عين على السلام وأخرى على الحرب في مفاوضات سد النهضة

القاهرة- تنعقد جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي في كينشاسا، برعاية الكونغو الديمقراطية التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، في ظل أجواء متوترة بين الدول المعنية مصر والسودان وإثيوبيا.
وتبدو المفاوضات مفتوحة على احتمالي النجاح وتصويب المسارات المتعثرة بين الدول الثلاث، أو إعطاء مشروعية لعمل عسكري عقب تحذيرات مصرية من مغبة استمرار إثيوبيا في غطرستها في إدارة أزمة سد النهضة.
ودخل وزراء الخارجية والري بالدول الثلاث في اجتماعات، الأحد، على أمل نزع فتيل التوتر، والتهميد لعقد قمة في ختامها الثلاثاء، على مستوى الرؤساء، برعاية رئيس الكونغو الديمقراطية، قد تتمخض عن أجندة أكثر وضوحا للتفاوض، وترجيء الملء الثاني للسد في يوليو المقبل.
وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الجلوس بحد ذاته لا يعني شيئا، فقد جرت جولات على مدار عشر سنوات بلا فائدة حقيقية، وما لم تخرج هذه الجولة بنتيجة ملموسة ستكون الخطوة التالية مفتوحة على كل الخيارات، بما فيها اللجوء للخشونة.
ولم تحدد المصادر طبيعة الخيارات أو نوعية الخشونة، حال الفشل، غير مستبعدة الإقدام على عمل عسكري عاجل، استنادا إلى تلميحات الرئيس عبدالفتاح السيسي الأسبوع الماضي عندما اعتبر “المساس بقطرة مياه من حق بلاده خط أحمر”.
وقالت مصادر أخرى لـ”العرب” إن القاهرة ليست لديها ثقة في أديس أبابا، بعد أن تأكد أن عملية إدارة السد من قبل حكومتها سياسية، وهو ما يتم العمل على تفريغه من مضامينه تدريجيا من خلال كشف الكثير من الحقائق حول السد، وتفكيك الشبكة الخارجية التي توفر الدعم المالي والفني له.
ولا تزال القاهرة تراهن على تحركات قوى إقليمية ودولية للضغط على إثيوبيا، وهو ما دفعها إلى الدخول في جولة كينشاسا التي استغرق التحضير لها عدة أسابيع، وباتت الرؤية مكتملة لدى قيادة الكونغو الديمقراطية للنجاح، أو تحديد الطرف المتعنت بلا مواربة، وهو ما لم تقدم عليه دولة جنوب أفريقيا التي رعت جولات فاشلة من المفاوضات بين الدول الثلاث العام الماضي، وتتهم بانحيازها لإثيوبيا.
وأوضحت وكالة الأنباء السودانية (سونا) الأحد، أن السودان أكد قبيل الاجتماع الوزاري لمحادثات سد النهضة، “أن موقفه حاسم بشأن ضرورة تعديل وتحديد منهجية فعالة للوساطة، وعدم قبول الملء الأحادي المعلن من قبل إثيوبيا”.
وتوالت التصريحات الرسمية الإثيوبية التي تؤكد على إتمام الملء الثاني لخزان سد النهضة في موعده، بطاقة تستوعب 13.5 مليار متر مكعب، دون اعتبار للتحذيرات المصرية والاعتراضات السوادنية، والمخاوف الإقليمية من زيادة الصراعات.
وعقد خبراء الدول الثلاث والاتحاد الأفريقي السبت لقاءات تمهيدية لاجتماع وزراء الخارجية والري لبحث التوصل إلى اتفاق على قواعد بناء وملء السد، ولم ترشح معلومات تؤكد أو تنفي النجاح في التوصل لتفاهمات إيجابية.
ويرعى الاتحاد الأفريقي هذه الجولة، بتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واهتمام ملحوظ من قبل الأمم المتحدة، وهي الجهات الأربع التي اقترحها السودان لرعاية المفاوضات، ورحبت بها مصر، بينما رفضتها إثيوبيا.
وقام المبعوثان الأميركي دونالد بوث، والأوروبي روبرت فاندول، بجولة مؤخرا في المنطقة لإزالة العقبات والقبول بخارطة طريق لحل عقدة المفاوضات، من خلال آلية ناجعة تزيل مخاوف مصر والسودان من التأثيرات المحتملة لعملية الملء الثاني.
وأكد مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، هاني رسلان، أن المفاوضات الجديدة تمثل جلسة استكشافية مهمة، لأن مصر والسودان أعلنتا رغبتهما في تغيير منهجية التفاوض وتحويل المراقبين إلى وسطاء تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وهذا الاقتراح محل ترحيب من الرباعية الدولية.
وأضاف لـ”العرب” أن المعلومات المتوافرة تشير إلى إبلاغ السودان رسميا الاتحاد الأفريقي رفضه طريقة التفاوض السابقة، مع دلائل تعزز استمرار إثيوبيا في التعنت وعدم تقديم تنازلات حقيقية والتصميم على إبقاء النهر تحت سيطرتها منفردة.
وبات الموقف المستقبلي لمصر والسودان متمسكا بمشاركة الرباعية الدولية التي من المتوقع زيادة جهودها بعد جولة كينشاسا، ما لم تحدث مفاجآت، لأن الحل الأفريقي سيكون استنفذ أغراضه، وهو ما يدحض حجج أديس أبابا في التمسك به.

وقال رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن جولة كينشاسا انطلقت بعد حدوث متغيرات، أهمها تصريحات الرئيس السيسي شديدة القوة لإثيوبيا والمجتمع الدولي، وأكد فيها أن المياه خط أحمر، بجانب الحفاظ على التقارب العسكري والسياسي والفني بين القاهرة والخرطوم.
وأشار لـ”العرب” إلى أن إثيوبيا تواجه ضغوطا دولية في ملف حقوق الإنسان بسبب الأوضاع في إقليم تيغراي، وتحاول حكومتها توجيه تصريحات للداخل وليس الخارج تظهر عنادا وقوة، لضمان الالتفاف الشعبي حولها.
ولم يستبعد مراقبون أن تقوم إثيوبيا بتوقيع اتفاق عام بعيًدا عن النقاط الخلافية وتفاصيلها في ظل المقترح السوداني الخاص بتشكيل اللجنة الرباعية، والذي يلقى قبولاً من دول عديدة، وهو أمر لا تريده إثيوبيا التي يمكن أن تسعى إلى تحويل تلك اللجنة من وسيط إلى مراقب فقط، بغرض تفريغها من مضمونها الحقيقي.
ومن المتوقع أن ترفض مصر والسودان تحويل اللجنة إلى مراقب ينزع صلاحيتها السياسية والفنية، ويمكن الوصول إلى توصيف يؤكد أنها “لجنة استشارية” ووسيط محايد.
وإذا توالت الضغوط على أديس أبابا قد تضطر إلى وضع جدول زمني لعمل اللجان الفنية لاستنزاف المزيد من الوقت والخداع، ومحاولة انتزاع موافقة رسمية على الملء الثاني وإرجاء باقي النقاط لما بعده.
ورجح عباس شراقي، في حال فشل المفاوضات سيكون الخيار الأفضل لمصر والسودان معا تحويل الملف إلى مجلس الأمن الذي قد يحيله إلى محكمة العدل الدولية.
ويرى مراقبون أن هذا الخيار يمنح إثيوبيا فرصة لاستهلاك الوقت، وهو ما يتفق مع حسابات الملء الثاني الذي يمثل عبوره نجاحا كبيرا لأديس أبابا، حيث تنجح في فرض رؤيتها، وتصبح مصر أمام اختبار جدي لاستخدام القوة هذه المرة.