إريتريا تسير على حبل مشدود بين السودان وإثيوبيا

الخرطوم – أنهى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الأربعاء زيارة استمرت يومين للسودان حاول خلالها تهدئة الأجواء بين البلدين بعد أن اتهمت الخرطوم طرفاً ثالثاً بالانحياز إلى إثيوبيا في نزاعها الحدودي على منطقة الفشقة، قبل أن تعترف أسمرة بنشر قواتها في إقليم تيغراي للقتال إلى جانب القوات الفيدرالية الإثيوبية.
وعقد أفورقي مباحثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ولم يصدر بيان رسمي بشأن ما جاء في المباحثات، غير أن صحفا محلية سودانية أشارت إلى أنها ناقشت سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة وحل المسائل الخلافية بالحوار، وناقشت أزمة الحدود المشتركة بين إثيوبيا والسودان وتطرقت إلى أزمة سد النهضة.
وجاءت زيارة أفورقي الثالثة إلى السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في وقت حرج بالنسبة إلى بلاده التي تتعرض لضغوط دولية لسحب قواتها من تيغراي، وحملتها جهات غربية مسؤولية الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في تلك المنطقة، والتلويح بتوقيع عقوبات رادعة.
وشعر الرئيس الإريتري أن دائرة الخناق تضيق حوله ما دفعه إلى زيارة السودان لتخفيف الضغوط الإقليمية وكسب الخرطوم إلى صفه من خلال تعهده بضمان استقرار منطقة شرق السودان، وإيجاد حل لأزمتي الخرطوم مع أديس أبابا بخصوص الفشقة وسد النهضة كي لا يجد نفسه في مواجهة ساخنة مع السودان.
واستبعد مراقبون نجاح أفورقي في إيجاد حل لأزمة سد النهضة، وأقصى ما يستطيع عمله إقناع الدول الثلاث بالجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات، تنفيذاً لرغبة إثيوبية لاستهلاك الوقت، وهو ما ترفضه مصر والسودان ما لم يكن مصحوبا بتوقيع على اتفاق ملزم، خاصة أن إنحياز أفورقي لإثيوبيا يقلل من مصداقية وساطته.
ويدرك الرئيس الإريتري أن التصعيد في المثلث الحدودي بين بلاده والسودان وإثيوبيا لن يكون في صالح تحالفه الجديد مع أديس أبابا، وقد يفتح عليه أبواب معارضين له في شرق السودان إذا قررت الخرطوم توظيف هذه الورقة عبر دعم جبهة تحرير تيغراي والفارين من قياداتها للسودان أو تنظيمات إريترية مختلفة.
وأظهر أفورقي خلال زيارته للخرطوم حرصا على التواصل مع المكون المدني الذي يعارض مسألة التصعيد على الحدود مع إثيوبيا، بعكس اهتمامه في زيارات سابقة بتوطيد علاقاته مع المكون العسكري، واستهدف تقديم ما يمكن أن يقنع الحكومة بضرورة التواصل والتفاهم المشترك عبر الحوار للتعامل مع الأوضاع المتأزمة.
وبحث أفورقي مع رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إمكانية فتح أبواب التكامل الاقتصادي بين البلدين وتوسيعه ليشمل دول المنطقة باعتباره مدخلاً لحل القضايا السياسية وخلق مشروعات مشتركة تنهض باقتصاديات هذه الدول لإحداث شرخ بين المكونين المدني والعسكري والتشويش على خيارات السودان الإقليمية.
قال المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن أفورقي يلعب على تعقيدات المشهد السوداني للاستفادة من تباين مواقف الأطراف الحاكمة من التصعيد العسكري على الحدود مع إثيوبيا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أفورقي يخشى من إمكانية إقدام إثيوبيا على خطوة الملء الثاني لسد النهضة من دون الوصول إلى اتفاق ملزم، ما يعني أن السودان ومصر سيعملان على تصعيد الأوضاع على الحدود التي تتواجد فيها قواته، وبالتالي فإن دعم جبهة تحرير تيغراي بالسلاح يعرضه لخسائر كبيرة.
ويحاول أفورقي استجداء السودان كي لا يفتح مجدداً صفحة تقديم الدعم إلى حركة الجهاد الإسلامي الإريترية المعارضة التي تتواجد عناصرها بكثافة في شرق السودان، ويدرك أن إتاحة المنابر الإعلامية والسياسية للحركة يؤدي إلى مشكلات له، خاصة أن الأوضاع في بلاده قابلة للاشتعال في أي لحظة.
ويشكل شرق السودان أحد أسباب تعقيدات العلاقة بين البلدين، إذ أن إريتريا تخشى من إمكانية توظيف المعارضة الموجودة هناك ضدها، وفي الوقت ذاته فإن لديها مصلحة في استمرار الأوضاع غير المستقرة عقب فشل تنفيذ مسار الشرق بالسودان حتى الآن.
وذهب متابعون للتأكيد على أن إريتريا توظف حالة الضعف التي عليها الحكومة الانتقالية في السودان نتيجة انشغالها بصراعات داخلية لتحافظ على السلام البارد مع الخرطوم بعد أن حقق أفورقي مكاسب مهمة على رأسها ترسيخ أقدامه في تيغراي.
وكشفت مصادر سودانية أن أفورقي قدم خلال زيارته ضمانات للخرطوم بعدم انخراط بلاده في أي أعمال عدائية تؤثر سلباً على الأمن القومي السوداني، وإيصال رسالة مفادها أن تحالفه مع أديس أبابا لن يأتي على حساب السودان.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إلى أن أفورقي يمارس انتهازيته بحق السودان في محاولة لكسب ود السلطة في الوقت الذي حقق فيه مكاسب عديدة من دخوله في حرب تيغراي، حيث استغل الخلافات داخل إثيوبيا وسيطر على أراض واسعة لم يحلم بها قبل الوصول إلى اتفاق سلام بين البلدين، وبالتالي فهو يحاول الحفاظ على هذه النجاحات من خلال تحييد السودان.
وتوقع في تصريح لـ”العرب” أن يكون أفورقي قدم خلال زيارته شروطا للانسحاب من بعض المواقع في إقليم تيغراي القريب من السودان، منها حث الخرطوم على الانخراط في حوار سياسي مع أديس أبابا لضمان عدم التصعيد العسكري.
ولفت الدومة إلى أن السودان يتعامل بحذر مع سلوك الرئيس الإريتري، ويركز على خلافه الدائر مع إثيوبيا دون توسيع دائرة الخلاف بما يجعله أيضاً أكثر حرصاً على احتواء أفورقي الذي لديه أوراق سياسية تمكنه من اللعب بها في شرق السودان من خلال علاقاته القوية مع قبيلة البني عامر.
وذكر متابعون في السودان أن الزيارة هدفها الرئيسي إحداث شرخ في العلاقة بين حلف الخرطوم والقاهرة لصالح حلف أسمرة وأديس أبابا، لأن أفورقي يعلم أن تقوية العلاقات بين الحلف الأول سوف تكون لها انعكاسات على التوازنات في المنطقة، وتتأثر بها إريتريا التي تعاني من أزمات معقدة ومصير الحكم فيها بعده مجهولا.