جان جاك أنو يوّثق حريق نوتردام في فيلم روائي بطله الكاتدرائية

خلّف اندلاع الحريق الهائل الذي شبّ في ربيع 2019 في كاتدرائية نوتردام في باريس، صدمة كبيرة في فرنسا وخارجها نظرا لرمزية الكاتدرائية، ولهول الفاجعة التي تسبّبت في أضرار كبيرة للمعلم التاريخي، الأمر الذي حفّز المخرج الفرنسي جان جاك أنو على توثيق الحادثة عبر فيلم روائي من المزمع عرضه العام القادم.
بورج (فرنسا) – انطلق المخرج جان جاك أنو في بورج بوسط فرنسا أخيرا في تصوير فيلم جديد يتناول فيه حريق كاتدرائية نوتردام في باريس، الذي شبّ في الخامس عشر من أبريل 2019. مؤكّدا أنه يطمح لتحفيز الجمهور إلى “العودة إلى الصالات الكبيرة” لحضور قصة “مذهلة،” من المقرّر أن تطلق عروضها في أبريل 2022.
وعن استعداداته للفيلم، يقول المخرج الفرنسي “لقد قابلت الجميع، كل رجال الإطفاء، الكبار والصغار، من الجنرال إلى العريف. إنه فيلم يتضمّن عناصر سينمائية مذهلة. لم أكن لأجرؤ على إدخال هذه الأحداث الدرامية لو لم تكن محكمة الارتباط بالحقيقة. لم أكتب يوما نصا بهذا القدر من السعادة، بهذه السرعة.. هذا السيناريو يعكس 98 في المئة من حقيقة الواقع”.
ويؤكّد مخرج فيلم “الذهب الأسود” أنه سيعتمد في فيلمه الجديد على نسبة خمسة في المئة من اللقطات الأرشيفية، التي التقطت بهواتف محمولة أو لقطات تلفزيونية.
ويُضيف “نحن لا نروي القصص، إذ يكفي أن نتبع الواقع الغريب وأحيانا الهزلي، كيف يجرؤ البعض على القول إن أربعة عناصر إطفاء كانوا موجودين في الآلية الأولى التي توجّهت لإنقاذ هذه الكاتدرائية، بينهم اثنان لم يسبق أن تعاملا مع حريق وفتاتان؟ فنسبة الإناث بين عناصر الإطفاء لا تتعدّى واحدا في المئة، كانت اثنتان منهن موجودتين في الآلية”.
واندلع الحريق في الكاتدرائية القوطية التي شيّدت بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر في تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة بتوقيت وسط أوروبا الصيفي من مساء الاثنين 15 أبريل 2019، وسرعان ما أدّى الحريق إلى انهيار برج الكاتدرائية الأوسط الذي يبلغ ارتفاعه 93 مترا.

جان جاك أنو: أطمح من خلال الفيلم إلى تحفيز الناس للعودة إلى قاعات السينما
وأثار الحريق صدمة في فرنسا وخارجها، خاصة وأن الكاتدرائية تضم مجموعة نادرة من الأعمال الفنية والتحف الدينية، وهي مُدرجة منذ العام 1991 كجزء من موقع “التراث العالمي لليونسكو في باريس”.
وعن سؤال، هل سيكون رجال الإطفاء الشخصيات الرئيسية في عمله الجديد، يُجيب أنو “هذا ما نسميه فيلم جوقة، فالشخصية الرئيسية أو النجمة، هي نوتردام. وكأنني أروي قصة ضحية تحتضر، ولا يصل الأطباء.. الحمد لله، إنها نهاية سعيدة، الشخصيات التي تتدخّل هي أولئك الذين ساعدوا في إنقاذ الكاتدرائية: إنهم حفنة. توجد هذه المجموعة المكوّنة من أربعة عناصر شباب. بقوا وحدهم لمدة عشرين دقيقة ونجحوا في تبريد الدعائم التي لو لم يتم تبريدها لكانت التوَت، ولكانت الكاتدرائية انهارت تحت ثقل 500 طن”.
وتقول التقارير إن ما يزيد عن أربع مئة رجل إطفاء شاركوا في عمليات إخماد الحريق ليلتها، وأشار متحدّث من الإطفاء إلى أن إسقاط المياه من الطائرة سيشكل خطرا، لأن وزن المياه الساقطة يصل إلى عدة أطنان، الأمر الذي سيسبّب أضرارا ضمن هيكل المبنى وسيهدّد السلامة العامة للكنيسة.
وحاول عمال الطوارئ إنقاذ ما أمكنهم من الأعمال الفنية والتحف الدينية الموجودة داخل الكاتدرائية، وأعلن الناطق الرسمي باسم الكاتدرائية أن بعض تلك الأعمال الفنية كانت قد أزيلت بالفعل بسبب أعمال صيانة، وأكّد أن معظم الآثار المقدسة كانت مخزنة في الخزنة الخاصة بالكنيسة، وعليهِ فهي آمنة ومن الصعب تضرّرها.
واختار أنو كاتدرائية بورج بوسط فرنسا لتصوير مشاهد فيلمه، وفي ذلك يقول “بعد زيارة كل الكاتدرائيات في فرنسا عمليا، تساءلنا عن المكان الذي لا يبدو الأفضل فحسب، بل عن المكان الذي يتوافر فيه الجانب الغنائي والشاعري والذي يستحضر روحانية نوتردام. الجميع صوّتوا لبورج. في كل مرة يدخل فيها المرء هذه الكاتدرائية يشعر بالرغبة في التصوير، وهذا رائع بصراحة”.
وعن الدوافع التي حفّزته لإخراج هذا الفيلم، يُجيب “حقيقة، المنتج جيروم سيدو هو الذي سألني إذا كنت مهتما بفيلم وثائقي. أعطاني الوثائق، وكدت اتصل به في الليلة نفسها لأبلغه بموافقتي، وأيضا لأخبره بأن الفيلم لن يكون وثائقيا! أنا ممتن للغاية لأنني تمكّنت من إنجاز فيلم فاخر بوسائل كبيرة في موقف خطر جدا”.
ويسترسل “السينما موجودة منذ أكثر من مئة عام، تخلّلها الكثير من الروائع. ما الفائدة إذا لم نفكّر قليلا لنفعل شيئا أكثر جرأة؟ إذ تم تصوير النار بشكل جيد، نعلم في قرارة أنفسنا أنها خطيرة. يوجد أيضا الهدير، الهدير المرعب، وهو يشبه إلى حد ما الكاتدرائية التي كان في الإمكان سماع الأصوات الصادرة منها على مسافة كيلومترات عدة”.
ويطمح أنو من خلال هذا الفيلم إلى جعل الناس يرغبون في العودة إلى قاعة كبيرة لمشاهدة عرض سينمائي حقيقي، مؤكّدا “روعة كاتدرائية بورج تكمن في رؤيتها على الشاشة الكبيرة، لأن مشاهدتها على الهاتف المحمول لا تعطي الانطباع نفسه”.
وجان جاك أنو (1943) مخرج ومنتج أفلام وكاتب سيناريو فرنسي، اشتهر بإخراجه لأفلام “طلب النار” 1981 و”اسم الوردة” 1986 و”العاشق” 1991 و”سبع سنوات في التبت” 1997. وهو حاصل على أربع جوائز سيزار، كما تحصّل من خلال فيلمه “النصر بالغناء” على جائزة أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية في العام 1976.