الولايات المتحدة تذهب دائما إلى الحرب، ديمقراطية كانت أم جمهورية

معظم الأميركيين استحضروا سيناريوهات تصاعد العنف السياسي.
السبت 2021/03/13
السياسيون وراء إنتاج العنف داخليا وخارجيا

مدفوعون بالذهول، الذي شعروا به بعد الفوضى في مبنى الكابيتول الأميركي في يناير الماضي، تدافع الأميركيون إلى عمل مقارنات حول ما حصل وكيف أن عددا قليلا من الناس، بخلاف العائلات العسكرية، كانوا منشغلين بالعنف، الذي بدأ يتكشف حينها مستمدين تاريخا من الحروب على امتداد عقدين من الزمن في الخارج، والتي انساقت وراءها إدارات تعاقبت على البيت الأبيض من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

واشنطن - وصف الكثير من الأميركيين أحداث اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير الماضي قبل ساعات من المصادقة على تولي الديمقراطي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة خلفا لدونالد ترامب بأنها أشبه بمعركة، وكرست الأفكار، التي دارت في رؤوس عدد من الباحثين والمسؤولين والجنود السابقين بأن “الأمر كما لو أن الولايات المتحدة أصبحت منطقة حرب”.

ومن بين هؤلاء وزير خارجية ولاية ميزوري السابق، الذي كتب مقالا في صحيفة “واشنطن بوست” حول ذلك، وأيضا الجندي السابق في أفغانستان جيسون كاندر، والذي رأى عنف ذلك اليوم بمثابة حرب، وقد حثا حينها ممثلي الكونغرس وغيرهم ممن تحملوا وطأة هذا الهجوم على طلب المساعدة.

لكن الباحثة أندريا مازارينو ذهبت في مقال نشرته مؤسسة “غلوبال أجنس” إلى أبعد من ذلك، فقد حمّلت الرؤساء السابقين سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين المسؤولية عن الحرب المستمرة منذ عشرين عاما في مناطق النزاع، وأيضا العنف الذي بدأ يتكشف في الولايات المتحدة.

أندريا مازارينو: الحروب لا يمكن أن تحدث إلا إذا تورط فيها المسؤولون
أندريا مازارينو: الحروب لا يمكن أن تحدث إلا إذا تورط فيها المسؤولون

ساحة معركة حقيقية

تظل دوافع التفكير في ما يعنيه العنف بالنسبة للولايات المتحدة وما يتركه من اضطراب أمرا لا مفر منه من أجل إيقافه، حيث تترسخ قناعة لدى الأميركيين بأنه لا يمكن تحمل أخطاء قادتهم السياسيين وأنهم إذا لم يتمكنوا من الضغط لوقف خوض الحروب الخارجية، فلن تظل بلادهم محصنة ضد هذه الحروب الداخلية أيضا.

وترى مازارينو، الكاتبة في موقع “توم ديسباتش” أن الرئيس السابق دونالد ترامب لم يختلف عن أسلافه في شن الحروب الأبدية على مدار عقدين، فقد أرسلوا الأميركيين للقتال في الخارج دون أن يذهبوا معهم، واتضح ذلك حين دعا أنصاره “للقتال” دفاعا عن الديمقراطية أو “لن يكون لديكم بلد بعد الآن”.

ويبدو أن ثمة قناعة بأن “جيش ترامب الصغير” دمر الممتلكات بالأدوات العدوانية، وفي إحدى الحالات زرعوا قنابل أنبوبية بالقرب من مقر الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ونهبوا غرف الكونغرس، بما في ذلك منصة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

وتروي مازارينو، كيف استخدم المشاغبون سياسة التخويف ضد أولئك الموجودين في مبنى الكابيتول، وصرخ البعض بكلمات مثل “خائن”. وكان أحد المشاغبين يرتدي قميصًا من النوع الثقيل مزينًا بكلمات “معسكر أوشفيتز”، في إشارة إلى معسكر الموت النازي.

وفي تجاهلهم لبروتوكولات السلامة من الوباء، أطلق المعتدون ما يشبه الحرب البيولوجية ضد المشرعين وشرطة الكابيتول، واقتحموا المبنى، مما أجبر المشرعين على الازدحام في أماكن مغلقة لإنقاذ حياتهم، إن لم يكن تعريضها للخطر في نفس الوقت. وقام المعتدون بتلطيخ الجدران وتماثيل رؤساء سابقين بالدماء.

وخلصت مازارينو إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء المشاغبين كان هدفهم واضحًا، وهو قلب العمليات الديمقراطية بالقوة الغاشمة باسم ما اعتبروه تهديدا وجوديا لبلدهم، وهو تنصيب بايدن رئيسا وكمالا هاريس نائبا له.

وكان من بين هؤلاء المعتدين قدامى المحاربين وبعض الأفراد في الخدمة الفعلية من نخبة القوات القتالية الأميركية وكذلك من إدارات الشرطة الذين عاشوا على مدار سنوات وهم يحلمون بالاستيلاء على حكومتنا بسبب الأكاذيب، التي يرويها لهم قائدهم الأعلى.

ولخوض الحروب، تقول مازارينو إن المرء يحتاج إلى استدعاء الغضب والأدرينالين وتجاهل إنسانية أولئك، الذين تسعى إلى القضاء عليهم. وهذا كان واضحاً في حشد ترامب المفترض أن يكون مؤيدًا للقانون والنظام الذي هاجم الكونغرس، ونتج عن أفعالهم 5 وفيات وأصيب 140 آخرون بينهم ضباط.

سيناريوهات مخيفة

Thumbnail

كان لهذه الوفيات والإصابات آثار مضاعفة على الأزواج والأطفال وأرباب العمل وغيرهم في المجتمعات التي يعيش فيها هؤلاء الضباط. وهي لا

تشمل الإصابات غير المرئية التي لا حصر لها مثل اضطراب ما بعد الصدمة التي تنتج عن مثل هذه السيناريوهات الشبيهة بالحرب. وفي هذا الصدد، فإن تكلفة العنف المسلح على حياة الإنسان لا تُحصى ولا تعد.

وليس ذلك فحسب، بل كانت للاعتداءات على المهاجرين من قبل الناشطين من اليمين المتطرف تأثيرها الكبير لاسيما وأن أولئك الذين اقتحموا مبنى الكابيتول دعموا رئيسًا أشار إلى المهاجرين على أنهم “حيوانات” ووضعت إدارته أطفالهم غير الشرعيين في أقفاص أو في ظروف شبيهة بالسجن دون توفير أي رعاية لهم.

في هذه الأثناء، سرعان ما ازدحم بريد مازارينو برسائل البريد الصوتي من أزواج عسكريين آخرين لديهم مخاوف ودارت في ذهن الباحثة الأميركية بعض السيناريوهات المخيفة حول ما قد يعنيه السادس من يناير للعائلات العسكرية.

وفي تلك التوترات قبل أسبوعين من تنصيب بايدن، كان الجيش لا يزال يستجيب للقائد العام، الذي حرض بشكل واضح على استيلاء محتمل على الحكم بدافع من ترامب. درات تساؤلات حول ماذا سيُطلب من أفراد الجيش أن يفعلوا في الأيام القادمة، ومن قبل من؟ ماذا كان سيحدث لو نجح هؤلاء المشاغبون بالفعل في شنق مايك بنس أو ذبح أعضاء آخرين في الكونغرس؟

دوافع التفكير في ما يعنيه العنف بالنسبة إلى الولايات المتحدة خارجيا وداخليا وما يخلفه من اضطراب باتت أمرا حتميا يجب إيقافه

لقد كان معظم الأميركيين يستحضرون سيناريوهات عنف منذ شهور منها تصاعد العنف السياسي فيما كان يُعرف، في زمن الحرب، بالجبهة الداخلية في البلاد التي تضم أكثر السكان المدنيين تسليحا على وجه الأرض.

وتقول مازارينو الباحثة المشاركة في تأسيس مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون إنها كانت شديدة التركيز قبل يوم الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر الماضي، ليس على تبديد المعلومات المضللة التي أطلقها ترامب حول الانتخابات القادمة فحسب، ولكن على مساعدة الناخبين في تحديد مواقع مراكز الاقتراع الخاصة بهم وكيفية الوصول إليها.

واللافت أن عددًا قليلاً من الأميركيين، بخلاف العائلات العسكرية، كانوا منشغلين بالعنف، الذي بدأ يتكشف في الشوارع، وبالطريقة الغريبة التي تهدد بها حروبا استمرت 20 عاماً بالعودة إلى البلاد.

التحريض يؤدي إلى الحرب

Thumbnail

تؤكد مازارينو أن أحد الدروس المستفادة من هذه السنوات، أنه في الولايات المتحدة، التي يتكون جيشها من المتطوعين، هو أن الحروب لا توجد أساسًا إلا إذا كان الشخص متورطا فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وقد رصدت ردود الفعل المتباينة لدى المواطنين العاديين وما إذا كانوا مهتمين بكيفية تبرير الناخبين وممثليهم لقرار “حل” مشكلاتنا العالمية من خلال خوض حروب لا تنتهي، إذن يمكن تأطير ما حدث في السادس من يناير من خلال وجهة النظر أن 74 مليون أميركي صوّتوا لرئيس يصور أولئك الذين يختلفون معه على أنهم تهديدات وجودية للولايات المتحدة.

وعلى مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، استثمرت الإدارات المتعاقبة مبالغ ضخمة في الآلة العسكرية والصناعات الحربية، مع تحويل مسار الأموال عن الخدمات الاجتماعية الرئيسية، بدءًا من الرعاية الصحية إلى خلق الوظائف المحلية.

وفي الوقت نفسه، قامت تلك الإدارات باستمرار “بتحويل” الأسلحة العسكرية “القديمة” من مناطق الحروب إلى أيدي إدارات الشرطة في جميع أنحاء البلاد وهكذا إلى شوارع مدينتنا.

ومن هنا تتساءل مازارينو لماذا يشعر أي شخص مرتبط بالجيش بالقلق او بالخوف من أمر ما؟ وكيف لا يقلق الأميركيون وخاصة الجنود الذين يتلقون الأوامر بالمشاركة عند حدوث حروب من أي نوع؟

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن قرابة مليوني أميركي يخدمون في الجيش ونحو 2.6 مليون آخرين من أفراد عائلات هؤلاء العسكريين. ويمثل هذا إجماليا أكثر بقليل من واحد في المئة من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة

وتبدو المخاوف الخاصة بالعسكريين وأسرهم مختلفة عما يشعر بها المدنيون الأميركيون، فقد شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر، في تلك الحروب التي شنت بعد 11 سبتمبر 2001 وحتى اليوم بداعي محاربة الإرهاب.

وتعتقد مازارينو أن رعاية أولئك الذين لا يزالون في الخدمة العسكرية ليست بالمهمة الصغيرة في دولة يمكن أن تكون محاولة الحصول على رعاية الصحة العقلية فيها بمثابة النهاية لوظيفة هذا الجندي، وغالبا ما تكون عائلاتهم هي الملاذ الوحيد لهم، كما أن مسألة الدخل تلقى بظلالها عليهم، ففي المتوسط يتقاضى الجنود أجورا أقل بنسبة 27 في المئة من نظرائهم المدنيين.

6