حسابات خامنئي الانتخابية تبطئ إحياء الاتفاق النووي الإيراني

يجمع جل المحللين على أن المفاوضات الجارية في فيينا بين القوى الكبرى وإيران من أجل إحياء الاتفاق النووي ستتوج في النهاية المطاف بعودة طهران إلى التزاماتها النووية ورفع العقوبات الأميركية، إلا أن توقيت ذلك يبدو عاملا مهمّا داخل إيران التي تستعد لانتخابات رئاسية في 18 يونيو القادم.
طهران - تتزايد احتمالات ألا يتمكن المفاوضون من إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية قبل انتخابات الرئاسة التي تجريها الجمهورية الإسلامية الشهر المقبل، غير أن تمديد المحادثات قد يحقق مكاسب سياسية في الداخل للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
ويقول محللون إن خامنئي، صاحب القول الفصل في المسألة النووية الإيرانية، يود أن تضع المفاوضات بين طهران والقوى العالمية الست في فيينا نهاية لعزلة إيران الاقتصادية في توقيت موات.
والسؤال المهم في إيران هو أي الفصائل السياسية في هيكل السلطة المركب في البلاد سينسب لنفسه الفضل في إلغاء العقوبات الأميركية التي أعاد فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق المبرم عام 2015 قبل ثلاثة أعوام؟
وستعني إطالة أمد المحادثات لإعادة كل من طهران وواشنطن إلى الالتزام الكامل بالاتفاق أن عملية إلغاء طبقات من العقوبات الأميركية ستبدأ بعد الانتخابات المقررة في 18 يونيو، والتي من المتوقع أن يحل فيها مرشح متشدد من حلفاء خامنئي محل الرئيس الإصلاحي الحالي حسن روحاني.
ورغم أنه لن يكون للانتخابات أثر يذكر على سياسات إيران الخارجية أو سياساتها النووية التي يتمتع فيها خامنئي بالكلمة الأخيرة، فإن انتهاء عزلة إيران الاقتصادية خلال وجود رئيس متشدد في السلطة قد يعزز سلطة خامنئي في الداخل.
وقال مسؤول كبير بالحكومة الإيرانية “في نهاية المطاف يريد الزعيم الإيراني رفع العقوبات الأميركية، غير أنه لا يمانع أن تطول المحادثات لفترة قصيرة”.
وأضاف “إذا تم إنقاذ الاتفاق في آخر لحظة ممكنة فسيستفيد الرئيس الجديد من رفع العقوبات في تحسين الاقتصاد. وهذا أفضل وقت إيجابي بالنسبة إليه”.
وفي خطوة اعتبرها محللون تحركا يقصد به تحقيق هذا التأخير قالت إيران الأحد إن إطلاع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة على صور المواقع النووية سيتوقف لانتهاء أجل اتفاق مراقبة مدته ثلاثة أشهر بين طهران والوكالة.
وقررت إيران الاثنين تمديد اتفاق المراقبة شهرا لتتحاشى احتمال انهيار المحادثات النووية الجارية في فيينا.
وقال دبلوماسي في المنطقة أطلعه مسؤولون غربيون مشاركون في المحادثات النووية على تطوراتها إنه سيتم في فيينا هذا الأسبوع الإعلان عن “اتفاق يوضح التزامات طهران وواشنطن من أجل إحراز تقدم”.
انتهاء عزلة إيران الاقتصادية خلال وجود رئيس متشدد في السلطة يعزز سلطة خامنئي في الداخل
وربما تبدو فكرة أن خامنئي يرغب في تأجيل إنهاء العقوبات متعارضة مع مساعيه لوقف ما يلحق باقتصاد إيران من أضرار على يدي الولايات المتحدة التي يعتبرها “العدو رقم واحد” لإيران.
غير أن المسؤولين والمحللين قالوا إن من الضروري في نظر خامنئي الموازنة بين أهمية إنقاذ الاقتصاد وضرورة الحفاظ على سلطته من أي أخطار قد تحيق بها.
ويخشى الحكام الدينيون في إيران أن تتفجر من جديد الاضطرابات بين الطبقات متوسطة ومنخفضة الدخل بين الإيرانيين. وكانت هذه الاضطرابات في السنوات الأخيرة تذكيرا بمدى تعرض المؤسسة الحاكمة للتأثر بالغضب الشعبي بسبب المصاعب الاقتصادية.
ويغلي الاستياء الشعبي في إيران بسبب تزايد التضييق في البلاد على الأصوات المعارضة والقيود المفروضة على الحريات السياسية والحياة الاجتماعية.
وقد دعا ناشطون إلى مقاطعة الانتخابات، واستخدم الإيرانيون وسم “لا للجمهورية الإسلامية” على نطاق واسع على تويتر داخل البلاد وخارجها في الأسابيع الأخيرة.
وتتحدى هذه الأصوات المعارضة سلطة خامنئي الهائلة، فهو يسيطر على السلطة القضائية وأجهزة الأمن والبث الإذاعي والتلفزيوني ومؤسسات تمتلك قطاعا كبيرا من الاقتصاد.
وقال مسؤول كبير سابق قريب من مركز صنع القرار في إيران “المتشددون لهم أغلبية في برلمان إيران (…) فرئيس القضاء يعينه خامنئي وإذا فاز متشدد كما هو متوقع في الانتخابات فبوسعنا القول إن حلفاء متشددين للزعيم الأعلى سيسيطرون سيطرة كاملة على البلاد”.
وإذا كانت هناك قضية تدور حولها الانتخابات الإيرانية فهي ما إذا كان بوسع الرئيس القادم تنشيط الاقتصاد والتخفيف من حدة الضغوط المالية الشديدة التي تواجه أغلبية الإيرانيين.
ودفع اقتران العقوبات الاقتصادية الأميركية بسوء الإدارة بأكثر من نصف سكان إيران البالغ عددهم 83 مليون نسمة إلى ما دون خط الفقر الأمر الذي أسفر عن صراع يومي لمجاراة الأسعار المتصاعدة والبطالة المرتفعة.
وتشير استطلاعات الرأي الرسمية، ومنها استطلاع أجراه التلفزيون الإيراني في مايو، إلى أن نسبة المشاركة في التصويت قد تكون منخفضة عند 30 في المئة، أي أقل بكثير منها في الانتخابات السابقة.
وقال مسؤول إيراني آخر على صلة وثيقة بالمتشددين إن خطر حدوث اضطرابات جديدة ستخف حدته إذا رفعت العقوبات قبل الانتخابات لأن الإيرانيين سيكون لديهم أمل حينئذ في تحسن الأوضاع مستقبلا.
وأضاف “بعد الانتخابات سيكون تحسين الاقتصاد ضروريا لتحسين مستويات معيشة شعبنا. أي اضطرابات بسبب المصاعب الاقتصادية يمكن أن تلحق ضررا جسيما بالجمهورية الإسلامية”.