الكمأ رزق الفقراء المحفوف بالموت في البادية السورية

الحاجة تدفع سوريين إلى البحث عن اللحم النباتي وسط الألغام.
الخميس 2021/05/27
لقمة مغمسة في الدم

الفقر أشد وطأة على سكان البوادي السورية من الموت برصاص المسلحين أو الألغام، ورغم هذه المخاطر فإنهم يجوبون مناطق غنية بفطر الكمأة، خاصة بعد ارتفاع أسعاره هذا العام كمصدر رزق لا بديل لهم عنه. وراح العديد منهم ضحايا، ولكنهم مصرون على مواصلة الرحلة في كل صباح.

دمشق - على مدى ثلاث سنوات سقط المئات من القتلى والجرحى في البادية السورية أغلبهم من عائلات واحدة سواء برصاص مسلحين أو نتيجة انفجار ألغام خلال رحلتهم للبحث عن فطر الكمأة، النبتة البرية. سوريون دفعهم الفقر والحاجة للمخاطرة بحياتهم والتوجه إلى مناطق البادية التي كانت ولا تزال مسرحًا للمواجهات المسلحة.

يقول الشيخ فواز من منطقة السعن في ريف حماة الشرقي، إنه “خلال شهري فبراير ومارس هذا العام قتل أكثر من 50 شخصا في انفجار ألغام وكان 7 مارس هو اليوم الأكثر دموية، حيث قتل 19 شخصا في انفجار لغم أرضي في سيارة تحمل أكثر من 25 شخصا بينهم أطفال ونساء في وادي العذيب خلال توجههم للبحث عن فطر الكمأة، وحتى من بقي منهم على قيد الحياة لا زال يتلقى العلاج بعد أن تعرضوا لعمليات بتر وعجز”.

ويضيف فواز الذي فقد ابنه في ذلك الانفجار “الفقر يدفع الناس للتوجه إلى البادية للبحث عن فطر الكمأة وخاصة بعد ارتفاع أسعاره هذا العام، الموت بالألغام ورصاص المسلحين أرحم من الموت من الجوع والعوز”.

ويضيف محمد علي من بلدة السعن، “نحن نعلم أن هناك ألغاما في المنطقة ونحاول أن نبعد عنها حيث نسلك الطرق التي سبق أن مرت بها الآليات العسكرية أو المدنية ولكن مياه الأمطار التي

جرفت بعض الألغام ونقلتها إلى مجاري الأودية الصغيرة وغطيت بالتراب والأعشاب حيث لم تعد ظاهرة تجعل بعض تقديراتنا خاطئة ويذهب حرصنا أدراج الرياح”.

ويكمل، “لقد تعرضت لانفجار لغم مع عدد من الأشخاص وأصبت بقدمي وكتفي بشظايا وعدنا إلى بيوت شبه مدمرة وجيوب فارغة بعد أن هربنا منها لسنوات، ولذلك رزقنا في هذا البادية التي تحمل الموت لنا، فثمن كيلوغرام الكمأة حوالي 50 ألف ليرة سورية ما يعادل 17 دولارا أميركا، وأحيانا يجمع الشخص بين 10- 15 كيلوغراما. هذا المبلغ يستحق المخاطرة وهو يعادل رواتب عام كامل لأي موظف حكومي”.

Thumbnail

ويؤكد عبدالمحسن أحمد من قرية الشيخ هلال في ريف حماة الشمالي الشرقي، “خلال عام 2019 قتل أكثر من 40 شخصا برصاص مسلحين خلال بحثهم عن الكمأة في منطقة وادي العذيب وطريق خناصر. وفي الموسم الماضي أيضًا قتل حوالي 30 شخصا وأصيب العشرات بجروح، ولكن هذا العام شهد العدد الأكبر من القتلى والجرحى”.

وتعرضت سيارتان تقلان أشخاصا بينهم أطفال ونساء لانفجار ألغام في منطقة وادي العذيب حيث قتل في السيارة الأولى 7 أشخاص في حين قتل في السيارة الثانية 19 شخصا.

ويصف مدير مشفى السلمية الوطني الدكتور ناصح عيسى حالة المصابين بالانفجار بأنها “شديدة القسوة حيث تقطعت أجساد البعض إلى أشلاء وتناثرت أعضاؤهم”.

انفجار لغم أرضي في سيارة تحمل أكثر من 25 شخصا بينهم أطفال ونساء خلال توجههم للبحث عن فطر الكمأة

ويضيف عيسى، “في يوم 7 مارس الماضي وصلت إلى المشفى جثث مقطعة وجرحى في حالة حرجة جدًا والبعض منهم تم تحويله إلى مشافي دمشق لخطورتها، والبعض تعرض لبتر الأطراف، كان مشهدًا مخيفًا أن تصلك أشلاء بهذا الشكل من شدة الانفجار”.

ويقول مدير المشفى “لا يكاد يمر أسبوع دون انفجار لغم في بادية السلمية وضحاياه إما أشخاص يبحثون عن الكمأة أو رعاة أغنام، أو ممن يتعرضون لاستهداف من قبل مسلحي تنظيم داعش”.

وفي بادية الرقة ودير الزور تغيب الألغام ويحضر مسلحو داعش الذين قتلوا خلال العامين الماضيين أكثر من 60 شخصا ممن يبحثون عن فطر الكمأة وأكثر من هذا العدد من رعاة الأغنام.

Thumbnail

ويقول النائب في البرلمان السوري فايز السليمان “تحولت بادية الرقة إلى مقبرة للفقراء الذين يبحثون عن لقمة العيش برصاص داعش، وخلال العامين الماضيين وبسبب وفرة فطر الكمأة نتيجة الأمطار الغزيرة يذهب العشرات أو المئات من أبناء قرى وبلدات السبخة ومعدان وزور شمر والجبلي والشريدة البشري وغيرها يوميا للبحث عن الكمأة في البادية حيث يتعرضون لنيران مسلحين من تنظيم داعش ويقومون بقتلهم”.

ويضيف سليمان، “عادة يذهب عدد من الأشخاص من عائلة واحدة للبحث عن الكمأة. ولذلك نجد أن من بين القتلى أب وأبناؤه الثلاثة، وفي حالات أخرى يقتل الأب وزوجته”.

وحول وجود عناصر داعش، يقول سليمان “البادية السورية تمتد لمساحات واسعة تصل بين أربع محافظات وهي الرقة ودير الزور وحماة وحمص. والمسلحون يختبئون في الأودية والكهوف ويستخدمون عادة دراجات نارية للهجوم على رعاة الأغنام وعمال الكمأة”.

وزير الرزاعة الأسبق نورالدين المنى يحمّل الحكومة السورية مسؤولية عدم نزع الألغام من مناطق ريف حماة الشمالي ويقول “لماذا تركت الألغام دون إزالة أو تنظيف. القتلى دفعهم الجوع والحاجة للبحث عن الكمأة وهي لقمة عيش مغموسة بالدم والقهر”.

ويضيف المنى، “هل يبرئ الحكومة ما تردده كلما انفجر لغم وقتل أبرياء بأنها من مخلفات العصابات الإرهابية”.

كلام يرفضه مصدر في محافظة حماة طلب عدم ذكر اسمه بأن “الجيش السوري يمنع الأشخاص من التوجه إلى منطقة وادي العذيب، ولكن البعض منهم يسلك طرقا أخرى ويصل إليها باعتبارها منطقة ينبت فيها الكمأ بكثرة”.

Thumbnail
20