هزيمة النزعة القبلية في النيجر تفرز أول رئيس من أصول عربية

وصول الرئيس النيجيري المنتخب محمد بازوم إلى السلطة سيفتح الباب أمام تكريس تقاليد تقطع مع الماضي في الحياة السياسية عبر إطفاء جذوة النزعة القبلية.
الأربعاء 2021/03/03
الرئيس المنتخب يواجه العديد من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية

نيامي- يمثل نجاح الانتقال السلمي للسلطة بين رئيسين منتخبين ديمقراطيا للمرة الأولى في النيجر نقطة تحسب للرئيس المنتهية ولايته محمدو إيسوفو الذي لم يعدل الدستور للترشح لولاية رئاسية ثالثة، خلافا لما درجت عليه العادة مع العديد من الرؤساء الأفارقة وخاصة في هذه الدولة التي عايشت عدة انقلابات في السابق.

لكن اللافت هو فوز مرشح الحزب الحاكم محمد بازوم، الذي يعد أول سياسي من أصول عربية، بمنصب الرئيس في تاريخ البلاد رغم خسارته للعاصمة نيامي بعد انتخابات تمت في أجواء مشحونة ومخاوف من اضطرابات محتملة، حيث لعبت التحالفات السياسية دورا كبيرا في هزيمة العصبية القبلية التي تظهر خاصة خلال الانتخابات الرئاسية في بلد يواجه العديد من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية.

التحدي الأبرز أمام محمد بازوم هو ترسيخ أسس الديمقراطية في بلد عانى من الانقلابات العسكرية منذ استقلاله في 1960

وفي أعقاب فوزه في الاستحقاق الرئاسي خلال الدورة الثانية أمام منافسه ماهمان عثمان كتب بازوم المتحدر من قبيلة “أولاد سليمان” العربية المنتشرة في شمال وجنوب غرب ليبيا والتي لا تمثل مع بقية القبائل العربية في النيجر سوى نحو واحد في المئة من السكان، تدوينة في حسابه على فيسبوك يقول فيها “إنني ممتن للغاية لشعب النيجر على الثقة التي أبداها بانتخابي رئيسا للجمهورية (…) سأكون خادما مخلصا له لمواجهة كل المشاكل التي تواجهها بلادنا”.

وكان بازوم قد صرح أثناء حملته الانتخابية قائلا “إذا تم انتخابي فسأكون رئيسا خلفا لإيسوفو، وسيحفظ التاريخ اسمينا لأننا نجحنا في جعل بلدنا يحقق هذا الرهان”. وتعهد بالتركيز على الأمن والتعليم، خصوصا تعليم الفتيات، كما تعهد بالتركيز على دعم وتطوير قدرات الجيش وتعزيز الأمن في ظل الوضع الأمني المضطرب في منطقة الساحل.

ويرى متابعون سياسيون أن وصول بازوم إلى السلطة في انتخابات وصفت بـ”النزيهة” سيعني الكثير للأقلية العربية في هذا البلد، كما أنه سيفتح الباب أمام تكريس تقاليد تقطع مع الماضي في الحياة السياسية، وقد يعمل على إطفاء جذوة النزعة القبلية إذا ما تعلق الأمر باختيار الرئيس لبناء أسس جديدة تقوم على برامج المرشحين للرئاسة.

ونجح الرئيس الجديد الملقب بالفيلسوف لدراسته الفلسفة بصعوبة في تجاوز العصبية القبلية في بلد يقطن قرابة 77 في المئة من سكانه في الأرياف، وقد حقق انتصارا هاما بفضل تحالفاته السياسية ودعم الرئيس إيسوفو له على عكس حسابات المعارضة.

انتخابات تمت في أجواء مشحونة ومخاوف من اضطرابات محتملة
انتخابات تمت في أجواء مشحونة ومخاوف من اضطرابات محتملة

ولم يكن انتصار بازوم، الذي تولى سابقا وزارتي الداخلية والخارجية، أمام منافسه عثمان كاسحا رغم أنه مدعوم من الحزب الحاكم ومن 50 حزبا صغيرا، بالإضافة إلى تحالفه مع المرشحين الحائزين على المرتبتين الثالثة والرابعة في الدور الأول من الانتخابات، وهما سيني عمرو وألبادي أبوبا. ومع ذلك استطاع أن يواجه بتحالفاته السياسية النزعة القبلية.

وهذا ما يفسر فوزه بشكل كاسح في أغاديز أكبر المقاطعات مساحة والحدودية مع كل من الجزائر وليبيا وتشاد وتنتشر بها القبائل العربية والطوارق والتبو وهم أكثر الداعمين له. كما حقق بمسقط رأسه في مقاطعة ديفا في الجنوب الشرقي نصرا كبيرا خاصة أن شعبيته واسعة بين قبائل المحاميد العربية المهاجرة من تشاد منذ 1974.

وطيلة الحملة دافع بازوم عن المحاميد ضد قرار ترحيل 150 ألفا من أفرادها في العام 2006 عندما كان نائبا في عهد الرئيس مامادو تنجا الذي أطيح به في انقلاب 2010. وتعتبر ديفا ثاني مقاطعة ساخنة بعد تيلابيري، إذ تقع على الحدود مع نيجيريا وتشاد وتضم أجزاء من بحيرة تشاد معقل جماعة بوكوحرام التي قتلت رئيس مركز انتخابي بالمقاطعة يوم الاقتراع.

كما انتزع السيطرة على مقاطعتين حاسمتين وسط البلاد، أولاهما مارادي التي تفوّق فيها على عثمان بفارق 76 ألف صوت. أما المقاطعة الثانية طاوة فكانت نتائجها بمثابة الضربة التي قضت على طموحات الرئيس الأسبق عثمان في العودة للجلوس على كرسي الرئاسة.

وهناك شبه إجماع داخل الأوساط السياسية في النيجر على أن أبرز تحدّ أمام الرئيس الجديد هو ترسيخ أسس الديمقراطية في بلد عانى من الانقلابات العسكرية منذ استقلاله في العام 1960، وهي مرحلة كان قد بدأها سلفه إيسوفو الذي يعدّ بازوم من أهم المقربين إليه.

الرئيس الجديد نجح بصعوبة في تجاوز العصبية القبلية في بلد يقطن قرابة 77 في المئة من سكانه في الأرياف وقد حقق انتصارا هاما بفضل تحالفاته السياسية

وإلى جانب تحدي بازوم في قدرته على إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، فإن بلاده تواجه مشاكل أمنية على رأسها الهجمات التي يشنها كل من تنظيم داعش الذي بدأ ينشط في الساحل والصحراء، وجماعة بوكو حرام التي تستنزف ميزانية النيجر حيث يذهب معظم الإنفاق الحكومي على قطاع الأمن.

وعلاوة على مشاكلها الأمنية تواجه النيجر مشكلات اقتصادية مركبة وانتشارا للفساد المالي والإداري، ورغم كونها تنتج اليورانيوم والنفط إلا أنها تحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة.

وتبقى مسألة توجيه بازوم الدبلوماسية بعيدا عن فلك تركيا وعدم تكرار تجارب العديد من الدول في المنطقة والاقتراب أكثر من دول الجوار التي تشهد مخاطر متشابهة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتعثر في تنمية الاقتصاد، مهمة في نظر الكثير من المراقبين خاصة بعد أن اقتربت النيجر خلال السنوات الأخيرة من أنقرة بشكل كبير بعد أن استثمرت بكثافة في البنية التحتية للمطارات والطرقات والفنادق في هذا البلد.

6