"عاشور العاشر" يعود في رمضان بتغييرات مُربكة

هل تنازل المسلسل الجزائري عن رسائله السياسية المزعجة للسلطة؟
الثلاثاء 2021/03/23
إسقاطات تاريخية تعالج القضايا السياسية الراهنة

فرضت شركة إنتاج الجزء الثالث من مسلسل "عاشور العاشر"، تعتيما كبيرا على تفاصيل وهوية العمل الدرامي الذي ينتظره الجزائريون بشغف كبير، بعدما حقّق نجاحا باهرا خلال الطبعتين السابقتين، وتحوّله إلى مرجعية فنية في معالجة القضايا السياسية واستشراف تطوّرات المجتمع. لاسيما بعد اندلاع أحداث الحراك الشعبي في البلاد منذ عامين، وذهب البعض إلى اعتبار أن المسلسل كان من ضمن أعواد الثقاب التي ألهبت الشارع الجزائري منذ فبراير 2019.

الجزائر - يلفّ غموض كبير عملية إنتاج وتصوير الجزء الثالث من المسلسل الجزائري “عاشور العاشر”، بعد غيابه خلال الموسم الرمضاني الماضي، وانسحاب بطله الممثل صالح أوقروت (صويلح) من دور عاشور، ويتعمّد الممثلون وفريق الإنتاج التكتم على التفاصيل الجديدة، طبقا لتعليمات يكونون قد تلقوها في هذا السياق.

ورفض المخرج جعفر قاسم، الإفصاح عن تطوّرات المسلسل أو محتوى السيناريو، في مختلف التصريحات التي أدلى بها لوسائل الإعلام، كما رفضت بطلته الممثلة ياسمين عماري، الكشف عن أي تفصيل جديد، الأمر الذي زاد من حدة الغموض حول الجزء المذكور من المسلسل المثير للجدل.

رقابة مشدّدة

جعفر قاسم: العمل سيحمل الكثير من المفاجآت، بانضمام وجوه فنية جديدة
جعفر قاسم: العمل سيحمل الكثير من المفاجآت، بانضمام وجوه فنية جديدة

ذهبت مصادر فنية إلى أن المخرج لم يسلّم أي نسخة من السيناريو لأي فنان، وأنه فرض نمطا آنيا لعمله مع الممثلين، حيث يغلب طابع التلقين الشفهي على الأداء، وذلك لأسباب ما زالت مجهولة لحد الآن، قد يكون من ضمنها الاحتفاظ بالسرية والحصرية إلى غاية تجهيز العمل تماما، خاصة وأن جميع الأنظار تتوجّه إليه بعدما اكتسب شهرة ومصداقية لدى جمهور الدراما الرمضانية.

إلا أن الصدى السياسي الذي خلفته الطبعتان السابقتان، والقدرة على تعبئة الشارع واستشراف الأحداث في “المملكة العاشورية”، يكون قد حرّك الدوائر الفنية والدعائية في السلطة، لتفادي أي لغم درامي جديد، لاسيما وأن البلاد تعيش على وقع أزمة سياسية منذ أكثر من عامين، وأي تلميح أو إسقاط أو رسالة من المسلسل قد تفاقم العبء على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.

ولا يستبعد أن يكون التعتيم المضروب على إنتاج وتصوير الطبعة الثالثة من المسلسل، بسبب سهر عيون السلطة على المحتوى الدرامي وعلى الرسائل التي يوجهها، وإذا تحقّق ذلك فيكون “عاشور العاشر” أول عمل درامي جزائري خضع لرقابة مبكرة ومباشرة من قبل السلطة.

ويبدو أن استغناء المخرج جعفر قاسم، عن الفنان أوقرت في دور البطولة سيكون أول تحدّ أمام الطبعة الثالثة من المسلسل، ولو أنه استعان بفنان لا يقل قدرة وكفاءة في الأداء الكوميدي، ويتعلق الأمر بالممثل الجزائري المقيم في كندا حكيم زلوم، فضلا عن استقدام وجوه جديدة كمصطفى هيمون ومروان قروابي.

وإذ سبق لأوقروت وزلوم العمل المشترك في سلسلة “جمعي فاميلي”، حيث تم التركيز على الجانب الكوميدي الهادف، فإن كشف المخرج عن أجزاء درامية في العمل الجديد، سيكون أول امتحان أمام زلوم، وأول تحدّ له لتصدر المشهد وحلافة أوقروت، في دور عاشور العاشر، بعد أن اكتسب شعبية جارفة وحقّق نجاحا باهرا في تأديته، فصار بذلك سقف المنافسة عاليا ومخيفا في نفس الوقت على مصير الجزء الثالث برمته.

وجرى تصوير العمل الدرامي في المدينة السينمائية الجديدة في ضاحية العاشور بالعاصمة الجزائر، بعد ضياع فرصة التصوير في أستوديوهات طارق بن عمار في تونس، إثر تعاقد الشركة مع منتج خليجي لثلاث سنوات متتالية، وعدم الحصول على التراخيص اللازمة للتصوير في المغرب، ولذلك جرت الاستعانة ببعض الديكورات الطبيعية والمرافق والتصاميم لتكون جزءا من العمل، إلى جانب المدينة السينمائية المذكورة.

انسحاب مفاجئ

بأي وجه سيظهر مسلسل "عاشور العاشر" في طبعته الثالثة بعد إزاحة رمزه الروحي الممثل صالح أوقروت
بأي وجه سيظهر مسلسل "عاشور العاشر" في طبعته الثالثة بعد إزاحة رمزه الروحي الممثل صالح أوقروت

بعد القطيعة المفاجئة بين البطل الطبيعي لـ”عاشور العاشر”، صالح أوقروت، ينتظر أن يطل الرجل على جمهوره خلال موسم رمضان القادم، عبر عمل درامي بعنوان “المحطة” للمخرج لطفي بوشوشي، ويكون قد قطع أشواطا كبيرة في مجال التصوير والتركيب تحسبا لعرضه في الموسم المذكور.

ونفى الرجل في تصريح للإذاعة الحكومية، أن تكون علاقته بالمخرج جعفر قاسم قد عرفت أي نوع من المشاكل، وقال إنها “تعود لنحو 18 عاما وليس لمسلسل عاشور العاشر فقط، فهو صديق وأخ، ولم يحدث أن صادفتنا أي مشاكل، بل بالعكس علاقتنا تميّزت دوما بالحب والاحترام، وقد جمعنا لقاء عملي مطوّل قدّم لي فيه الخطوط العريضة للجزء الثالث من المسلسل”.

وأضاف بشأن بداية الانفصال الفني بين الرجلين، بأنه “من خلال اطلاعي على الخطوط العريضة والأفكار الأساسية للمسلسل، لاحظت أن هناك نوعا من الخروج للطبعة الجديدة عن السياق الذي أنجزت فيه الطبعتان السابقتان، ولما لم أرتح للتوجه الجديد طلبت من قاسم، إيفادي بنص السيناريو من أجل تكوين فكرة دقيقة، وتقييم موقفي إذا كان سيكون بإمكاني المشاركة في المسلسل مجددا وتقديم الإضافة اللازمة، أو العكس وبالتالي الانسحاب، وعلى هذا تم الاتفاق، غير أنني لم أتلق أي سيناريو لحد الآن (الفارق بين الواقعة وبين التصريح ثلاثة أشهر)”.

وتابع “هذا التطوّر كوّن لي انطباعا بأن المخرج لا يريد أن أكون في الجزء الجديد، وأن التحويرات التي شهدتها شخصية عاشور العاشور، ظهرت لي أنها لا تتواءم مع ما ألفه الجمهور خلال الطبعتين السابقتين”، وهو ما يؤشّر إلى التغييرات المنتظرة في شكل ومضمون المسلسل المثير للجدل.

وشدّد أوقروت على أنه لا يمكن له مباشرة أي عمل دون قراءة السيناريو، وما دام السيناريو لم يصله فالرسالة واضحة ولا يمكن أن يكون في العمل المذكور، مع التمني بالتوفيق والنجاح لقاسم في مغامرته الجديدة.

وركّز المخرج على ما وصفه بـ”الإنجاز اللافت” في إشارة للمدينة السينمائية المصغّرة التي تحتضن 80 في المئة من تصوير المسلسل، فضلا عن توفير وتفصيل الديكور والألبسة التي ستكون ملكا للمدينة، كما أشاد بتعلق الجمهور بالمسلسل ما دفعه إلى إدراج بعض التغييرات على الجزء الثالث.

وذكر بشأن السيناريو الذي تحفّظ على تقديم أي لمحة عنه، واكتفى بالقول “الفكرة تبقى دائما خيالية وأنه سيكون على شكل مسلسل درامي كوميدي، وليس سلسلة حيث تدور كل حلقة على فكرة معينة كما تعوّد عليه المتابعون خلال الطبعتين السابقتين”.

ووعد قاسم، بأن الجزء الثالث سيحمل الكثير من المفاجآت، بانضمام وجوه فنية جديدة، وأفكار مستجدة، والاحتفاظ بالرسائل الاجتماعية والسياسية التي تعوّد عليها المشاهدون، فضلا عن الإيحاءات والإسقاطات المختلفة، مؤكّدا “لأنه ليس لدينا أي اعتراض من أي جهة كما قد يروّج له”.

16