حراك سياسي من تبون يقابله حراك شعبي معارض

الجزائر - تظاهر الآلاف من الجزائريين ضد النخبة السياسية والعسكرية في عدة مدن بأنحاء البلاد في الجمعة الثانية على التوالي، وذلك عقب إعلان السلطات إدخال تعديلات على قانون الجنسية.
وجاءت المظاهرات استئنافا لحركة احتجاجات الشوارع التي علقت مسيراتها الأسبوعية قبل نحو عام بسبب جائحة كورونا. وتدعو الحركة إلى رحيل المؤسسة السياسية القديمة، كما تطالب الجيش بالابتعاد عن السياسة.
وانطلقت المظاهرات بعد صلاة الجمعة، وسط إجراءات أمنية مشددة خصوصا في العاصمة التي سجلت مرة أخرى إنزالا أمنيا كثيفا عبر الحواجز الأمنية في مختلف الشوارع الكبرى، في محاولة لعزل ساحات المسيرات عن بعضها، إلا أن المتظاهرين تمكنوا من اجتياز بعضها كما حدث في شارع "ديدوش مراد".
وواصلت مروحيات الهليكوبتر التابعة للجيش مراقبتها أجواء العاصمة والمسيرات الشعبية، بينما لجأت قوات الأمن إلى غلق بعض منافذ الشوارع بسيارات الشرطة، في محاولة للحد من تدفق المتظاهرين إلى محيط ساحة البريد المركزي.
وجدد المتظاهرون مطالب "التغيير الجذري" للنظام وسياساته ووجوهه، وبقي شعار "دولة مدنية وليست عسكرية" الأكثر ترديدا في المحافظات التي سجلت مسيرات شعبية، انطلقت جميعها بعد انتهاء صلاة الجمعة من عدة مساجد.
واللافت في تظاهرات الجمعة ترديد المشاركين شعار "ما تخوفوناش بالجنسية أحنا ربتنا الوطنية" (لا تهددوننا بالجنسية، نحن من ربتنا الوطنية) كرد على اعتزام السلطات الجزائرية إصدار قانون جديد لسحب الجنسية من كل جزائري مقيم بالخارج، يرتكب عمدا أفعالا خارج التراب الوطني من شأنها أن تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية.
وردد المتظاهرون شعارات أخرى منها "أكلتم البلاد أيها اللصوص"، و"الشعب يريد الاستقلال"، و"الشعب يريد إسقاط النظام".
وسار الآلاف من الجزائريين في بجاية وتيزي وزو بمنطقة القبائل وسطيف وبرج بوعريريج وقسنطينة (شرق) ووهران وتيارت (غرب) وفي ورقلة جنوب البلاد، كما أظهرت صور مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر بلال (37 عاما) الموظف أن "الحراك سيستمر حتى يزول سبب وجوده وهو هذا النظام الذي لا يريد الإصغاء لصوتنا".
أما خديجة السيدة السبعينية، فقالت إنها خرجت في كل المسيرات "من أجل أن يعيش أولادي وأحفادي في جزائر أفضل من التي عشت فيها". وتابعت "ما يطلبه الشباب ليس مستحيلا على الحكومة أن تصغي إليهم، وتتحاور معهم".
وقال معلم يدعى محمد (33 عاما) "ستستمر هذه الثورة السلمية حتى نحقق كل أهدافنا".
وأثنى الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي انتخب في 2019 في تصويت اعتبره العديد من المحتجين تمثيلية، على الحركة ووصفها بأنها تقدم تجديدا وطنيا، لكن المتظاهرين يرون حكومته استمرارا للحكومات السابقة.
وعاد الحراك الشعبي بعد عامين على الإطاحة بالنظام السابق، بانقسام واضح في صفوف متظاهريه إثر خروج تحذيرات من داخله من اختراق إخواني للمظاهرات لتنفيذ مخطط مشبوه.
وحذر عدد من قادة الأحزاب المعارضة والشخصيات السياسية المحسوبة على التيار الديمقراطي مما أسموه "اختراق التيار الظلامي" في إشارة إلى الإخوان، واتهموا الجماعة الإرهابية بـ"محاولة تكرار سيناريو تسعينات القرن الماضي، عندما استغلت "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" الانفتاح السياسي لتعلن تمردها المسلح على الدولة.
ولم تعد التحذيرات الجدية من المخططات الإخوانية تصدر عن الجهات الرسمية أو الشعبية فقط، إذ باتت المعارضة المناوئة للسلطة الجزائرية أكثر اقتناعا بوجود مؤشرات دامغة وميدانية على سعي إخواني واضح لكسر قالب السلمية الذي ميز مظاهرات الحراك الشعبي، وكان واحدا من الأسباب الرئيسية لما يصفه المراقبون بـ"محافظتها على النفس الطويل" لمدة عامين.
وكشف الرئيس الجزائري للمرة الأولى حقيقة ذلك الشعار الآخر وهو "الدولة المدنية"، وكشف عن أنه مخطط قديم أعد له منذ 15 عاما من قبل أطراف تم تكوينها في دول أفريقية وأوروبية، هدفها "تدمير الأنظمة من الداخل عبر التشكيك في مؤسساتها السيادية"، وفق السيناريو الذي اعتمدت عليه جماعة الإخوان الإرهابية في دول عربية بينها سوريا وليبيا.
وبات اختراق الإخوان للمظاهرات مصدر قلق للسلطات الجزائرية وحتى للمتظاهرين الذين لم يخف عدد منهم خشيتهم من تحويل المسيرات السلمية إلى "ساحات للعنف والفوضى"، خصوصا من خلال الشعارات التي يرفعونها في محاولة لاستفزاز قوات الأمن.