منصات رقمية تتجاوز نفوذ الإقطاعيات الإعلامية في لبنان

البيئة الإعلامية التقليدية تسيّس التحقيقات زمن الأزمات.
الأربعاء 2021/02/17
تعدد المنابر لا يعني تعدد الأصوات

تتأثّر وسائل الإعلام التقليدية في لبنان بالجهات السياسية أو رجال أعمال ويتمّ تهميش أو تسييس التحقيقات في المشاكل العميقة لتحقيق مكاسب معيّنة. ومع زيادة الاحتجاجات والأزمات في لبنان، اندفع الصحافيون إلى تأسيس منصات رقمية لتغطية الأحداث بعيدا عن نفوذ السياسيين.

بيروت - تتركز وسائل الإعلام التقليدية في لبنان بيد مجموعة نافذة صغيرة ترتبط بعلاقات وثيقة مع أحزاب وجهات سياسية، لذلك فإن تغطية هذه المنابر تدور في إطار مصالح مالكيها، ما جعل المنصات الرقمية بديلا أكثر حرية ومصداقية خلال الأزمات اللبنانية المتلاحقة.

وبحسب مرصد ملكية وسائل الإعلام، فإن 43 في المئة على الأقل من وسائل الإعلام اللبنانية مملوكة من قبل 12 عائلة، وهناك قصور في الشفافية ما يجعل من الصعب قياس مدى المشكلة بالأرقام الدقيقة.

وتقول الصحافية الفرنسية أينا دو لاباران، المهتمة بشؤون الصحافة الرقمية والشرق الأوسط في تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين، إنه ضمن هذه البيئة الإعلامية تتأثّر وسائل الإعلام ببعض الجهات السياسية وبشخصيات أو رجال أعمال لصالح أجندات سياسية، ويتمّ تهميش أو تسييس التحقيقات في المشاكل العميقة مثل البنية التحتية المختلة، وحقوق مجتمع الميم أو اللاجئين، لتحقيق مكاسب معيّنة.

لكنّ صحافيين وإعلاميين قرروا تحدي هذه البيئة بإطلاق وسائل إعلام مستقلة، معظم المساهمين فيها لديهم علاقات وثيقة مع ناشطين وأكاديميين، ولا يعتبر مؤسسو هذه الوسائل الحياد جزءا من الحل.

وعلى سبيل المثال، بعد احتجاجات انطلقت عام 2015 وبعدها عام 2016 إثر أزمة النفايات التي عانى منها اللبنانيون، قدّمت لائحة “بيروت مدينتي” مرشحين مستقلين لخوض الانتخابات البلدية في بيروت ودعت إلى تحقيق الشفافية والمساءلة وتحسين البنية التحتية، وبعد عدم نجاحهم في تلك الانتخابات، خلص مؤسسو منصّة “ميغافون” إلى أنّ لبنان يفتقر إلى وسيلة إعلامية تقدم الروايات البديلة، وولدت “ميغافون” بعدما اجتمع ثمانية ناشطين وصحافيين ومصممين وطلاب وأنشأوها عام 2017 بهدف التغيير.

وأشارت دو لاباران إلى أن منصة “ميغافون” قامت بدور بارز على مواقع التواصل الاجتماعي لتغطية الأخبار المحليّة، بدءا من الأزمة الاقتصادية التي كانت تتفاقم في وقت تُتّهم فيه الحكومة بعدم القدرة أو الإرادة لوقف الانهيار، مرورا مع اندلاع حرائق كبيرة في سلسلة جبال لبنان الغربية جنوبي بيروت، ولم تتمكّن الدولة من السيطرة عليها بسبب عدم صيانة مروحيات الإطفاء، وصولا إلى أكتوبر 2019 عندما أقرّت الحكومة اللبنانيّة عددا من الإجراءات التقشفية، ومن ضمنها فرض ضريبة على واتسآب، وبعدها وتحديدا في 17 أكتوبر حين عمت التظاهرات المناطق اللبنانية.

وفي ذلك الوقت، تحوّل عمل “ميغافون” إلى إنتاج محتوى توضيحيّ متعدّد الوسائط لتغطية الأخبار المحليّة، واستخدم فريق العمل البث المباشر على إنستغرام لنقل مشاهد التظاهرات والحرائق.

وقال الصحافي والمنتج في المنصّة جوناثان داغ “لم نكن نعلم ماذا يحدث، نقلنا بشكل مباشر على إنستغرام لتغطية الحدث”.

ومع زيادة الاحتجاجات في لبنان توالى العمل الصحافي واندفع الصحافيون إلى التغطية ومن بينهم لودي عيسى، وهي رئيسة تحرير منصة “بيروت اليوم”، التي كان قد أنشأها ناشطون قبل ثلاثة أعوام بهدف نقل الأخبار والآراء التي لا تغطيها وسائل الإعلام التقليدية باللغتين الإنجليزية والعربية.

43 في المئة على الأقل من وسائل الإعلام اللبنانية مملوكة من قبل 12 عائلة

وتعتمد منشورات المنصّة على مساهمات من المجتمع وعلى صحافيين محترفين، ففي ليلة الاحتجاجات الأولى، استعانت عيسى بمشاهد مصوّرة نشرها مواطنون وصحافيون على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعدّت فيديو يوثق التظاهرات التي تعمّ لبنان. ولم يتم إخفاء صوت المحتجين في الفيديو مع إضافة كلام مكتوب على المشاهد من أجل إيصال الوقائع الأساسية للمشاهدين.

وقد حظي الفيديو برقم قياسي من المشاهدات بالنسبة إلى فريق العمل. وتقول عيسى “إنّ الناس كانوا قد اكتفوا من الوضع وكان هناك الكثير من الأمل في تلك اللحظة”.

وخلال ثورة أكتوبر، تقدّمت الكثير من وسائل الإعلام لنقل الأحداث وأصوات الناس، ما ساعدها على زيادة أعداد المتابعين، فعلى سبيل المثال ارتفع عدد متابعي “ميغافون” من 8000 إلى 60000 على إنستغرام. كذلك الأمر بالنسبة إلى منصة “بيروت اليوم”، التي تضاعف عدد متابعيها على إنستغرام وتويتر منذ بداية الثورة، وزاد إنتاج المحتوى فيها أيضا، من مقال أو اثنين أسبوعيا إلى نشر مقالات يومية.

وعن العمل في “ميغافون”، يقول داغ “نفكر كثيرا في التمييز بين الصحافة والنشاط، شخصيا لا أرى الفارق بينهما باستثناء النهج”. وأضاف “أرى الهدف واحدا يتمثّل بدفع المجتمع نحو تحقيق المساواة بين الناس، وميغافون لديها موقف نشط ولهذا يعتقد الناس أننا صوت الثورة”.

وقد انعكست ديناميكية المجتمع المدني خلال تغطية الأحداث التي قامت بها الصحافة المستقلة. وعندما زاد العنف واستخدام القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع، بقي فريق “بيروت اليوم” مركزا على التغطية من خلال التركيز على ثلاث نقاط أساسية هي إيصال المعلومات، النقد واستكشاف البدائل.

وعمل الفريق على نقل الأحداث من خارج بيروت، ونشر مقالات مصورة من مدينتي طرابلس وجونيه اللتين لا تحظيان بتغطية إعلامية كافية على الرغم من أهميتهما الاقتصادية والسياسية.

وتمنّت عيسى لو كانت لديهم أخبار أكثر من متظاهرين في جنوب لبنان، وقالت “مع كثرة الأحداث كان مستحيلا تغطية كل ما يحدث”، مضيفة “كنت أتمنى لو كان لدينا الكثير من الأخبار حول الجنوب، حيث برزت معارضة للمرّة الأولى”.

وبدورها، قررت الصحافية لارا بيطار إطلاق منصة “مصدر عام” وهي وسيلة إعلامية تنشر مقالات طويلة وتقارير معمّقة في يناير 2020، وقالت إنّ النهج المتبع في العمل يكمن في الوقوف إلى جانب الأشخاص الذين يكافحون بهدف تحقيق المصلحة العامة.

وأطلق موقع “مصدر عام” قسما خاصا عن “ثورة أكتوبر”، يغطي أحداثا يومية من خلال إعداد تقارير معمقة. وتخصّص المقال الأول حول “عبء الدين العام على الاقتصاد اللبناني” وأوضح أزمة الديون من جذورها.

وكان عمل هذه المنصات حاسما في الأيام الأولى للاحتجاجات، واستمر بعد ذلك بمشاريع وقصص وتقارير أخرى. ومع تغيّر الأوضاع تتابع وسائل الإعلام المستقلّة تغطية كل الأحداث.

18