فرنسا تقر مشروع قانون مكافحة "الانفصالية الإسلامية" وسط انقسامات سياسية

معارضو مشروع قانون محاربة "الانعزالية" يرون أنه يقيّد الحريات ويقدم رؤية ضيّقة للعلمانية وأن بعض فصوله مكررة وموجودة في قوانين نافذة.
الأربعاء 2021/02/17
النقاش حول العلمانية ومكانة الإسلام يثير جدلا في فرنسا

باريس – أقر النواب الفرنسيون بغالبية واسعة الثلاثاء في قراءة أولى مشروع قانون مثير للجدل لمحاربة "الانعزالية" يسعى خصوصا إلى مكافحة التطرف الإسلامي، إلا أنه أثار حفيظة اليسار الذي انتقده بشدّة معتبرا أنه يهمّش المسلمين، فيما رأى اليمين أنه "مائع".

وأيّد 348 نائبا النص الذي "يعزّز مبادئ الجمهورية" ويهدف خصوصا إلى مكافحة التطرف الإسلامي في بلد شهد اعتداءات جهادية عدة منذ العام 2015. وكان إقرار النص في هذه المرحلة يحتاج إلى 250 صوتا.

وقد صوت 151 نائبا ضد المشروع فيما امتنع 64 عن التصويت.

ويأتي التصويت إثر نقاشات مستفيضة لمشروع القانون في لجنة خاصة وفي جلسة عامة، جرى خلالها إقرار 313 تعديلا، وسيحال على النقاش في مجلس الشيوخ في أبريل القادم.

ويجرّم النصّ "الانعزالية" ويعزّز الرقابة على الجمعيّات وتمويل الأنشطة الدينيّة ويشدّد الخناق على نشر الكراهيّة عبر الإنترنت، إضافة إلى تدابير أخرى. ويتشابه المشروع مع قوانين مهمّة على غرار قانون 1905 الذي كرّس الفصل بين الكنيسة والدولة ويُعتبر عماد العلمانية الفرنسية.

وتريد السلطات من وراء النصّ وضع آليات جديدة لتمويل أنشطة الطوائف الدينية وحثّها على وقف تلقي "تمويلات أجنبية". ويضع مشروع القانون رقابة صارمة على أنشطة الجمعيات الدينية والثقافية، كما يكرس مبدأ الحياد (الديني) لموظفي القطاع العام.

ويهدف ذلك خصوصا إلى منع دخول أشخاص يعتبرون متطرّفين إلى أجهزة الدولة، ومكافحة التطرف الإسلامي.

وأُعدّ مشروع القانون بدفع من الرئيس إيمانويل ماكرون إثر الصدمة التي خلّفتها سلسلة من الاعتداءات جهادية، بدءا من الهجوم على أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في يناير 2015 وصولا إلى قطع رأس المدرس سامويل باتي في أكتوبر الماضي.

وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان خلال افتتاح النقاشات في الجمعية الوطنية، إن "بلدنا يعاني من نزعات انعزالية، أولها التطرف الإسلامي الذي ينخر وحدتنا الوطنية".

جيرالد دارمانان : بلدنا يعاني من نزعات انعزالية، أوّلها التطرّف الإسلاميّ
جيرالد دارمانان: بلدنا يعاني من نزعات انعزالية، أولها التطرف الإسلامي 

واعتبر أنّ مشروع القانون "يطرح استجابات ملموسة للانعزال المرتكز على الهوية ولانتشار التطرف الإسلامي الذي يمثل أيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهوريّة".

لكنّ معارضي مشروع القانون باختلاف مشاربهم يرون أنه يقيّد الحريّات ويقدّم رؤية ضيّقة للعلمانية وأنّ بعض فصوله مكرّرة وموجودة في قوانين نافذة.

وشهدت الجمعيّة الوطنيّة جدلا حادّا حول فصل يتعلق بالتعليم في المنزل الذي يشمل اليوم نحو 62 ألف طفل في فرنسا.

ويشدّد مشروع القانون الخناق على هذا النوع من التعليم عبر فرض ترخيص مسبق وشروط محدّدة لنيل هذا الترخيص (دوافع صحية، إعاقة، تنقل العائلة بين مناطق عدة، وغيرها).

وقبل 15 شهرا من موعد الانتخابات الرئاسية دافع نواب الغالبية الرئاسية عن مشروع "متوازن" في وقت اعتبره المعارضون إما ضعيفا وإما قمعيا أو أنه لا يصيب الهدف ولا يشمل فصلا عن العنصرية.

ويعتبر اليسار الراديكالي المعارض بقوة للنص أن المشروع "يهمّش المسلمين".

وفي المقابل، يعتبر آخرون أنّ الفرنسيين يعيشون حالة "إنكار" لوجود التطرّف الإسلامي في بلادهم، ويأسفون مثلا لعدم إدراج تعديلات حول ارتداء الحجاب الذي يمثّل موضوعا لنقاش متكرّر في فرنسا منذ نهاية الثمانينات.

وأراد حزب "الجمهوريون" اليمينيّ المعارض حظر الحجاب في الجامعات، وهو يعتبر أن مطلبه يأتي رفضا "لشكل من أشكال التبشير" ونضالا ضد "أحد رموز الإخضاع والإذعان".

وقال دايمان أباد زعيم كتلة "الجمهوريون" التي صوتت بشبه إجماع ضد المشروع، إن النص "فاتر ومائع" ولا يتطرق إلى مواضيع مثل "تدفق المهاجرين والتطرف في الجامعات والمدارس والسجون والرياضة".

واعتبرت مارين لوبان أن النص يشكل "تقهقرا سياسيا أمام الأخطبوط الإسلامي الذي يتوغل أينما كان".

وغالبا ما يشهد النقاش حول العلمانية ومكانة الإسلام في فرنسا جدلا حول وضع الحجاب والمواقيت المحددة للنساء في بعض أحواض السباحة أو مراجعة بعض البرامج المدرسية فيما زاد عدد المسلمين في فرنسا بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية ليصل إلى 9 في المئة من السكان تقريبا.