"بيت ست" مكان ملعون على تخوم الأساطير والرعب والفانتازيا

لا شك أن من المهم والمفيد أن تجدد التجارب السينمائية نفسها على صعيد السينما العربية والمصرية تحديدا، على اعتبار أنها الأكثر إنتاجا وحضورا في العالم العربي، ومن ذلك تجديد الأساليب ومغادرة التكرار والرتابة السردية الواقعية والكلاسيكية ودخول ومعالجة قضايا أخرى وبأساليب جديدة.
ينطبق ذلك مثلا على التجارب القليلة التي تحاول تحقيق منجز ما على صعيد سينما الرعب والفانتازيا السينمائية، وهو نوع تراكم في تاريخ السينما العالمية، وصارت له تقاليده ومخرجوه وحتى مهرجاناته.
في هذا الإطار يخوض فيلم “بيت ست” للمخرج أحمد عقل في خليط من الثيمات، الرعب والفانتازيا والأساطير وقضايا الأرواح والتلبّس وما إلى ذلك، ومنذ البداية فإنه يزج شخصياته في عمق تلك الدراما.
الشخصية الرئيسية هنا هي سلمى (الممثلة الأردنية مارغو حداد) التي تحاول سبر أغوار أسطورة إعادة جثمان الملك الفرعوني ست، وهو إله الشر في الحضارة المصرية القديمة، للحياة، بحسب خبر صحافي يذكر هذا الافتراض.
وعلى هذه الخلفية سوف تكون مهمة سلمى وفي الجهة الأخرى زميلتها داليا (الممثلة رانيا الخطيب) في البحث في خلفية انهيار إحدى البنايات التي تخفي وراءها السر المتعلق بالأثر الفرعوني، الذي هو جثمان الملك، أو هو منزل وحيز مكاني حلت عليه اللعنة.

الفيلم حاول جاهدا وسط سيناريو مفكك وحوارات أقرب إلى الكلام العابر وبلا دلالة أن يقدم دراما متماسكة
ولكي تكتمل الشبكة في هذه الدراما تشاء الصدف أن ضابط الشرطة الذي يتولى البحث هو طليق سحر، وأما من تعثر سحر على تسجيله الصوري فهو عاطف (الممثل مصطفى عبدالسلام) والذي سيرتبط بذلك السر لكونه يعمل لدى مقاول يشتري بيوتا متداعية ويتولى إصلاحها وبيعها.
ثم نترك هذه الدوامة إلى عاطف الذي تموت زوجته الحامل ليعتدي على شقيقتها ثم يقرر الزواج منها بعد موت الزوجة، بينما الجميع تلاحقهم الكوابيس.
أعطى الفيلم مساحة واسعة زمنيا وفي عمل المونتاج والغرافيك للخيالات والهلوسات والأحلام والكوابيس، وكان القطع والإيقاع المتسارع هو الذي ساد الفيلم بما شتت الخط الرئيس للدراما، وبعثر خطوط السرد بطريقة غريبة.
وحدها الوقفات الرصينة التي كانت تؤديها سلمى كانت تعزز حبكة الفيلم، لاسيما وأن المخرج أعطاها مساحة جيدة لكي تكشف عن طبيعة ما يجري، ذلك أن تغذية المشاهد بالمعلومات الضرورية التي تساعده على متابعة الأحداث هي من البديهيات.
لكن المخرج مضى بعيدا في هذه الدراما في فرضيات الأرواح والسحر وما شابه، كالاحتفاظ بقلادة فيها السر أو كعملية التلبس التي تنتاب شخصا لم يغتسل بعد الجماع، وصولا للامعقول والفوضى الدرامية في قرار المنجّم أو سمّه ما شئت بمعاشرة حبيبة (الممثلة نيجار محمد) ليمتلك عاطف فجأة قوة خارقة تمكّنه من الفتك بالجميع لإنقاذ حبيبة.
ولعل السؤال الذي يرتبط بكل هذه الفواصل التي لا تبدو مترابطة بصريا ولا سرديا هو ما السر الذي يجب الكشف عنه؟ وأين لحظة التنوير التي من خلالها نكون قد اقتربنا من ذلك العالم المجهول؟ ولماذا لم يتح لسلمى أن تفك كل تلك المغاليق؟ أسئلة يثيرها الفيلم لكنه لن يجيب عليها تاركا للشخصيات أن تتنقل من موقف إلى موقف ومن مكان إلى مكان في لهاث لا نصل من خلاله إلى محصلة مؤكدة.
ولعل السؤال الذي يطرح هنا لاسيما وأن الفيلم يفترض أنه يدرج في خانة أفلام الرعب، هو ما الذي أضافه الفيلم لهذا النوع الفيلمي الذي ترسخت تقاليده ومخرجوه والمتخصصون فيه، وفي أي مشهد ظهرت تلك البراعة في إدهاش المشاهد؟
ولأن هذا النوع يستوجب غالبا ابتعادا عن الواقع والواقعية كلما كان ذلك ضروريا، إلا أن المخرج وكاتب السيناريو كانا في كل مرّة وكأنهما يذكراننا أن ما نشاهده منفصل عن الحقيقة، فالشخصيات تعيش يومياتها الأكثر واقعية كضابط الشرطة وسمسار العقارات والصحافية التلفزيونية وصولا إلى حبيبة، فهي نماذج تكرّرت إلى حد الإشباع في الأفلام المصرية وشاهدنا مثلها الكثير، فأين هي في وسط تلك المعمعة ولماذا ترك الثيمة الخيالية والافتراضية إلى ما هو واقعي ومستهلك؟
بالطبع كل ذلك وغيره يثيره هذا الفيلم وهو يحاول جاهدا وسط سيناريو مفكك وغير متقن وحوارات هي أقرب إلى الكلام العابر بلا دلالة أن ينتشل كل ذلك وتقديم مضمون متماسك ولكن المهمة لم تكون سهلة على الإطلاق.
وأما على صعيد الشخصيات فيمكننا التوقف عند الممثلتين مارغو حداد ونيجار أحمد، وهما نجمتا الفيلم والأكثر حضورا، ولا شك أن فرصا أخرى لهاتين الممثلتين سوف تتيح لهما المزيد وخاصة حداد، فهي تمتلك حضورا متميزا وأداء يلفت النظر، على الرغم من أن السيناريو لم يتح لها الكثير لكي تقدمه في هذه الدراما الإشكالية.
وإذا انتقلنا إلى الشكل الذي يقدّم من خلاله هذا النوع من الدراما فلا شك أنه يحتاج إلى إدارة فنية متخصصة تجعل المشاهد يتفاعل أولا مع المكان وما يحيط بالشخصيات من مفردات مكانية، فضلا عن الاشتغال على عنصري الإضاءة والحركة وهو ما لم نجده بشكله المتميز الذي يجتذب المشاهد في هذا الفيلم ليضاف ذلك إلى مشكلة السيناريو الذي توجد عليه العديد من المآخذ.