جماعات إرهابية تسعى لاستثمار الأزمة التونسية لتنفيذ مخططاتها

 المناخ السياسي المضطرب بين رؤوس السلطة في تونس يساهم في دفع المجموعات الإرهابية إلى تكثيف نشاطها لبث الفوضى وإرباك جهود المؤسستين الأمنية والعسكرية.
الخميس 2021/04/22
تحركات تستنفر قوات الأمن التونسية

تونس- تسعى المجموعات الإرهابية إلى استغلال الاضطرابات السياسية التي تهز تونس من أجل تنفيذ مخططاتها وذلك في ظل معركة الصلاحيات بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي.

وتصاعدت حدة المعركة أخيرا بعد إعلان الرئيس قيس سعيد الأحد نفسه قائدا أعلى للقوات الأمنية والعسكرية، وهو ما أثار حفيظة حركة النهضة الإسلامية الداعمة للمشيشي والتي ردت ببيان شديد اللهجة الثلاثاء أكد حدوث القطيعة بين الطرفين.

وأعلنت وزارة الداخلية التي لا يزال المشيشي يشغل فيها منصب الوزير بالنيابة الأربعاء اعتقال ثلاثة عناصر تكفيرية ضالعة في أعمال إرهابية وصادرة ضدها أحكام بالسجن.

قوات الأمن تجري غالبا عمليات تمشيط في هذه الجبال لتعقّب الإرهابيين المتحصّنين فيها، وقد نجحت في إضعاف قدرة هذه التنظيمات

وأفادت الوزارة، في بيان لها، بأن العناصر تم توقيفها الثلاثاء خلال دورية أمنية بجهة المهدية (شرق) وهي صادرة بحقها محاضر تفتيش، مذكرة أن أحكاما بالسجن تتراوح بين خمسة و15 عاما كانت صدرت عن القضاء ضد الموقوفين لتورطهم في أعمال إرهابية.

كما أحبطت قوات الأمن هجوما وشيكا كان ينوي استهداف عدد من مقراتها في صفاقس جنوب البلاد. وكشفت الوزارة عن مخطط إرهابي لاستهداف مقار أمنية في المدينة، معلنة تفكيك الخلية وإحباط المخطط.

وأكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني العميد وليد حكيمة أن العملية الاستباقية التي تمت بناء على معلومات استخباراتية هي التي مكّنت من إحباط الهجوم المقرر.

ويعتبر الكشف عن المخططات الإرهابية وإجهاضها بعمليات استباقية مؤشراً جيداً على جاهزية قوات الأمن التونسية التي تقاتل منذ سنوات إرهابيين موالين لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يتحصنون في جبال ولايات (محافظات) القصرين (وسط غرب) وجندوبة والكاف (شمال غرب) الحدودية مع الجزائر، ولديهم خلايا نائمة داخل المدن.

مختار بن نصر: المجموعات الإرهابية تستقوي بالتجاذبات السياسية

 ويرى مراقبون أن المناخ السياسي المضطرب بين رؤوس السلطة في تونس من شأنه أن يدفع المجموعات الإرهابية إلى تكثيف نشاطها لبث الفوضى وإرباك جهود المؤسستين الأمنية والعسكرية.

ويقول هؤلاء إن المشهد المأزوم، في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الصحية، يمثل للجماعات الإرهابية مناخا ملائما يساعدها على التحرك والقيام بالأعمال الإرهابية.

وأفاد العميد خليفة الشيباني المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية بأن “من جملة برامج الإرهاب التي يتبناها تنظيم داعش مرحلة الإنهاك بمعناه الاقتصادي والسياسي وغيرهما”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” “عندما تكون الأوضاع السياسية غير مستقرة ومدفوعة بالأوضاع الصحية والاجتماعية، وعندما نرى مشهدا سرياليا وتناحرا سياسيا و قرارات مرتبكة وارتفاعا في الأسعار في شهر رمضان، كلها عوامل تكون أسبابا موضوعية لاستفادة الإرهاب منها”.

وتابع الشيباني “الجماعات الإرهابية تريد استغلال تواصل الاحتقان السياسي من خلال خلاف الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والاحتقان الاجتماعي وتدهور الوضع الصحي، بالإضافة إلى رمزية رمضان الذي يعتبر شهر جهاد في عقيدة الجماعات الإرهابية”.

واستطرد “أغلب وزراء حكومة المشيشي يشتغلون بالنيابة، ووزارة الداخلية يقودها رئيس الحكومة بالنيابة، وهذا يعطي رسائل للإرهابيين لاستغلالها والتحرك”.

وتعيش تونس أزمة سياسية حادة بين رؤوس السلطة بعد انتخابات عام 2019، وزاد حجم الخلافات بصراع الصلاحيات الذي أججه التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي في وقت سابق.

ويذهب خبراء عسكريون إلى أن النشاط الإرهابي يستقوي بالخلافات السياسية، ويجعل من الصراعات والمناكفات عاملا محفّزا على تنفيذ عملياته واستهداف قوات الأمن، فضلا عن سوء إدارة الأزمات والأداء السياسي الضعيف لأصحاب القيادة والقرار.

وقال مختار بن نصر، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، في تصريح لـ”العرب” إن “الجماعات الإرهابية تتصيّد الفرص لتوجيه الضربات للأمن والجيش حتى عبر زرع الألغام، وهي لم تُلقِ السلاح ودائما تكون متخفية، وعمليات الاستقطاب للشباب متواصلة عبر شبكات الإنترنت”.

خليفة الشيباني: غياب وزير داخلية رسالة تشجع الإرهابيين على التحرك

وأضاف “الطبقة السياسية غير واعية بأن الخلافات تدعم نشاط المجموعات الإرهابية التي تستقوي بالتجاذبات والاضطرابات وتشتغل حتى على المستوى النفسي للتونسيين”، مؤكدا أن “ما تم الكشف عنه في الفترة الأخيرة هو نتيجة عمل دؤوب للقوات الأمنية والعسكرية، ووتيرة التحركات الإرهابية ارتفعت إقليميا ودوليا”.

وأردف “نحن لا ندير الأزمات بل ندير بالأزمات، والمناخ السياسي متعفّن وهناك أزمة قيادة وأزمة فاعلية سياسية في مستوى البناء والعلاقات والوظائف، والأداء السياسي ضعيف جدا لأننا عشنا أزمات متراكمة في العشر سنوات الأخيرة”.

وأفاد بن نصر بأن “الجماعات المعزولة والذئاب المنفردة تشترك في الفكر وبث مناخ من الرعب لبلوغ أهدافها”.

واعتبر أنه “في غياب الوحدة الوطنية وارتفاع وتيرة الخلافات وغياب خارطة سياسية واضحة، تستغل المجموعات الإرهابية الوضع وتعطي حلاّ أو بطولة أو مشروعا للشباب البسيط الذي لا يملك ثقافة دينية عبر شبكات الإنترنت”، مشيرا إلى “أن هذه المجموعات سعت من خلال جائحة كورونا والعزلة في البيوت إلى بث أفكارها باستقطاب الشباب”.

ومطلع أبريل الجاري، وفي إطار جهود قوات الأمن لملاحقة فلول الإرهابيين، تم القضاء على ثلاثة إرهابيين من بينهم امرأة في جبلي المغيلة والسلوم وسط غرب البلاد.

وبحسب بلاغ للداخلية التونسية جاءت العملية الاستباقية نتيجة تعقب وتنسيق بين الحرس الوطني وقوات الأمن والجيش الوطني لتضييق الخناق على الإرهابيين.

وتخوض قوات الأمن التونسية منذ عام 2012 حملات تعقب لجماعات مسلحة تنتمي إلى داعش وتنظيم القاعدة في الجبال الواقعة غرب البلاد على الحدود مع الجزائر.

قوات الأمن أحبطت هجوما وشيكا كان ينوي استهداف عدد من مقراتها في صفاقس جنوب البلاد

واقترن شهر رمضان في تونس بعمليات إرهابية دامية، حيث عرفت البلاد خلال 3 سنوات متتالية (2013 و2014 و2015) عمليات قُتل فيها العشرات من العسكريين والأمنيين وسياح أجانب.

وفي رمضان 2014 قتل 15 جنديا وجرح 20 آخرون خلال مواجهات مع إرهابيين بجبل الشعانبي في ولاية القصرين، في حادثة إرهابية هي الأسوأ في البلاد، وجاءت بعد عام فقط من مقتل 8 جنود في كمين استهدف دورية للجيش بالشعانبي.

وتجري قوات الأمن غالبا عمليات تمشيط في هذه الجبال لتعقّب الإرهابيين المتحصّنين فيها، وقد نجحت في إضعاف قدرة هذه التنظيمات على شنّ هجمات إرهابية في البلاد، بعد القضاء على أغلب وأبرز قادتها.

4