الدعوات لوقف مسلسل العنف ضد المرأة في تونس تتصاعد

تنامي التحريض ضد المرأة في خطابات السياسيين يثير المخاوف من التراجع عن مكتسباتها.
الخميس 2021/05/20
الإفلات من العقاب معضلة تؤرق التونسيين والتونسيات

تشهد تونس، التي قطعت أشواطا هامة في تمكين المرأة وتحصين موقعها ما جعلها بلدا عربيا رائدا في هذا المجال، جدلا متصاعدا إثر مقتل امرأة على يد زوجها الأمني رميا بالرصاص. وهذا ما أثار تساؤلات عن مدى جدية القضاء في التعامل مع ظاهرة العنف ضد النساء أولا وثانيا الأسباب الكامنة وراء تناميها، خاصة أن هناك خطابا سياسيا يدفع نحوها لاسيما أن خطابات بعض الإسلاميين لم تخل من التحريض على المرأة ما يثير مخاوف حقيقية حول مكتسباتها.

تونس – لا تزال تونس تحت الصدمة إثر مقتل امرأة في إحدى محافظات شمال البلاد على يد زوجها الأمني بالرصاص الحي، حيث أعادت هذه الحادثة إلى الواجهة الجدل بشأن العنف ضد المرأة والجهود المبذولة للحد منه.

ودفعت الحادثة التي هزت تونس بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، التي تُعد من أعرق الجمعيات النسوية في البلاد، لإطلاق حراك جديد للضغط على السلطات من أجل التحرك ضد الظاهرة التي يبدو أنها نتاج بيئة حاضنة للعنف الذي اجتاح كذلك الخطاب السياسي في تونس.

وبالرغم من ترسانة التشريعات التي تُميز تونس عن غيرها من البلدان العربية المحافظة، إلا أن ذلك لم يوقف مسلسل العنف ضد المرأة حيث قُتلت رفقة الشارني، التي غزا اسمها مواقع التواصل الاجتماعي، رميا بالرصاص في محافظة الكاف (شمال غرب) وهو ما يفاقم التوجس من ضرب مكاسب المرأة التونسية.

وبالنسبة إلى رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس، فإن الظاهرة أخذت بعدين: الأول يتعلق بالعقلية السائدة في المجتمع التونسي الذي لا يزال محافظا إلى حد كبير، والثاني بالسياسة التي تنتهجها الدولة شأنها في ذلك شأن خطابات القادة السياسيين الذين يتعمدون إطلاق تصريحات تستهدف المرأة التونسية ومكتسباتها.

يسرى فراوس: قتل النساء أصبح ظاهرة في تونس فيوميا تتواتر أخبار عن هذه الحوادث
يسرى فراوس: قتل النساء أصبح ظاهرة في تونس فيوميا تتواتر أخبار عن هذه الحوادث

تهاون قضائي

سلطت حادثة مقتل رفقة الشارني الضوء على التعاطي القضائي مع حوادث العنف ضد المرأة، خاصة أن الجاني كان قد عنف زوجته وكان مهددا بالسجن غير أنه تم إجراء صلح بينهما برعاية قاضي التحقيق وهو ما زاد من حدة الغضب في البلاد.

وأثارت القضية ردود فعل طبعها الحزن والغضب، فتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للمرأة تحت عنوان “اسمها رفقة الشارني، ضحية المنظومة الاجتماعية”.

ونددت “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” بالجريمة “النكراء” وأطلقت حملة لمناهضة العنف ضد المرأة وذلك بوضع شعار “لا عزاء للنساء والعنف يقتلهن كما الوباء” على البيوت والنوافذ أيام عيد
الفطر.

واعتبرت المنظمة في بيان أن رفقة الشارني “ضحية دولة جعلت قوانينها حبرا على ورق ولم ترفق إصدارها بسياسات جزائية لتطبيقها… وهي ضحية نيابة عمومية متهاونة في تطبيق القانون ومتراخية في اتخاذ الإجراءات”.

واستنكرت وزارة المرأة في بيان ما حصل وأعربت عن أملها “أن تكون هذه الحادثة حافزا ليجد قانون تم سنه في 2017 الذي قطع مع الضغط الذي يمكن أن يسلط على النساء في التخلي عن الشكاوى قصد تتبع المعتدي، مجالا للتطبيق”.

وأفادت الناشطة الحقوقية والسياسية بشرى بلحاج حميدة أن “قانون القضاء على العنف ضد المرأة في تونس يتطلب في البداية وقاية وتربية على حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وهذا يستدعي إرادة سياسية حقيقية للقضاء على الظاهرة”.

وأضافت بلحاج حميدة في تصريح لـ”العرب”، “إلى حد الآن لم يقع تطبيق القانون في تونس مثلما وقع في قضية الحال (رفقة الشارني) حيث ترك القضاء الجاني (زوجها) طليقا، ونحن نطالب القضاء بأن يتعامل بحزم وبأكثر جدية مع كل الإخلالات والجرائم والكف عن كونها قضايا عائلية في بعض الأحيان، وقضية العنف ضد المرأة ليست بقضية شخصية”.

الأخطار تُحدق بحقوق المرأة التونسية
الأخطار تُحدق بحقوق المرأة التونسية

وتابعت الناشطة الحقوقية وهي نائبة برلمانية سابقة أيضا وسبق لها أن رأست لجنة نيابية أفرزت مشروعا للمساواة التامة بين الجنسين أن “الدولة هي من تتحمل المسؤولية أولا، ولا يوجد أي اهتمام بالمسألة، ولم نر تصريحات من الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان)، والظاهرة تتكرر”.

وكانت تونس قد أقرت قانونا طموحا لمناهضة العنف ضد المرأة في الـ26 من يناير 2017، وهو قانون راهنت عليه منظمات وأحزاب تونسية ليعزز مكانة المرأة ويحصنها من العنف ويحررها كذلك من القيود الاجتماعية وغيرها.

وشهدت الفترات التي شددت فيها السلطات التونسية القيود للتصدي لتفشي فايروس كورونا المستجد تضاعف الاعتداءات ضد المرأة سواء الناجمة عن عنف زوجي أو غيره.

وقالت بلحاج حميدة إن “نسبة العنف ضد المرأة تضاعفت ستّ مرات خصوصا خلال فترة الحجر الصحي الشامل الذي فرضته البلاد العام الماضي، واليوم لا توجد مراكز لإيواء النسوة المتضررات من العنف، ولا توجد الإمكانيات السياسية والبشرية والاجتماعية اللازمة لمقاومة الظاهرة”.

وأردفت “الموضوع ليس بالهيّن وليس مقتصرا على وزارة المرأة فقط، بل يتطلب جهود عدة وزارات على غرار الشؤون الاجتماعية والصحة والشباب ووزارة التربية وغيرها”.

عجز رسمي

بالرغم من ترسانة التشريعات التي تُميز تونس عن غيرها من البلدان العربية إلا أن ذلك لم يوقف نزيف العنف ضد المرأة حيث قُتلت رفقة الشارني رميا بالرصاص في محافظة الكاف
بالرغم من ترسانة التشريعات التي تُميز تونس عن غيرها من البلدان العربية إلا أن ذلك لم يوقف مسلسل العنف ضد المرأة حيث قُتلت رفقة الشارني رميا بالرصاص في محافظة الكاف

بالرغم من التشريعات التي سنتها تونس في محاولة لتحصين موقع المرأة داخل المجتمع المحافظ، إلا أن الدولة تواجه وابلا من الانتقادات بشأن التعامل مع ظاهرة العنف ضد المرأة لاسيما في ما يتعلق بتطبيق تلك التشريعات نفسها.

وبدا لافتا قول ممثلين عن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إن مطلب عائلة الضحية رفقة الشارني يتمثل في حرمان كل معنف لزوجته من العفو التشريعي العام حتى لا يتم تحفيز الجناة على التمادي في تعنيف النساء.

وحملت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات الدولة مسؤولية العنف المتفشي ضد المرأة، قائلة إن “الدولة التونسية تتراخى في تطبيق القانون ووضع سياسة جزائية تجعل القضاء على العنف والقضاء على الإفلات من العقاب أحد أولوياتها وتترجم ذلك من خلال إجراءات عملية، هي دولة غير قادرة على التصدي للعنف، الدولة التي لا تُخصص ميزانيات لوضع حد للعنف ضد المرأة من خلال توفير مآو واستقبال للضحايا وفضاءات داخل المحاكم تتضمن وكلاء جمهورية متخصصين في العنف هي دولة متراخية”.

بشرى بلحاج حميدة: المشكلة في تطبيق القانون، نطالب القضاء بالتعامل بجدية مع الجرائم
بشرى بلحاج حميدة: المشكلة في تطبيق القانون، نطالب القضاء بالتعامل بجدية مع الجرائم

وتابعت فراوس في حديث لـ“العرب” أن “الدولة غير قادرة لا على تغيير العقليات ولا تطبيق القانون، قتل النساء أصبح ظاهرة في تونس، في 2013 مثلا وزارة العدل قالت إن من ضمن 180 جريمة قتل أمام المحاكم هناك 50 قضية قتل أزواج لزوجاتهم وبعد ذلك لم نر إحصائيات رسمية حول القضية لكن الأخبار تتواتر عن حوادث قتل امرأة تحت نير
العنف”.

وتحمل رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المجتمع مسؤولية ما يحدث، قائلة “طبيعي جدا أن المجتمع الذي يعتبر أن من أشكال أدوات التعامل مع المرأة هو بالركل والدفع والجرح والإهانة والتحقير هو نفس المجتمع الذي يعتبر أن قتل النساء يمكن أن يكون القربان الذي يقدم لكي تواصل السلطة الذكورية امتدادها”.

وأوضحت “هذه العقلية المجتمعية السائدة كانت لها ارتداداتها في وسائل الإعلام وفي الخطاب السياسي وغيره، لكن تبقى الدولة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لأن تلك الدولة ترفض حتى إخراج إحصائيات رسمية حول الجرائم التي استهدفت النساء، المسؤولون في هذه الدولة لا يُعطون في خطاباتهم أي موقف مناهض للعنف ضد المرأة ولا توفر الدولة آليات تحصن المرأة مثل رقم أخضر (مجانا) يمكن للنساء المعنفات الاستنجاد به لتقديم شكاوى، الدولة التي تمنح الأمنيين والقضاة حق تأويل القوانين المناهضة للعنف ضد النساء حسب أهوائهم هي دولة مقصرة”.

وتتعهد الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بمواصلة الضغط للتصدي للظاهرة حيث تؤكد  فراوس على “مواصلة الجمعية ومناضلاتها الضغط على الجميع من أجل إيقاف هذا النزيف، يكفي قتل النساء ونعم للحوار وغيره لتغيير العقليات ولدفع القضاء على أن يكون أكثر حزما مع الظاهرة”.

وإلى جانب العقلية السائدة في المجتمع التونسي وهو لا يزال مجتمعا أبويا شأنه شأن العديد من المجتمعات العربية، تمهد الخطابات السياسية التي لا تخلو من مفردات تحقيرية للمرأة لاستهدافها ومكتسباتها.

ولم يتردد نواب برلمانيون في إصدار مواقف مناهضة لحقوق المرأة ما أثار مخاوف من تبعات تلك الخطابات.

خطابات سياسية تحقيرية

محمد صالح العبيدي: الخطاب المحرض على العنف ضد المرأة أطلقه إسلاميون في البرلمان
محمد صالح العبيدي: الخطاب المحرض على العنف ضد المرأة أطلقه إسلاميون في البرلمان

اعتبر المحلل السياسي محمد صالح العبيدي أن المسؤولية مشتركة في ما يخص العنف ضد المرأة، لكن بعض الخطابات السياسية هي تحريضية ضد المرأة وتريد إعادة التونسيين لمربع التقسيم بين علمانيين وحداثيين، موضحا “عندها تسيل دماء المرأة بين القبائل”.

وأضاف العبيدي في تصريح لـ”العرب” أنه “بالأرقام العنف ضد المرأة في تزايد، لأن هناك خطابا سياسيا يشجع على استهدافها من قبل الإسلاميين خاصة، هنا تكمن الخطورة: هناك أذرع إسلامية عنيفة تسللت إلى مواقع حساسة على غرار البرلمان، مثل ائتلاف الكرامة، يتبنون مثل هذه الخطابات ورأيناهم كيف أعلنوا ذلك في مواقف موثقة تدعو علنا إلى التراجع عما تم تحقيقه في هذا المجال”.

وتُساير بلحاج حميدة العبيدي في موقفه حيث تشدد في تصريحها لـ «العرب» على أن “هناك خطابا سياسيا رجعيا وتمييزيا وتعزز بحذف مبدأ التناصف في قانون المحكمة الدستورية مثلا”.

وأشارت إلى أنه “منذ الاستقلال (سنة 1956) توجد قضية مساواة بين المرأة والرجل، لكن الخطوة الإيجابية اليوم أن الجميع يتفاعل مع الموضوع، وهناك جزء كبير من المجتمع يتحرك ضد العنف المسلط على المرأة في ظلّ تخلي الدولة عن دورها”.

وكانت تونس قد شهدت سجالات تصاعدت في العام 2017 عندما بعث الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لجنة الحريات الفردية والمساواة في الميراث بين الجنسين.

ونجحت هذه اللجنة في إصدار تقرير بقي حبيس أدراج البرلمان، حيث عارضته قوى سياسية إسلامية وبقيت القوى السياسية التي تحمل لواء الدفاع عن مدنية الدولة تُزايد به دون أن تتجرأ على الدفع به
للتصويت.

13