الحجر يعيد تشكيل عادات رمضان في المجتمعات العربية

التجمعات الافتراضية لمواجهة الوحدة وتدابير مقاومة الغلاء ميزتان لشهر الصيام هذا العام.
السبت 2021/04/10
البعض مصر على الفرح

يحل شهر رمضان هذا العام مرتديا حلّة العام السابق وسط ظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا، حيث أجبرت الجائحة الملايين من المسلمين على تغيير عاداتهم خلال هذه الفترة. فقد تغيرت بشكل غير مسبوق مظاهر الحياة العامة وطرق الاختلاط بين الناس ما غير الوجه المألوف والمميز لهذا الشهر.

لندن - يستعد المسلمون في المجتمعات العربية لاستقبال رمضان “كئيب” في ظل تفشي فايروس كورونا، وتبدو عادات شهر رمضان الذي يبدأ بعد أيام قليلة بعيدة المنال مع وجود الملايين من السكان في المجتمعات العربية في إغلاق تام.

شهر مكلل بالوحدة

يعد رمضان شهر التواصل الاجتماعي، وبالنسبة إلى أولئك الذين يخوضون تجربة صيام هذا الشهر خلال تدابير الإغلاق للسنة الثانية على التوالي، قد يكون الإفطار مكللاً بالشعور بالوحدة. ومن المحتمل أن يلجأ الكثيرون إلى منصات إلكترونية للتحدث إلى أولئك الذين لا يمكنهم الالتقاء بهم وجهاً لوجه، لاسيما أثناء تناول الإفطار.

ويقول الحاج الهاني (73 عاما) وزوجته الحاجة مليكة (70 عاما) إنهما سيفتقدان لمّة العائلة في رمضان هذا العام أيضا، فابنتهما الوحيدة سلمى (38 عاما) تعمل ممرّضة في مستشفى في العاصمة التونسية ولا تزورهما إلا نادرا خوفا عليهما من العدوى خاصة أنهما يعانيان أمراضا مزمنة كثيرة ولا يكادان يخرجان من البيت إلا في ما ندر.

ويكتفي الهاني ومليكة برؤيتها هي وأولادها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي ويقضيان ساعات يوميا في التحدث. وتقول مليكة إن “التباعد الاجتماعي إنما يخص فقط الأجساد، أما الأرواح فيمكن أن تتصافح دون خوفٍ من انتقال العدوى”.

ورغم ذلك عبر الزوجان عن سعادتهما لأنهما تلقيا الجرعة الأولى من اللقاح الأسبوع الماضي وينتظران تلقي الجرعة الثانية أملا في العودة إلى حياتهما الطبيعية.

ويعود رمضان للعام الثاني على التوالي في أجواء استثنائية فرضها استمرار انتشار فايروس كورونا. ولا يزال القلق قائماً خصوصاً مع انتشار السلالات الجديدة وعدم الوصول إلى المناعة المجتمعية.

وأعادت الجهات الصحية في أغلب الدول العربية التأكيد على أهمية السلوكيات الفردية في هذه المرحلة، وضرورة احترام الأفراد للتعليمات والإجراءات الاحترازية.

واستبقت أغلب الدول العربية دخول شهر رمضان بالإعلان عن مجموعة من القرارات التي تهدف إلى تكييف أداء العبادات والعادات الاجتماعية التي يتميز بها شهر الصيام الذي يعد مناسبة للتعبّد الجماعي.

واجتماعيا يعد رمضان فرصة لتلاقي الأسر حول مائدة الإفطار في موعد واحد.

أما اقتصاديا فهو أحد أكثر الأشهر التي يزداد فيها إنفاق الأسر على الأطعمة والمنتجات من خلال التردد على الأسواق الشعبية والمحلات، كما أنه فرصة للآخرين من التجار والباعة وأصحاب الأعمال الحرة لتوفير دخل مغر خلال 30 يوما.

الدول العربية استبقت دخول شهر رمضان بالإعلان عن قرارات تهدف إلى تكييف أداء العبادات والعادات الاجتماعية

وفي المجال الثقافي لطالما كان رمضان الموعد الأهم لعرض أضخم الأعمال التلفزيونية والإنتاجات الفنية من برامج ومسلسلات على الشاشات العربية والتي يتم العمل عليها طيلة سنة كاملة، لكن يبدو أن فايروس كورونا لديه كلمة أخرى، إذ يعمل للعام الثاني على تغيير عادات وطقوس وتقاليد ألفها الناس على مدى عقود.

وتقول حنان، وهي تونسية تقيم في الكويت مع أسرتها منذ سنوات طويلة، إنه من الصعب تخيل شهر رمضان بدون المناسبات الاجتماعية المرتبطة به مثل القرقيعان (وهو تقليد سنوي منتشر في دول الخليج والعراق يتم الاحتفال به في منتصف شهر رمضان حيث يطوف الأطفال في الشوارع مرتدين أزياء شعبية وتوزع عليهم الحلوى)، والغبقات (وهي عادة رمضانية في الكويت، حيث تعد مائدة طعام في الوقت ما بين الإفطار والسحور لتجميع أفراد العائلة أو الأصدقاء)، والمجالس والديوانيات والإفطار الجماعي وتبادل الطعام مع الجيران. وأضافت “أصبحت التجمعات الافتراضية الطبيعة الاجتماعية الجديدة”.

وفي الدول التي تفرض قيوداً أشد مثل الحظر الكلي، تأثرت الحياة الاجتماعية بشكل ملحوظ أكثر حتى بين الأقارب في العائلة الواحدة.

وقال الدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بمنطقة الشرق الأوسط إنه في ظل اقتراب شهر رمضان وعيد الفصح، هناك خطر حدوث زيادات في الإصابات في المنطقة، مثلما كان الحال في العام الماضي خلال العطلات. وتابع في مؤتمر عبر الإنترنت “إننا ندرك أن هذه مناسبات مهمة تستحق الاحتفال بها”، مشيرا إلى أنه “يجب على الأشخاص أن يحموا أنفسهم”. وقال إن الوضع لا يتحسن والاتجاه الذي تسير فيه الكثير من الدول مقلق.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذّرت الأربعاء من التجمعات في الأماكن المغلقة خشية أن يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من الإصابات بكوفيد – 19. وقال بيان للمنظمة “من الأفضل أن يحيي الناس الاحتفالات الدينية مع الأشخاص الذين يعيشون معهم وتجنب لقاء أشخاص آخرين (…) خاصة إذا كانوا يشعرون بأعراض مرضية أو هم في حجر صحي”.

وحذر باحثون في السياسات والنظم الصحية من تخفيف إجراءات الحجر الصحي بمناسبة رمضان، مؤكدين أنه “يستحيل التراخي في رمضان فذلك من شأنه المساهمة في انتشار العدوى بشكل كبير”.

المائدة الأغلى تكلفة

Thumbnail

رغم أن أرفف العديد من المتاجر قد خلت من البضائع خلال العام الماضي، وقسّم أصحاب المتاجر البضائع بأنفسهم بين الزبائن، صار الناس حالياً أكثر اعتياداً على الجائحة ولم يعودوا يشترون البضائع بدافع الذعر، وهو ما يعني أن الوصول إلى المستلزمات سيكون أسهل مما كان عليه العام الماضي.

وفي المقابل تقول زينب (45 عاما) إنه لا ترتيبات خاصة لرمضان هذا العام، فزوجها خسر عمله قبل أشهر وهما يتدبران أمر العائلة بشق الأنفس خاصة أن لديهما طفلان. وتضيف زينب أن “كل شيء سيسير كالأيام العادية، لا مجال للتبذير، فلا نقود أصلا حتى نبذرها”.

وزينب ليست استثناء، إذ يواصل التونسي “على مضض” نسق حياته اليومي مضطرا إلى مجاراة “السيل الجارف” لارتفاع أسعار الخضر والغلال واللحوم التي تضاعفت خلال هذه الفترة التي تمثل ذروة الاستهلاك لدى غالبية التونسيين تزامنا مع اقتراب شهر رمضان الذي تكثر فيه عادة المصاريف الإضافية.

وقالت هناء وهي ربة بيت أتت للتسوق من السوق المركزية في العاصمة التونسية وللتزوّد لأيام شهر رمضان الأولى، بتذمر، إنه بالمقارنة مع العام الماضي “كل شيء ازداد ثمنه”.

وتضيف “الطبقة المتوسطة تستدين، وحتى أنا رغم ما أملك من إمكانيات، هناك أشياء توقفت عن شرائها منذ مدة”.

ولا يختص الغلاء تونس فقط، إذ يشتكي أغلب الناس على امتداد الدول العربية من الغلاء وارتفاع الأسعار.

الشعائر الدينية تعد من مناحي الحياة الأكثر تأثرا بانتشار فايروس كورونا الذي يفرض عليها قيود متغيرة يوما بعد يوم

وفي العاصمة المصرية القاهرة تشتكي فاطمة قائلة “ياميش رمضان نزل، لكنه غال جدا، ماذا سنفعل؟”.

والملفت أنه بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسبب فيها فايروس كورونا، إلا أن هذه المنتجات تجد إقبالا كبيرا في الأسواق رغم الغلاء.

وتقول وفاء وهي ربة منزل لبنانية وأم لأربعة أولاد، إنها طلبت من أولادها للمرة الأولى منذ بداية الأزمة الاقتصادية أن يقتطعوا جزءا من رواتبهم المتواضعة للمساهمة في مصروف البيت (المأكل وفواتير الكهرباء والغاز والمياه) بدءا من هذا الشهر الذي يتزامن مع بدء شهر رمضان المبارك كي يتمكنوا من الاستمرار. وتؤكد أن “صحن الفتوش وحده من المفروض أن يكلفني نحو 30 ألف ليرة يوميا”.

وباتت لوازم رمضان الأساسية التي لا تخلو أيّ سفرة إفطار منها باهظة للبعض، والبعض الآخر لن يكون قادراً على شرائها. ورغم أنّه يمكن الاستغناء عن معظمها، لكنّها تعود إلى عادات الإفطار المتوارَثة.

ويقول مدير في أحد فروع المحلات “جرت العادة أن يتهافت الناس على أبواب شهر رمضان لتموين موادّ غذائية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشهر الصيام. إلّا أنّ المشهد هذا العام مختلف، والحركة غير معتادة وخفيفة بالنظر إلى غلاء الأسعار وتراجع قدرة الناس الشرائية”.

وفي الجزائر يتوقع الكثير من المواطنين والمختصين في مجال الطبخ والتسوق أن تكون مائدة الإفطار لشهر رمضان 2021 الأغلى تكلفة مقارنة بالسنوات الماضية وذلك بسبب الارتفاع الفاحش والمتواصل لأسعار جميع المواد ذات الاستهلاك الواسع والمطلوبة بكثرة خلال شهر الصيام.

في المقابل يرى أخصائيو التغذية أن الأمر مناسبة لاكتساب عادات غذائية جيدة وجديدة خاصة في ما يخص التخلص من إهدار الطعام.

وأوضحت دراسة نشرتها وحدة المعلومات في مجلة “إيكونوميست” البريطانية أن إهدار الطعام للفرد الواحد سنويًا في دول عربية يُعادل ثلاثة أضعاف المتوسط في أوروبا وأميركا الشمالية. وقد يُرجِع البعض ذلك إلى تقاليد الضيافة، فحتى “العشاء الخفيف” في القاهرة أو بيروت يترك الضيوف في حالة تخمة، وفقًا للمجلة.

وتزداد هذه المُشكلة سوءًا خلال رمضان حيث أشارت الدراسة إلى أن 53 في المئة فقط من الطعام الذي يُقدم في موائد الإفطار يُؤكل.

تعبّد عن بعد

التكيف مع العادات الاجتماعية وسط الجائحة
التكيف مع العادات الاجتماعية وسط الجائحة

ونظراً لتسبب الوباء في فقدان الوظائف وتأثيره على الأعمال التجارية على مستوى العالم، شعر الكثيرون بالعبء الاقتصادي، لكن على عكس التوقعات قد يشهد الإنفاق الخيري من زكاة وصدقات زيادة كبيرة هذا العام، حيث يشعر المسلمون بالحافز لمساعدة الآخرين من حولهم في الأوقات الصعبة وفي العام الماضي تحدثت بعض المؤسسات الخيرية عن زيادة في حجم التبرعات رغم المخاوف من انخفاضها أثناء الجائحة.

وعلى امتداد شهر رمضان يشارك الكثيرون في العمل التطوعي كوسيلة للمساعدة في التخفيف من حدة الفقر في المجتمعات، وتمتد تلك الجهود من جمع أكياس الطعام إلى تقديم المساعدات لأولئك الذين يعيشون في مناطق الصراع والكوارث، لكن هذا العام قد تؤثر القيود المفروضة على السفر والتنقل وتقديم المساعدات على العائلات التي تعتمد على الجهود الخيرية.

وفي بعض البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية أو حروب مثل سوريا ولبنان واليمن، غالباً ما يكون شهر رمضان المناسبة الوحيدة في العام التي تأكل فيها بعض العائلات اللحوم.

وتعد الشعائر الدينية من مناحي الحياة الأكثر تأثرا بانتشار العدوى التي تفرض عليها قيود متغيرة يوما بعد يوم.

وقبل الجائحة كانت المساجد والجمعيات الخيرية والأفراد يقيمون “الخيام الرمضانية” التي يجتمع فيها المسلمون ويتناولون الإفطار معاً. وكانت تلك الفعاليات تعني أيضاً أن أولئك الأقل حظاً يمكنهم تناول الطعام دون مقابل في “موائد الرحمن”. وفي رمضان 2021 من المرجح أن تُلغى تلك الفعاليات مرة أخرى، ما قد يؤثر على أولئك الذين يجدون صعوبة في توفير وجبة الإفطار.

شهر رمضان أحد أكثر الأشهر التي يزداد فيها إنفاق الأسر على الأطعمة والمنتجات من خلال التردد على الأسواق الشعبية والمحلات

يذكر أن الدول العربية قد أعلنت بالفعل عن حظر موائد الرحمن هذا العام من أجل وقف انتشار الفايروس.

وعادة ما تمتلئ المساجد بالمصلين مساءً لأداء صلاة التراويح، ولكن هذا العام لا تزال بعض المساجد في الشرق الأوسط مغلقة، بينما يفتح بعضها أبوابه مع الالتزام بالقيود والإرشادات المعمول بها للسيطرة على انتشار العدوى.

وقد أعلنت السلطات في المسجد النبوي بالمملكة العربية السعودية أن العدد الإجمالي للمصلين في رمضان بالمسجد لن يتخطى 60 ألفاً في وقت واحد، مع الالتزام الإجباري بالتباعد الجسدي. وجدير بالذكر أن طاقة استيعاب المسجد تبلغ 350 ألف مصلٍّ.

وأعلنت السعودية هذا العام أنه يلزم تحصين جميع المعتمرين الراغبين في أداء مناسك العمرة ضد فايروس كوفيد – 19 بدءاً من شهر رمضان.

ولن تتوفر مبردات مياه زمزم في مكة، بل ستتوفر مياه زمزم المعبأة كبديل، كما يُحظر مشاركة وتوزيع الطعام داخل المسجد، كما مُنعت المطاعم من توزيع وجبات الإفطار داخل أو أمام مبانيها.

أما في مصر فقد بدأت المساجد الاستعدادات قبل أسابيع من بدء شهر رمضان. وسيسمح بإجراء صلاة التراويح في بعض المساجد مع تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي. ويذكر أن وزارة الأوقاف قد قدمت إرشادات للمسؤولين لضمان أداء الصلاة بأمان، وسيتم بث الصلاة من بعض المساجد على الهواء مباشرة، كي يتمكن الناس من متابعتها في المنازل. وستُبث كذلك المحاضرات والخطب الدينية عبر الإنترنت ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي.

ارتفاع فاحش للأسعار
ارتفاع فاحش للأسعار

 

 
20