أياد فلسطينية ناعمة تصنع من بقايا الخشب تحفا وأثاثا

المشروع يشكل فكرة إسناد النساء ذاتيا، حيث يطورن أنفسهن كل يوم ويكتسبن خبرات جديدة في الحياة.
السبت 2021/03/20
مهنة الرجال بأياد نسائية

بيت لحم (الضفة الغربية) – كخلية نحل تعمل سبعُ سيدات فلسطينيات في إنتاج وبيع أثاث الحدائق المنزلية، وتشكيل قطع فنية، من خلال إعادة تدوير الأخشاب والأغراض المستعملة.

بدأ مشروعهن حينما فكرن في تزيين حدائق بيوتهن من خلال إعادة تدوير الخشب المستعمل واستثماره في صنع المقاعد والتحف الفنية.

وبعد النجاح في مجال تأثيث الحدائق فكرن في افتتاح مشغل للمشغولات الخشبية، فالتحقن بدورات تدريبية للتكوّن في استخدام الآلات الحديثة مع مؤسسة “كورف ويسترو” الألمانية لمدة سنتين والتي أمّنت لهن توفير الآلات اللازمة لتحقيق رغبتهن في نجاح مشروعهن.

قالت مديرة نادي الولجة سامية سلامات وهي إحدى النساء العاملات في المشغل، “إن النساء أتقن عملهن بعد التدرّب على الآلات الثقيلة، وانتقلن إلى مناطق أخرى لنقل تجربتهن، من بيع التحف وصنع أثاث الحدائق المنزلية، وعندها قمن بإنشاء المشغل وجلب معدات أكبر وأكثر لتوسيع نطاق العمل وزيادة أعداد النساء العاملات، كما شاركن في معارض بالقدس ورام الله وبيت لحم”.

وأكدت أن البداية كانت صعبة حيث لاقت السيدات انتقادات وبعض الاستهزاء بما ينجزنه من قبل المجتمع المحلي، لكنها لم تخفِ فرحتها حينما أبهر عملهن الجميع، وبتن محل تشجيع الكثيرين على ما قمن به.

وفي خضم عملهنّ بمشغل “الرويسات” النسويّ الواقع فوق أحد المنازل بقرية الولجة، التابعة لمحافظة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، ترى ذوات الأيادي الناعمة، أنهن استطعن بعملهن كسر المألوف، بعد خوض غمار مهنة شاقّة سعيا إلى تحقيق هامش ربح وإن كان بسيطا.

تقول إحدى أولئك السيدات، وهي سامية الأعرج (42 عاما)، إن مهنتها ليست سهلة على الإطلاق، بل هي محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت فكرة تراودها ونجحت في تحويلها إلى واقع عملي.

وبجهد شخصي، تجلب سيدات مشغل الرويسات كميات الأخشاب من المحال التجارية، في حين يتبرع بعض أرباب العمل في القرية بتوفير كميات أخرى، كمساهمة منهم في دعم المشروع.

وبينما تعمل في تفكيك خشب المصاطب، وإعادة تدويره، تقول الأعرج “عادة ما تختص الأندية النسوية بمهنٍ تناسب طبيعتهن، كتطريز الأقمشة والتصنيع الغذائي، إلا أننا قررنا تحقيق التميّز بخوض تجربة فريدة، واقتحام مهن الرجال”.

وحول تلك الجدليّة، تضيف “نحن من نُقيّم أنفسنا وإمكاناتنا، فكل سيدة يمكنها أن تمتهن أي حرفة في حال توفّرت الإرادة لذلك، بل وستُبدع أيضا في عملها”.

رررر

والأعرج هي سيدة منزل حاصلة على شهادة جامعية في تخصص الرياضة، غير أنها قررت العمل في ذلك المشغل، وترى فيه “نافذة نحو آفاق جديدة”.

وتتابع “بجهود ذاتية، بدأنا عملنا قبل عامين، وقد قوبلنا باستغراب ممّن حولنا، وتساؤلاتٍ حول إمكانية تحقيق النجاح، كما أحاطت بنا المخاوف من استخدام آلات كهربائية خطيرة، وطالما كنت أتساءل بيني وبين نفسي: هل يمكننا أن نفعل ذلك؟”.

وتوضح “لكننا تغلبنا على كل تلك التحديات، وحوّلنا المُهدّدات إلى فرصة للنجاح.. فباتت تلك الآلات الخطيرة جزءا منا”. وتضيف “لقد تلقينا دعما ومساندة من عوائلنا.. وتكونت علاقة أُلفة بيننا وبين عملنا”.

ويحظى المشغل بدعم جزئي من مؤسسة “كولاف” الألمانية، التي تُعنى بمساعدة المشاريع الصغيرة في عدد من الدول، وخاصة التي تديرها السيدات.

ترى أولئك النسوة أن المشغل – المقام فوق منزل إحداهُنّ – يُمثّل فرصة ثمينة، ولذلك عملن على تطويره ليُشكل مصدر رزق مُستقر لعوائلهن.

وإلى جانب الأعرج، تعمل سيدات غالبيتهن يحملن شهادات جامعية، ولم يحظَين بفرصة عمل بعد. وتلقّت الأعرج ورفيقاتها دورة تدريبية في إعادة تدوير الخشب، واكتسبن خبرة في هذا المجال.

وتعمَد سيدات المشغل إلى نشر الفكرة بين أكبر عدد من النساء، وقد شرعن فعلا بتدريب فتيات من عدة مدن بالضفة بالغربية، كبيت لحم والخليل والقدس.

وحول القطع التي يُنتجها المشغل، تقول “نُنتج أثاثا خشبيا خاصا بالحدائق المنزلية، وتُحفا فنية تُستخدم للزينة في المنازل والمكاتب والمنشآت”.

وأضافت أن أحب المشغولات الخشبية إلى قلوبهن “المندلة” وهي عبارة عن قطع خشبية صغيرة حيث “نصمم الرسمة ونقص القطع الخشبية بحسبها ونلصقها وندهنها بمادة لإغلاق الفراغات بين القطع الصغيرة ومن ثم نحفها وندهنها”.

وفي مشهد آخر، تبدو السيدة ريم الأعرج، سعيدة، وهي تتنقل بين الآلات، تقطع الخشب، وتُعيد تشكيله في هيئة أثاث.

ترى ريم في المشغل متنفسا لها من ضغوطات الحياة، وتقول “أكون سعيدة جدا بالوقت الذي أقضيه هنا برفقة زميلاتي، نجمع الخشب، ونعيد تشكيله لننتج أثاثا جميلا”.

وتُضيف السيدة الأربعينية، “ينتابني شعورٌ بالفخر مع كل قطعة نُنجزها.. أشعر أنني صنعتُ شيئا من لا شيء”. وتتابع “شكّل هذا العمل فكرة لإسناد المرأة ذاتيا، حيث نطور أنفسنا كل يوم، ونكتسب خبرات جديدة في الحياة”.

ورغم إتقانها المهنة، لا تنوي ريم افتتاح مشغل خاص بها، وتقول “نعمل هنا بروح الفريق.. أشعر أنني في بيتي حقا”.

وتستثمر تلك السيدات مواقع التواصل الاجتماعي في تسويق منتجاتها والترويج لها، كما يُشاركن بأعمالهن في بعض المعارض الفنية بين الحين والآخر.

وبالرغم من العمل والإنتاج، إلا أن السيدات يواجهن مصاعبَ ومعيقاتٍ، تتمثل في انخفاض الطلب على المنتجات بفعل جائحة كورونا.

كما أنه ثمة خطر يتهدد الفكرة برمّتها، وهو أن المشغل مُعرّض للهدم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدعوى البناء دون ترخيص.

قالت سلامات، “من الجميل أن نوثق تجربتنا في هذا العمل على الرغم من كل الظروف المحيطة بقريتنا من استيطان وابتلاع أراض وهدم منازل ووضع البوابات الحديدية على مداخل التجمعات السكانية، لكن إرادتنا كنساء كسرت كل قيود الاحتلال، فاستطعنا عرض تجربتنا في ألمانيا وتدريب نساء ألمانيات على إعادة التدوير، وتعريفهن بمدى إجرام الاحتلال في حق شعبنا ومقدراته”.

17