تخمة درامية تنتظر الجمهور الجزائري في الموسم الرمضاني

تنتظر الجمهور الجزائري خلال الموسم الرمضاني القادم تخمة درامية، والمرشح أن يمتد عرض بعض الأعمال الدرامية إلى أسابيع أخرى بعد انتهاء شهر الصيام، في ظل الوفرة غير المسبوقة للعروض على مختلف القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة. لكنّ الأنظار تتوجه إلى طبيعة المحتوى والنوعية باعتبار أنّ الكَم صنعه تراكم الأعمال التي تأجّلت الموسم السابق بسبب تداعيات جائحة كورونا.
الجزائر - دخلت شركات الإنتاج الفني والدرامي بالجزائر، في سباق مع الزمن من أجل الوفاء بتسليم أعمالها في الموعد المحدد، والالتزام بالعقود المبرمة مع مختلف القنوات الحكومية والخاصة، حيث دخلت العديد من المسلسلات مرحلة التركيب أو تصوير المشاهد الأخيرة، أياما قليلة قبل حلول الموسم الدرامي الرمضاني.
ومع ذلك لا زالت إدارات تلك القنوات تتحفّظ عن الكشف على شبكاتها البرامجية لشهر رمضان، وعلى رأسها الأعمال الدرامية، وهو ما يجسّد حالة الترقب وإخفاء الأوراق إلى غاية اللحظات الأخيرة، في ظل المنافسة الشديدة بينها على استقطاب الجمهور والمعلنين، فالموسم فرصة للاستهلاك المتنوّع بما فيها الصورة البصرية.
تراكم كمي
يحضر في أجندة البرمجة الجزائرية لرمضان هذا العام كم غير مسبوق من الأعمال الدرامية التي تراكمت طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، فقد أخلط الحراك الشعبي خلال العام 2019، أوراق الناشطين في المجال الدرامي، سواء من ناحية الرؤية السياسية ومخارج الأحداث، أو ارتفاع سقف الحرية آنذاك في البلاد الذي بدّد رسائل الأعمال الدرامية، حيث قال نقاد حينها بأن “الحراك قال كل شيء، فلماذا ننتظر عملا دراميا لتلقي رسالة سياسية محتشمة”.
غير أن غموض الرؤية ومخارج الحراك الشعبي إلى حد الآن، أبقى الظلال مخيمة على بعض الأفكار التي حاولت مواكبة التطوّرات السياسية وتقديم خدمة مهادنة للسلطة عبر
بعض الأعمال الدرامية، على غرار مسلسل “المنجل” الذي عالج ظاهرة الحرب على الفساد برؤية درامية، تماشيا مع توجهات واحد من أجنحة السلطة، التي روّجت في وقت سابق لمصطلح “المنجل”، وهو آلة تقليدية حادة يستعملها الفلاحون والقرويون في قص الكلأ، كناية عن قص رؤوس الفساد.
لكن، وفي المقابل يتطلع الجمهور إلى محتوى بعض الأعمال التي حملت رسائل مناوئة للسلطة، في ظل الضغط والتوجيه للرأي العام بمختلف الوسائل الإعلامية وحتى الدرامية منها، لاسيما وأن هناك أطرافا تتحدّث عن تدخل يد السلطة في صياغة سيناريو “عاشور العاشر” في جزئه الثالث، وكذلك “بابور اللوح” الذي يعالج ظاهرة الهجرة السرية “الحرقة”.
وأمام الكم غير المعهود من الأعمال المهيأة للعرض خلال الموسم الرمضاني القادم، فإن أنظار الجمهور والنقاد تتطلّع إلى محتوى تلك الأعمال في الشكل والمضمون، خاصة الأعمال التي أثارت الكثير من الجدل، كمسلسل “تلك الأيام” الذي أنتجته قناة “الشروق” الخاصة، لعرضه في موسم 2018، إلاّ أن مؤامرة بإدارة من نظام بوتفليقة حالت دون عرض المسلسل، الذي راهنت عليه حينها إدارة القناة إلى جانب مسلسل “الرايس قورصو”، لإحداث طفرة نوعية، لكن تعطيل الأول، والتلاعب بالثاني، أجّل رؤية الدراما الجزائرية بشكل جديد، خاصة بعد دخول كل من الأتراك والتونسيين على خط الشراكة والتعاون.
وهناك العديد من الأجزاء أو الأعمال الجديدة تتهيّأ للعرض أمام الجمهور الجزائري، الذي يتوق لمتابعة أعمال تعيد التوازن ولو نسبيا مع الدراما العربية والتركية التي استقطبت قطاعا عريضا من الجزائريين على مر المواسم الدرامية الماضية، على غرار الجزء الثاني من مسلسل “مشاعر”، الذي يؤدّي فيه دور البطولة الفنان حسان كشاش، وأيضا الجزء الثاني أيضا لمسلسل “يمّا” (أمي)، فضلا عن “النفق” و”فاقد الشيء”، و”بنت البلاد” الذي يعالج حياة الفنانة فضيلة الدزيرية (الجزائرية).
واللافت أن تعاونا فنيا ودراميا قطع أشواطا كبيرة بين الجزائر وتونس، وبدرجة أقل مع السوريين والأتراك، وتتحدّث بعض الإحصائيات عن تواجد تونسي في السوق الفنية الجزائرية يقدّر بنحو 250 فنيا وتقنيا في مختلف التخصّصات الفنية، إلى جانب احتضانها لعدة أعمال أنجزت في أستوديوهاتها كـ“مشاعر” و“عاشور العاشر”.
وإذ كانت الأزمة الاقتصادية والأوضاع السياسية غير المستقرة في البلاد، قد أضرت بوتيرة الإنتاج خلال السنوات الأخيرة، إلاّ أن دخول القنوات الخاصة على خط المنافسة منذ العام 2011، فرض عليها الاجتهاد في كسب ودّ الجمهور بأعمال ووجوه ونجوم بارزة محليا وإقليميا خاصة التونسيين، الأمر الذي خلق حالة من التخمة في انتظار النوعية والمحتوى.
جوع فني

وصف الإعلامي والناقد محمد عبيدو، في اتصال لـ“العرب” ظاهرة تراكم الأعمال الدرامية، بـأنها ناجمة عن حالة “الجوع الفني”، وبرّر ذلك بالقول بأنه “بعد توقف طويل بسبب جائحة كورونا التي نسفت مسار عدد من الإنتاجات الرمضانية في التلفزيونات الجزائرية، نشهد تراكم إنتاجات موسمين دراميين بعام واحد، وثمانية مسلسلات وهو رقم متواضع مقارنة بعدد القنوات التلفزيونية الجزائرية، وبعدد الإنتاجات في دول عربية أخرى، خاصة وأن شهر رمضان تحوّل إلى موسم درامي بامتياز يشجّع على الاستهلاك الفني، كما يتم استهلاك الحلويات التقليدية”.
وأضاف بأن “القنوات التلفزيونية الجزائرية التي انسحب المشاهد الجزائري من متابعتها نتيجة خواء وبؤس معظم برامجها التي تعتمد على الإثارة المجانية أو الخطابات والحوارات السياسية، يبدو أنها شعرت بهذه الهوة التي تفصلها عن المشاهد، وتحاول أن تعوّض بإعلانها عن مسلسلات درامية في شكل جذاب ودعائي”.
وتابع المتحدث “بعد تجربة فاشلة لتصوير مسلسل ‘الرايس قورصو’ في تركيا قبل سنوات، توجه عدد من القنوات التلفزيونية إلى التصوير والقيام بالعمليات الفنية بتونس لعدد من الأعمال الدرامية، والاستعانة بمخرجين وتقنيين من خارج البلاد، كما هو الأمر في مسلسل ‘مشاعر 2’ الذي انتهى تصوير جزئه الثاني قبل أيام، وهي حلول وإن كانت تُساعد العمل في جوانب معينة، فإني أراها غير صحية من ناحية انعكاس منفعتها على العاملين بقطاعات الدراما الجزائرية، الذين سيفتقرون إلى غنى التجارب وتنوّعها وسيعيش بعضهم البطالة”.
وفي تلميح إلى نوعية ومحتوى الأعمال المنتظرة، تساءل عبيدو “عن قدرة تلك الأعمال على منافسة الدراما المصرية والسورية لجذب المشاهد الجزائري لشاشاتها؟ وهل يمكن أن نشهد عملا إبداعيا بجماليات عالية مثل مسلسل ‘الحريق’ الذي مضى على عرضه نصف قرن، ولكن لم تؤسّس تجربته المهمة لتراكم في المشهد الدرامي المحلي؟”.