قصر الجم في تونس يترقّب عودة الغائبين

محلات المنتجات السياحية تشكو من الموت البطيء في ظل غياب السياح.
الأربعاء 2021/05/26
ركوب الجمال ممنوع في المدينة التونسية المهجورة

يفتقد قصر الجم القديم بمحافظة المهدية التونسية لزائريه الأجانب بسبب نقص حالات التطعيم من فايروس كورونا في البلاد. ورغم الجولات السياحية القليلة بالمسرح التاريخي المدرج على قائمة اليونسكو، إلا أن قلة الإقبال على المحلات والفنادق باتت تثقل كاهل أصحابها.

المهدية (تونس) - تقف سائحتان من بلغاريا وسط ساحة قصر الجم الأثري الضخم وحدهما بينما ترفرف طيور السنونو تحت أقواسه الحجرية القديمة، فيما تنبئ الساحة شبه الفارغة بموسم سياحي تونسي صعب آخر بسبب فايروس كورونا.

وقالت تاتيانا فاسيليفا التي وصلت إلى تونس قبل يومين وانضمت إلى جولة سياحية في الجم رتّبها فندقها، “لا يوجد سياح والشاطئ خالٍ.. إنه أمر محزن للغاية”.

وكانت السائحتان من بين البلغاريين الذين سافروا إلى تونس خلال الأسبوع الماضي بعد تخفيف قواعد الحجر الصحي للرحلات الجماعية لإنقاذ بعض الإيرادات الأجنبية في موسم الذروة بالصيف.

وقبالة المدرج الخارجي للقصر الروماني الشامخ الذي يتوسط المدينة الصغيرة، تبدو محلات المنتجات السياحية كمن يموت ببطء كما هو الحال في جميع أنحاء تونس حيث يؤجل أصحابها خططهم فيما يبحث آخرون عن وظائف أخرى مثقلين بديون تراكمت بسبب هجر السياح.

ومن هؤلاء العروسي أوبي (42 عاما) الذي استثمر مدخراته في إنتاج زيت الزيتون من أجل كسب قوته بينما كان متجره للتحف مقفرا مهجورا، في حين أرجأ جاره نوفل زيد (43 عاما) زواجه بسبب نقص دخل المقهى الذي يمتلكه.

ويستقبل القصر في العادة حوالي 1500 زائر يوميا، لكن عدد الزائرين يوميا بات لا يتعدى أصابع اليد الواحدة.

وقال وزير السياحة التونسي الحبيب عمار إن حوالي 3700 سائح وصلوا تونس وإن عدد الرحلات في مايو سيزيد إلى 80 رحلة، وتوقع أن يكون الموسم الحالي في الحد الأدنى بينما يأمل في انتعاش القطاع من العام المقبل حين تزيد معدلات التطعيم.

وتسير حملة التلقيح المتعثرة ببطء شديد، معتمدة على مساعدات أجنبية ومشتريات قليلة، مما يبقي معدلات الإصابة مرتفعا بما لا يكفي لجذب أعداد كبيرة من الزوار مقارنة بالوجهات الأوروبية المنافسة.

وحتى الآن تلقى التطعيم 800 ألف فقط من سكان تونس البالغ عددهم 11.6 مليون نسمة.

وخُصصت لتونس 4.3 مليون جرعة لقاح من خلال برنامج كوفاكس لتوفير اللقاحات للدول الأكثر فقرا، وصل 670 ألف جرعة منها فقط.

وتلقت تونس جرعات أخرى من خلال اتفاقيات منفصلة مع شركة فايزر ومن الصين وروسيا.

ويتطلع وزير السياحة إلى تطعيم العاملين في القطاع بسرعة لطمأنة الزوار. وأكد “للأسف هناك مشكلة في مخزون اللقاحات لم تسمح بتنفيذ هذه الاستراتيجية”.

ويأتي معظم السياح إلى شواطئ تونس البيضاء الممتدة، لكن هناك أيضا مدن رومانية مثيرة للاهتمام ومساجد من القرون الوسطى وواحات صحراوية جذابة.

ويمثل قطاع السياحة في تونس عادة حوالي عُشر الاقتصاد. وتسبب انهياره بعد أن هاجم متشددون شاطئا ومتحفا في 2015 في أزمة اقتصادية. لكن القطاع كان قد بدأ يتعافى بشكل واضح قبل أن يتفشى كوفيد – 19.

وتوقع المسؤولون عددا قياسيا من الزوار في الصيف الماضي، لكن الإيرادات انخفضت بأكثر من النصف مع إغلاق أغلب الفنادق والمتاجر وفقد عشرات الآلاف لأعمالهم.

وقصر الجم الروماني الشهير هو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو وبُني في أواخر القرن الثالث، وهو أحد أكبر مناطق جذب السياح في تونس وتظهر صوره على بطاقات بريدية وحتى على ورقة نقدية بقيمة 20 دينارا (نحو 8 دولارات).

وأصبح القصر قبلة لعشاق الموسيقى السيمفونية من داخل تونس وخارجها حيث تقام في ساحاته حفلات لأبرز المجموعات والفنانين العالميين بحضور الآلاف سنويا.

ويضم متجر أوبي مجموعة من الأواني النحاسية والصناديق التقليدية والتماثيل الرومانية المقلدة والسجاد البربري وأبواب ونوافذ تقليدية مطلية بشكل جميل، إضافة إلى لوحات صغيرة من الفسيفساء.

وقال “قبل الجائحة كنت أبيع عدة قطع في اليوم. والآن تمر أيام متتالية دون بيع أي شيء”.

وأشار مسؤولون إلى أن قصر الجم يستقبل في معظم السنوات حوالي 190 ألف زائر. ولكن في العام الماضي تراجع عدد زواره إلى حوالي 45 ألفا فقط. ولم يأت هذا العام حتى الآن سوى العشرات لهذا المعلم الأثري الفريد، الكثير منهم في الأسبوعين الماضيين.

وأمام المدرج الخارجي للقصر، يقف جمل وصاحبه بانتظار سياح قد لا يأتون.

ويقول صاحب الجمل فتحي بوزيان (53 عاما) الذي ورث هذا العمل عن والده الذي كان يعرض على السياح ركوب الجمال في الجم منذ الحرب العالمية الثانية قبالة الواجهة الذهبية للقصر “حاليا ومع تراجع الإيرادات بسبب هجر السياح، لا نكسب مالا حاليا وأعيش مما ادخرته سابقا”.

----

وفي مدينة سوسة الساحلية الخلابة، يوظف منتجع موفنبيك حوالي نصف موظفيه المعتادين البالغ عددهم 550 موظفا، وفقا لما قاله مدير المبيعات والتسويق زياد المغربي.

وأضاف المغربي أن الفندق نجح العام الماضي في جذب زوار في عطلات نهاية الأسبوع التونسية مع بقاء السياح الأجانب ورجال الأعمال في بلدانهم بسبب جائحة كورونا.

وعلى طول الشاطئ، تمتد منتجعات فندقية تكاد تكون كلها خاوية.

وفي فندق موفنبيك كان هناك عدد من النزلاء، جزء منهم ضمن وفد علمي يشارك في ملتقى وعدد قليل من السياح. وكان مسبح الفندق يخلو إلا من طفل واحد في الماء.

ودفعت الجائحة الفنادق إلى تسريح عشرات الآلاف من الموظفين في هذا القطاع الحيوي، وهو ثاني أكبر قطاع تشغيلي في تونس بعد القطاع الزراعي. كما أغلقت العديد من متاجر التحف في سوسة والجم وغيرهما من المناطق السياحية.

وشدّد زيد الذي يملك مقهى قبالة قصر الجم مباشرة، على أن “الوضع أصبح صعبا للغاية. لقد أجلت كل ما كنت أخطط له.. حتى زواجي”.

ولكنه على الرغم من مرور الأيام دون زبائن، يصر على وضع طاولاته السبع مرتبة يغطيها بقطع قماش حمراء زاهية وأوعية من البرتقال كل يوم على أمل أن تتحسن الأوضاع ويرى زواره يتدفقون من جديد.

24