"أليفيا 2053" أنيميشن لبناني عن الاستبداد يحقق الملايين من المشاهدات

قليلة هي أفلام الأنيميشن العربية سواء تلك الموجهة إلى الصغار أو الكبار على حد السواء، وفيلم التحريك اللبناني "أليفيا 2053" يعدّ أول فيلم أنيميشن من نوع الديستوبيا تدور أحداثه في العام 2053 عن جمهورية عربية متخيلة اسمها “أليفيا” يعاني أهلها من الاستبداد والفساد.
بيروت - حصد فيلم “أليفيا 2053” الأنيميشن اللبناني أكثر من ثمانية ملايين مشاهدة على يوتيوب خلال خمسة أسابيع، ويكمن سرّ الإقبال على هذا العمل الذي يتمحور حول دولة عربية خيالية مستقبلية تعاني “قدر الاستبداد”، على الأرجح في أن المستخدمين من بلدان كثيرة أسقطوه على واقعهم.
ففي العمل الممتد على 60 دقيقة، يتابع المشاهدون فيلم إثارة بتقنية الرسوم المتحركة تدور أحداثه عام 2053 في جمهورية أليفيا، البلد العربي الخيالي الذي تسوده الفوضى.
ويتولى الحكم في هذه الجمهورية علاء ابن إسماعيل آل ألف المعروف بألف الثاني (يؤدّي دوره بالصوت الممثل اللبناني خالد السيد)، وهو “قائد أليفيا الأبدي وزعيم الأليفيين والحارس الأمين لحكم سلالة آل ألف”.
ويقول صاحب فكرة “أليفيا 2053” ومؤلفه اللبناني ربيع سويدان إن الفيلم الذي يتّسم بالحركة والإثارة “ليس حقيقيا بل هو صادق. خيالي ولكن ينطلق من الواقع، وهو توصيف لواقع اجتماعي موجود في بعض البلدان العربية”.
ويتابع المشاهد في العمل الذي يصفه منتجوه بأنه أول فيلم رسوم متحركة عربي من نوع الديستوبيا (أدب يتناول مجتمعا خياليا فاسدا)، مجموعة شخصيات بينها “اليد اليمنى” للحاكم ورجل ثقته، والابن المهيأ “منذ ولادته” لوراثة السلطة، والمسؤول الديني الذي يسوّق للزعيم، وكذلك الشعب المقموع الذي تعتمل الثورة في صفوفه، وصولا إلى المغلوب على أمرهم أو المعميين داخل المنظومة الذين ينتهي بهم الأمر إلى الانقلاب عليها.
والحاكم ألف الثاني “حرف ساقط” بالنسبة إلى المعارضين الذين يثورون عليه، ويطيحون به في نهاية المطاف.
ويسرد الفيلم تداخلا غير متوقع لمصير ثلاث شخصيات تتسابق مع الزمن للكشف عن مصدر هجوم إلكتروني خرق الجهاز الأمني الأكثر تطوّرا، في نظام يعدّ من أكثر الأنظمة استبدادا في التاريخ.
ويستعيد الفيلم الذي أخرجه جورج أبومهيا بعض المشاهد التي تذكّر بأحداث شهدتها الدول العربية، ومنها إسقاط تمثال الزعيم واقتلاعه بالحبال، وشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” الذي بات لازمة لكل الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة خلال العقد الماضي.

"أليفيا 2053" فيلم لبناني يتسّم بالحركة والإثارة، وهو توصيف لواقع اجتماعي موجود في بعض البلدان العربية
ويؤكّد سويدان أن الواقع الذي يتمحور حوله الفيلم ليس مستوحى من نموذج واحد، فـ”العالم أصبح قرية صغيرة، والوضع يتشابه في أكثر من مكان”. ويقول “قد يكون أليفيا البلد الثالث والعشرين في الجامعة العربية”.
وأنتجت شركة “سبرينغ إنترنتينمنت” اللبنانية هذا العمل، فيما تولى أستوديو الرسوم المتحركة “ماليل آرت بروداكشنز” في مدينة أنغوليم الفرنسية تنفيذ الجوانب التحريكية الصعبة. ويقول سويدان إن “أكثر من 70 في المئة من العمل نُفّذ في لبنان ومن خلال لبنانيين من بينهم كريم خنيصر في الموسيقى وتصميم الصوت، أما الأداء الصوتي فأتى لمشاركة كل من خالد السيد وعلي سعد وجيهان ملا”.
ويوضّح أن فكرة الفيلم التي نشأت في مطلع العام 2017، انطلقت من أنّ “ثمة دائما ميلا في العالم العربي إلى تخيل ما يمكن أن يكون حصل في الماضي، ولكن لا يوجد أي عمل مسرحي أو سينمائي يتخيل كيف سيكون العالم العربي في المستقبل”. ويضيف “بدأت فكرة الفيلم بتساؤل عمّا سيكون عليه العالم العربي بعد 20 أو 30 سنة”.
وبعد أكثر من شهر على إطلاقه عبر “يوتيوب” في 21 مارس الماضي، تخطى عدد مشاهدات الفيلم الناطق باللغة العربية الفصحى ثمانية ملايين، في زمن أصبحت فيه منصات الإنترنت بديلا عن السينما بسبب الجائحة.
ويرى سويدان في ذلك “دليلا على أن الفيلم يعكس ما يفكّر به الناس، كل واحد يراه من منظوره ويجد نفسه ومجتمعه فيه”.
ويعتبر الناقد السينمائي إلياس دُمّر أن “عرض الفيلم على الإنترنت، وخصوصا بالمجان عبر يوتيوب، في زمن بات المحتوى محصورا بالعالم الرقمي وبمنصات الفيديو على الطلب، يشكّل عاملا مهما في الإقبال عليه، لكنّ الأساس هو القصة”.
ويضيف “صحيح أن قصة شعب يثور على حكم ظالم استبدادي غير جديدة، وتطرّقت إليها أفلام عالمية كثيرة، لكنّ الإقبال على الفيلم يعود حتما إلى أنه يحاكي الواقع العربي، وقد اتسعت دائرة مشاهديه بالتواتر، وهذا أهم مصدر لنجاح الأفلام”.
وقبل هذا الفيلم التحريكي الروائي الطويل، كان سويدان وزميله مروان حرب حقّقا عام 2017 نجاحا واسعا عبر الإنترنت أيضا من خلال “دون قيد”، وهو أول مسلسل لبناني سوري رقمي تفاعلي عُرض على المنصات الرقمية، وقد فاز بعدد من الجوائز العالمية. ويقول سويدان “أردنا شيئا جديدا ومميزا هذه المرة، من خلال الرسوم المتحركة”.
ويلاحظ دُمَّر أن الشريط “جذّاب على مستوى الإخراج والتنفيذ التحريكي، مع أنه لا يعتمد أضخم تقنيات أفلام الرسوم المتحركة، إذ هو بتقنية ثنائية الأبعاد لا ثلاثية”.
ويرى أن “من الصعب جذب جمهور البالغين إلى الأفلام التحريكية التي تتوجه عادة إلى الصغار، لذا يشكّل هذا الشريط علامة فارقة في عالم أفلام الصور المتحركة العربية”.
ومع أن “أليفيا 2053” فيلم “ذو طابع سوداوي”، فإن مشهده التحريكي يستعيض عن “اللون الأزرق المائل إلى الرمادي القاتم المألوف في أفلام الديستوبيا، بلون مائل إلى الرمل والصحراء، وكأن اللون والحياة مخطوفان”.
ومع ذلك يؤكّد سويدان “لكن الألوان تعود في المشهد الأخير، لأن الأمور لا يمكن أن تبقى مظلمة”. ويضيف “ما يريده هذا الفيلم هو ألاّ يكون المستقبل أسوأ من الماضي والحاضر”.