محاولة الاقتراب من دائرة الحزب الدستوري الحر وهي ستفشل لأن الدستوري نجح في افتكاك شرعية مناهضة حركة النهضة من خلال استطلاعات الرأي”.

4