بعد نجاح "لوبين".. نتفليكس تعزز ترسانتها من المسلسلات الفرنسية

يبدو أن النجاح الجماهيري غير المسبوق لمسلسل “لوبين” الذي عرضته نتفليكس مع بداية العام الجاري حفّز القائمين على المنصة الأميركية العملاقة للاستثمار أكثر في إنتاج وعرض مسلسلات وأفلام تستند حكاياتها على الثقافة الفرنسية المغرية للجماهير العالمية.
باريس - قرّرت مجموعة نتفليكس الأميركية العملاقة في مجال الفيديو بالبث التدفقي تعزيز إنتاجاتها الفرنسية مع إطلاق حوالي ثلاثين مشروعا أصليا فرنسيا في 2021، بينها مسلسل وثائقي عن جوني هاليداي وآخر روائي عن حريق كاتدرائية نوتردام.
وعقب افتتاح مكاتبها في باريس العام الماضي بعد ست سنوات على إطلاقها في فرنسا، أكّدت نتفليكس تسريع وتيرة إنتاجها للأعمال الفرنسية من خلال ترسيخ تجذّرها الإبداعي والثقافي في فرنسا. وخلال العام الجاري تعتزم المنصة إنتاج أو عرض 27 فيلما وعملا وثائقيا.
وقالت المديرة الإعلامية للشبكة في فرنسا آن غابرييل دوبا بانتانس “مشتركونا يريدون قبل أي شيء قصصا يجدون أنفسهم فيها”.
وهذا التوجّه نحو تجذير الثقافة الفرنسية في المُشاهد حقّقه في وقت سابق المسلسل الأميركي “إميلي في باريس”، وهو من الأعمال الأصلية لشبكة نتفليكس، الذي صدر موسمه الأول المكوّن من عشر حلقات في أكتوبر 2020، وأخرجه أندرو فليمينغ، وأسندت بطولته إلى كل من ليلي كولينز وكات والش ولوكاس برافو وآشلي بارك وفيليبين لوروا بوليو.
وتتمحور قصة العمل الذي يجمع بين الكوميديا والرومانسية حول شابة عشرينية أميركية يتم اختيارها في آخر لحظة للانتقال إلى باريس، بدلا من رئيستها التي اكتشفت حملها لتوها، وذلك من أجل العمل في فرع جديد اشترته شركة الإعلان التي تعمل لديها. على أن تكون مهمتها تعريف العاملين بالمقر الفرنسي على المنظور الأميركي اللازم للتسويق، والذي سيضمن لهم الوصول لقطاع أكبر من الجمهور وبالتالي الزبائن.
وقد حظي المسلسل بمتابعة عالية في الدول العربية والغربية، وذلك كون قصته تدور في العاصمة الفرنسية، مع خلفية من المناظر الطبيعية الخلابة والكثير من الأزياء الجميلة والمميزة وصور جميلة وجذابة لأشهر معالم باريس الثقافية والحضارية.
ويضمّ برنامج أعمال نتفليكس الفرنسية في 2021 مسلسلا يحمل عنوان “لا بار أو فو” يُعيد تصوير ليلة الحريق في كاتدرائية نوتردام في باريس.
والعمل يستعرض قصة اندلاع الحريق في الكاتدرائية القوطية التي شيّدت بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر مع حبكات درامية ثانوية فيها الحب والهلع والصدمة من آثار الحريق الذي أدّى إلى انهيار برج الكاتدرائية الأوسط الذي يبلغ ارتفاعه 93 مترا، خاصة وأن الكاتدرائية تضم مجموعة نادرة من الأعمال الفنية والتحف الدينية، وهي مُدرجة منذ العام 1991 كجزء من موقع “التراث العالمي لليونسكو في باريس”.
كما تضم الأعمال الأصلية للمنصة عملا وثائقيا يتناول قصة مغني الروك الراحل جوني هاليداي (1943 – 2017). وهو عمل سيتناول سيرة ومسيرة أشهر مغني روك فرنسي في القرن الماضي والأكثر إنتاجا، حيث سجّلت مبيعات ألبوماته أكثر من مئة مليون أسطوانة، وسجّل أكثر من ألف أغنية منها أكثر من مئة قام بتلحينها بنفسه، وحصل أربعون مرة على “القرص الذهبي”، واثنا وعشرون مرة على “قرص البلاتين”، وتابع حفلاته أكثر من ثمانية وعشرين مليون شخص في 180 جولة غنائية.
وتوفي هوليداي من سرطان الرئة في 6 ديسمبر 2017 في سن الـ74، وهو الذي أشاد به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في جنازة وطنية، قائلا “تجاوز الأجيال، ومحفورا في ذكرى كل فرنسي”، فيما قال رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز ميشيل “لدينا جميعا واحدة على الأقل من أغانيه التي جاءت إلى ذهننا هذا الصباح، وقد ترك لنا أغاني ستعيش على مدى أجيال قادمة، وسوف تكون موسيقاه وشخصيته إلى الأبد في ذكرياتنا”.
أما على صعيد السينما، فتعوّل نتفليكس على أفلام الحركة والكوميديا الجماهيرية، مع ثلاثة أعمال جديدة مقرّر عرضها في 2022.
وتضم مشاريع نتفليكس السينمائية الفرنسية عملا كوميديا لآني بون عن الحجر المنزلي، وفيلم حركة مع جان كلود فان دام.
المنصة العالمية تعزز إنتاجاتها الفرنسية بحوالي ثلاثين مشروعا أصليا، بينها مسلسل وثائقي عن فنان الروك جوني هاليداي
وما من شك أن هذا الاستثمار المتزايد للمنصة العالمية في الإنتاج الفرنسي أتى نتيجة لنجاح مسلسل “لوبين” عند عرضه في يناير الماضي، والذي حقّق نسب مشاهدة غير مسبوقة عبر نتفليكس، إذ تابعه حوالي سبعين مليون أسرة في العالم، في مستوى قياسي للمسلسلات الفرنسية.
وتخطّى “لوبين” بذلك “مناورة الملكة”، أحد أنجح المسلسلات في تاريخ المنصة والذي وصل عدد مشاهديه إلى 62 مليون شخص عبر نتفليكس.
وقد احتل المسلسل المؤلف من عشر حلقات من إنتاج شركة “غومون” المركز الأول على نتفليكس في حوالي عشرة بلدان، بينها: البرازيل وفيتنام والأرجنتين وإسبانيا.
وفي مؤشر إلى حجم الظاهرة، تصدّر كتاب المؤلف الفرنسي موريس لوبلان عن مغامرات “اللص الظريف” أرسين لوبين الذي اقتُبس منه المسلسل قائمة الإصدارات الأكثر مبيعا عبر شبكة “أمازون” بفرعها الفرنسي.
وأرسينيو لوبين (أرسين لوبين) هو لص نبيل، ظهرت شخصيته لأول مرة عام 1905 في روايات بوليسية للكاتب الفرنسي موريس لوبلان.
ونجحت الشخصية في الوصول إلى الأفلام والتلفزيون والمسرح، وحافظت على نجاحها عبر الزمن، إلى أن أصبح لوبين من كلاسيكيات الأدب البوليسي.
واستوحت نتفليكس قصة المسلسل من هذه الشخصية، ومنحت لوبين مظهرا معاصرا وممتعا، وأدخلت بعض التعديلات في تفاصيل الشخصية، منها لعب الممثل الرئيسي عمر سي شخصية باريسي أنيق يدعى أساني ديوب، ابن مهاجر سنغالي، ويعشق شخصية اللص أرسين لوبين.
والمعروف أن لوبين يستهدف الأغنياء ممّن جنوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة سواء قانونيا أو أخلاقيا، وبفضل هذا المبدأ لاقت شخصيته إعجاب الفقراء.
ورغم تركيز المسلسل على جرعة الأكشن الترفيهية، إلاّ أنه يحمل رسالة سياسية واضحة، نابعة من شخصية لوبين ذاته، الذي يمنح الضعفاء والمهمشين صوتا للتعبير عن أنفسهم بعد أن تجاهلهم المجتمع والسلطة.