الإسلاميون يعملون على هدم المكتسبات المحدودة للمرأة الكويتية

مشروع تعديل قانوني يحصر ممارسة القضاء في الرجال دون النساء.
الجمعة 2021/04/30
لا تراجع عن معركة المُواطَنَة الكاملة

يظل وضع المرأة الكويتية، بعد أن تخطّت الكثير من الموانع العقائدية والاجتماعية وتمكنّت من تحصيل قدر من المكاسب المحدودة نسبيا، مهدّدا بالانتكاس والتراجع في ظلّ تربّص قوى الإسلام السياسي بمكاسبها، وعملها المتواصل على إلغائها والتراجع عنها، خصوصا في ظل تقدّم تلك القوى في مؤسسات الدولة وتوسّعها في نشر أفكارها بين شرائح المجتمع الكويتي المحافظ.

الكويت- لا تنقطع التيارات الإسلامية في الكويت عن ممارسة ضغوطها على المجتمع محاولة التحكّم بتطوّره وتكييف نظمه وسلوكه والعلاقات بين أفراده وفق تعالميها المستندة إلى تفسيرات متشدّدة للشريعة.

وعلى غرار غالبية الإسلاميين عبر العالم يسلّط إسلاميو الكويت ضغوطا استثنائية على المرأة نظرا لموقعها الهام في الأسرة والمجتمع  ودورها الكبير في تنشئة الأفراد وتربيتهم، فضلا عن عقدة مستحكمة لدى الغالبية العظمى من هؤلاء وحاجة دائمة لفرض الذات وإثبات التفوّق على النساء.

وفي ظل الصعود السياسي اللاّفت للتيارات الإسلامية في الكويت ومشاركتها في تسيير شؤون البلاد من داخل الأجهزة الحكومية ومن تحت قبّة البرلمان، فضلا عن حضورها في الإعلام وفي الفضاء العمومي، ضاعفت تلك التيارات من ضغوطها على المجتمع وتحوّلت بشكل ملحوظ من محاولة عرقلة تطوير أوضاع المرأة الكويتية ووقف المسار الخجول للتمكين لها وتحقيق مساواتها مع الرّجل، إلى محاولة التراجع عن حقوق ومكتسبات حصلت عليها الكويتيات بالفعل على الرغم من أنّها تعتبر قليلة ومنقوصة قياسا بمكتسبات النساء في دول عربية أخرى.

وكمثال على ذلك ما يزال الإسلاميون في الكويت يرفضون التسليم بقرار السماح للمرأة الكويتية بممارسة مهنة القاضي ويحاولون التراجع عن تلك الخطوة التي وصفها البعض بأنها قفزة قد تكون الأهمّ في مجال تمكين المرأة بعد السماح للكويتيات بالترشّح للانتخابات البرلمانية والمشاركة في الاقتراع، بالإضافة إلى تمكّن عدد محدود من النساء من شغل مناصب قيادية في الحكومات الكويتية بما في ذلك مناصب وزارية.

خطوة إلى الأمام وقفزة إلى الخلف

جسّد الإسلاميون مجدّدا رفضهم تولي المرأة مناصب قضائية في اقتراح تعديل قانوني تقدم به مؤخرا النائب السلفي فايز الجمهور لتعديل يتضمّن منع المرأة من ممارسة القضاء “لعدم جواز ذلك في الشريعة الإسلامية”، بحسب رأي النائب.

وتمّ تمويه الهدف الأصلي من المقترح وهو التراجع عن حق المرأة في ممارسة القضاء، بجملة من “الإصلاحات” الأخرى المقترحة للسلك القضائي على رأسها توطين القضاء وحصر ممارسته في الكويتيين دون الأجانب.

وجاء في المذكّرة التوضيحية للاقتراح “تم تنظيم مرفق القضاء بصدور المرسوم الأميري رقم 19 لسنة 1959، وقد وضع في الاعتبار آنذاك أن ذلك القضاء كان في طور التكوين وكانت تعوزه الخبرة وتوافر الكوادر التي تنهض به حتى يتسنّى له القيام بدوره المنشود، ويطمئنّ المتقاضون أنهم سيحصلون على حقوقهم كاملة غير منقوصة دون أن يلحق بهم حيف، لذلك أجيز تعيين غير الكويتيين من الدول العربية في مناصب القضاء والنيابة العامة جنبا إلى جنب أقرانهم الكويتيين.

لولوة الملا: الكويتيات يطالبن بالمساواة في الوصول إلى مناصب صنع القرار
لولوة الملا: الكويتيات يطالبن بالمساواة في الوصول إلى مناصب صنع القرار

وبعد أن تغيرت الظروف وتكوّنت كوادر عالية المستوى من القضاة وأعضاء النيابة الكويتيين، فاقت نظراءهم من الجنسيات العربية الأخرى، ومع انتشار التعليم العالي وتوافر الخريجين الكويتيين المؤهلين لتولي مناصب القضاء والنيابة العامة أضحت الحكمة من تعيين قضاة من غير الكويتيين منتفية، ما حتّم التدخل التشريعي لوضع الأمر في نصابه الصحيح وقصر هذه الوظائف على الكويتيين دون مشاركة آخرين لهم فيها”.

أما الغرض الأساسي من مقترح التعديل القانوني فلخّصته المذكّرة بالقول “لمّا كان تولّي أمر القضاء يعتبر من قبيل الولاية العامة، والقاعدة الشرعية أنه لا ولاية للمرأة على الرجل، ووفقا لفتوى هيئة الفتوى العامة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 24 هـ2012 م بمنع تولي المرأة القضاء، وعدم جوازه في الشريعة الإسلامية، جاء التعديل على المادة رقم 19 التي تحدد الشروط الواجب توافرها في من يتولى وظيفة القضاء بقصر توليها على الرجال الكويتيين فقط”.

واقترح النائب في تعديله القانوني أن ينص البند “ب” من المادة 19 على أن “يكون (من يتولى القضاء) ذكرا كويتيا”.

وكانت الكويت قد شهدت في سبتمبر الماضي خطوة هامّة في مجال تمكين المرأة عندما أدّت ثماني نساء اليمين القانونية أمام رئيس المجلس الأعلى للقضاء ليصبحن بذلك أول قاضيات في تاريخ الكويت التي تعتبر متأخرة في تمكين المرأة من ممارسة هذه الوظيفة قياسا بالعديد من البلدان العربية والإسلامية.

ولم يخل وصول هؤلاء النسوة إلى مناصبهن الجديدة من طابع استثنائي حيث تطلّب الأمر سنوات من الجدل حول إمكانية تولّي النساء لخطّة قاضية، كما تطلّب مغالبة عوائق اجتماعية وعقائدية طرحتها على وجه الخصوص جهات دينية معروفة بانغلاقها، ولا تزال لها سطوتها على المجتمع بل مشاركتها في السلطة من خلال المواقع الحكومية والبرلمان.

وتم تعيين القاضيات ضمن دفعة تتكون من 54 قاضيا وقاضية. وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز المستشار يوسف المطاوعة إن تعيين القاضيات والقضاة “يأتي في نطاق السعي لتكويت القضاء” (جعله كويتيا). وتواجه الكويت نقصا في كوادر القضاء ومازالت تستعين بقضاة من دول عربية لسد النقص في عدد القضاة لديها، الأمر الذي يجعل للمرأة دورا فاعلا في سدّ ذلك النقص بكفاءات وطنية ويحدّ من اللجوء إلى الاستعانة بالخارج.

وأشار المطاوعة إلى أنّ “تجربة عمل القاضيات تقتضي تقييما بعد مضي مدة حتى يمكن التوسع فيها”، مشددا على “دور القاضيات الجديدات في إنجاح التجربة”.

وآخر يونيو 2020 أصدر النائب العام المستشار ضرار العسعوسي قرارا بترقية ثماني وكيلات نيابة إلى منصب قاضيات. واعتمد المجلس الأعلى للقضاء الكويتي القرار بعد صدوره بحوالي شهر. وجاء قبول تعيين المرأة الكويتية في سلك القضاء بعد ستة أعوام من قبول عشرين امرأة في النيابة العامة.

خلاصة نضال طويل

Thumbnail

لقد ظلت الكويتيات لسنوات طويلة يكرّرن محاولة دخول السلك القضائي، فمنذ سنة 2006 تقدمت طالبة حقوق بطلب لتصبح وكيلة نيابة بحجة عدم وجود مانع في القانون يحول دون ذلك. لكنّ الخطوة جوبهت بحملة شعواء من قبل جهات منغلقة دينيا واجتماعيا شنّت على الطالبة وكذلك على الجهات التي ساندت مطلبها، ما جعل الحكومة تغض الطرف عن الطلب.

وتتولّى المرأة في الكويت مناصب حكومية مهمّة من بينها منصب وزيرة، لكنّ بعض العائلات والأوساط المحافظة لا تزال تفرض قيودا مشدّدة على تحرّكات النساء وتصرفاتهن.

وفي مظهر على وجود عوائق اجتماعية ودينية في الكويت أمام عملية التمكين للمرأة، يظل عدد النساء اللاتي يتمكنّ من الوصول إلى مجلس الأمّة (البرلمان) محدودا رغم تمتّعهن بحق الترشّح والانتخاب، حيث لا يضمّ المجلس الحالي أيّ امرأة بينما ضم المجلس السابق امرأة واحدة.

محمد هايف: دعاة المساواة جعلوا المرأة قاضية، والقضاة ثلاثة رجال
محمد هايف: دعاة المساواة جعلوا المرأة قاضية، والقضاة ثلاثة رجال

وسبق للنائب السابق بالبرلمان الكويتي ماجد المطيري أن علّق على تعيين القاضيات بالقول إنّه يتوجّب النظر في كافة الاعتبارات الشرعية والقانونية قبل الموافقة على ذلك. بينما قال زميله محمّد هايف “لا تظلموا المرأة فقد خفّفت عنها الشريعة الكثير من المسؤوليات، فلا ولاية عامة لها، ولا حتى لها على نفسها في النكاح، ولا تسافر إلا بمحرم، وأعفيت من القوامة والنفقة وكلّف الرجل بها، وأسقط عنها الكثير من التكاليف مراعاة لخصوصيتها، ثم يأتي دعاة المساواة ليجعلوها قاضية والقضاة ثلاثة رجال”، وذلك في إحالة على الحديث النبوي “القضاة ثلاثة: اثنان في النّار، وواحد في الجنّة؛ رجل عرف الحقّ فقضى به فهو في الجنّة، ورجل عرف الحقّ فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النّار، ورجل لم يعرف الحقّ فقضى للنّاس على جهل، فهو في النّار”.

وكثيرا ما يشكو الكويتيون مما يسمّونه تسلّط “قوى دينية متشدّدة” على المجتمع ومحاولتها ممارسة الوصاية عليه، ويقولون إنّ دور هؤلاء ليس عديم التأثير في بعض سياسات الدولة وصياغة قوانينها، محذّرين من أنّ أخطر تأثير لهؤلاء هو ما يمسّ قطاعات حساسة مثل التعليم.

أما في الشقّ المؤيد لتعيين نساء كويتيات في سلك القضاء، فيقول رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم إنّ “صعود المرأة الكويتية منصّة القضاء، استحقاق طال انتظاره، وهي خطوة إلى الأمام في مسيرة نضال المرأة الكويتية الذي امتد لعقود”. وأيّده في ذلك النائب السابق أحمد الفضل قائلا “ألف مبروك لدولة الكويت وللمرأة الكويتية قرار يخولها العمل كقاضية وليس السبب بالتهنئة هو نيل هذه الوظيفة السامية والمقدّرة فقط، إنما السبب الرئيسي هو تحقق المساواة والعدالة دون تمييز على أساس الجنس وفقا لما نص عليه الدستور”.

وترى رئيسة الجمعية الثقافية النسائية الاجتماعية لولوة الملا، من جهتها، أن تعيين المرأة في سلك القضاء “هو مطلب رفعته الجمعية النسائية في الكويت منذ سنوات طويلة”، قائلة “هذا التعيين أثلج صدورنا ونعتقد أننا نخطو خطوات إلى الأمام في مصاف الدول المتقدمة”.

وحصلت المرأة الكويتية على حق التصويت والترشح للانتخابات في مايو 2005. وفي يونيو من العام ذاته عينت الحكومة أول وزيرة في تاريخ البلاد هي معصومة المبارك. وبعد أربعة أعوام، فازت أربع سيدات للمرة الأولى بمقاعد برلمانية.

وترى الملا أنّ النساء في الكويت “لا يزلن يطالبن بالمساواة والعدالة في أمور كثيرة بينها الوصول إلى مناصب صنع القرار، وإقرار حقوق المرأة الكويتية المتزوّجة من أجنبي، والسماح لأفراد أسرتها بالحصول على إقامة دائمة وتمكين أطفالها من الميراث بعد وفاتها”. ويمنع القانون الكويتي أبناء الكويتية من أب أجنبي من أن يرثوا منزل والدتهم بعد وفاتها ويلزمهم ببيعه بعد عام من رحيلها.

نحو مزيد من الحقوق

تركيز الإسلاميين لضغوطهم على المرأة سببه موقعها الهام في الأسرة والمجتمع ودورها الكبير في تنشئة الأفراد وتربيتهم
تركيز الإسلاميين لضغوطهم على المرأة سببه موقعها الهام في الأسرة والمجتمع ودورها الكبير في تنشئة الأفراد وتربيتهم

وترى العنود الشارخ الأكاديمية والناشطة الحقوقية في مجال تمكين المرأة أنّ دخول المرأة الكويتية إلى سلك القضاء يؤدي إلى فتح بعض القضايا القانونية المتعلقة بتجاوز المخاوف المستندة إلى الشريعة التي أثارها عدد من نواب البرلمان.

وتشير إلى أنّ المرأة في الكويت تحتاج إلى موافقة الولي الذكر للزواج وموافقة القاضي الذكر لتسهيل الطلاق. وقد تم طرح مثل هذه القضايا من قبل أعضاء مجلس الأمّة المعارضين وكانت الأصوات الأكثر ليبرالية تأمل في أن يؤدي هذا النزاع إلى إنهاء بعض ممارسات الوصاية والسماح بدور أكثر بروزا للنساء الكويتيات في صنع السياسات في المستقبل. ويأملون في أن يؤدّي هذا إلى مزيد من المساواة في الحقوق للنساء فيما يتعلق بنقل جنسيتهن إلى أطفالهن، بالإضافة إلى أمور أخرى.

ولفتت العنود إلى أنّ هناك مواد في قانون العقوبات الكويتي تبرّر العنف ضد المرأة وأن نساء يقتلن بشكل متكرر بسبب عصيان أقاربهن من الذكور، معتبرة أنّ الكويت تخلفت عن دول الخليج الأخرى في تعيين قاضيات في هيئة المحكمة ربما بسبب سياسة البلاد المتأسلمة على مدى الثلاثين عاما الماضية.

وتضيف الباحثة والحقوقية الكويتية أنّ عجلة التغيير في الكويت تدور بشكل بطيء خاصة فيما يتعلق بتمكين المرأة وزيادة تمثيلها في المناصب القيادية، مرجعة ذلك لانعدام الإرادة السياسية الحقيقية للضغط من أجل نظام إقرار نظام حصص بين الجنسين وزيادة فرص النساء في المناصب التي يشغلها الرجال تقليديا، مثل القضاء، فإن تصويب الوضع سيتم بشكل متقطع.

ويقول حقوقيون إن وضع المرأة في الكويت ما يزال رغم التطوّرات الملموسة التي طرأت على المجتمع، محكوما بضوابط تقليدية تحرسها وتسهر على حمايتها من رياح التغيير قوى إسلامية وقبلية ذات سطوة وتأثير ليس على المجتمع وحده، ولكن أيضا على الدولة ومؤسساتها وقوانينها، الأمر الذي يفسّر صمود قانون عفا عليه الزمن يشرّع للقتل بذريعة الدفاع عن الشرف، على الرغم من كثرة المطالبات بتغييره.

ويتعلّق الأمر بالمادّة مئة وثلاثة وخمسين من قانون العقوبات الكويتي الذي يتضمّن تشجيعا غير مباشر على قتل النساء بتهمة الزنى من قبل الذكور من عائلاتهنّ، وذلك بإقراره عقوبات مخفّفة على من يؤتون تلك الجريمة تظهر أنّ مشرّع القانون تجنّب التعامل مع مثل تلك القضايا كجرائم قتل عادية وحرص على عدم معاملة مقترفيها معاملة القتلة.

ويناضل كثير من الكويتيين والكويتيات لتعديل لتلك المادّة لكنّهم يصطدمون مرارا وتكرارا بهيمنة قوى محافظة على مجال التشريع في البلاد، بينما لا تتوفّر إرادة سياسية للتخلّص من تلك الثغرة القانونية التي ينفذ من خلالها قتلة ومجرمون تحت مسمّى الشرف، حيث كثيرا ما تتجنّب قوى في السلطة رغم ما تتمتّع به من نفوذ إثارة الإسلاميين لتجنّب ردود أفعالهم وحملاتهم الإعلامية وحتى استخدام مواقعهم في البرلمان لمحاربة خصومهم ومخالفيهم في الرأي.

13