ندرة الأسمدة توجه ضربات مزدوجة للزراعة التونسية

الفساد يهدد الأمن الغذائي ويحبط خطط الإنتاج في موسم الحبوب.
الثلاثاء 2021/02/16
زراعة ضحية للفساد

يوجّه نقص الأسمدة ضربات مزدوجة للزراعة في تونس حيث يهدد الأمن الغذائي ومكاسب المزارعين وأرباحهم خصوصا مع اقتراب موسم الحبوب ما دفع بالعديد من المزارعين إلى الاحتجاج، حيث تحولُ أزمة ندرة الأسمدة دون تحقيق تطلعاتهم في زيادة الإنتاج وتنمية الأرباح، في وقت تتزايد فيه الاتهامات بوقوف شبكات فساد وراء افتقاد الأسمدة.

تونس – يعاني المزارعون في تونس من نقص كبير في مادتي “دي.أي.بي” والأمونيتر (نترات الأمنيوم)، وهما نوعان رئيسيان من الأسمدة الضرورية لإنقاذ الموسم الزراعي ونمو المحاصيل المختلفة على غرار الحبوب مما خلف احتجاجات واسعة مطالبة الدولة بمعالجة الأزمة التي قد تعصف بقوت التونسيين.

وقامت مجموعة من المزارعين، مؤخرا بغلق مدخل مدينة باجة (شمال غرب) على مستوى مفترق الطرقات (البلارج)، احتجاجا على تأخر وصول مادّة “الأمونيتر” خاصة وأنّ النصف الأوّل من شهر فبراير يعتبر فترة الذروة لرشّ الحقول بالمادّة المذكورة.

وترافق أزمة الأسمدة تخوفات كبرى في صفوف المزارعين مع تواصل الجفاف وندرة الأمطار ما يعسّر مهمتهم في إنقاذ موسم الحبوب.

ووصف رئيس الاتحاد الجهوي اللفلاحة بالكاف (شمال غرب)، منير العبيدي في تصريح لـ”العرب”، الموسم الفلاحي الحالي بـ”الصعب” من ناحية ندرة الأسمدة ما اضطر نسبة 80 في المئة من المزارعين إلى الزراعة بمادة “دي.أي.بي”.

وأشار إلى أن “القنطار الواحد من مادة الدي.أي.بي يبلغ 90 دينارا (33.18 دولار)، فيما يبلغ قنطار الأمونيتر 70 دينارا (25.81 دولار)”.

منير العبيدي: ندرة الأسمدة قد تؤدي إلى نقص بـ60 في المئة في الإنتاج
منير العبيدي: ندرة الأسمدة قد تؤدي إلى نقص بـ60 في المئة في الإنتاج

وأضاف العبيدي، أن “ندرة الأسمدة قد تؤدي إلى نقص الإنتاج في حدود 60 في المئة، ما يضرب منظومة الإنتاج ويضطر الدولة إلى الاستيراد من جديد”، قائلا “في السابق كانت كل ولاية (محافظة) تمتلك مخزونا استراتيجيا من دي.أي.بي و الأمونيتر”.

وحول الحلول الممكنة لمعالجة الأزمة التي قد تضرب الأمن الغذائي للتونسيين، أكد العبيدي أن “السلطات المعنية تعلم جيدا بتفاصيل الأزمة وكانت تنتظر ذلك، وكان عليها أن تستورد هذه المواد أو على الأقل حلّ المشكلة في علاقة بمواقع الإنتاج (شركة فسفاط قفصة والمنطقة الصناعية بقابس)”.

وتابع رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بالكاف، “ندعو السلطات للاستجابة لمطالبنا وتوفير الأسمدة في ظل تواصل منتوجات الموسم على غرار الزراعات الكبرى والخضروات والأشجار المثمرة والأعلاف والزياتين وغيرها”.

وحسب أرقام وزارة الفلاحة، تمتد المساحات الزراعية بتونس إلى قرابة مليون و250 ألف هكتار، وتحتاج إلى قرابة 200 ألف طن من مادة الأمونيتر سنوياً.

وأثرت أزمة تراجع إنتاج الفوسفات بالحوض المنجمي بقفصة (جنوب غرب) في السنوات الأخيرة بشكل سلبي على توفير الأسمدة في البلاد، ما اضطر المجمع الكيميائي التونسي إلى الاستيراد من الجزائر وتركيا.

ويرى متابعون أن مشكلة ندرة الأسمدة التي تفاقم صعوبات المزارعين، تعود أساسا إلى وجود لوبيات فساد تتحكم في مختلف القطاعات وفق مصالحها الربحية والاقتصادية الضيقة.

وأكد النائب بالبرلمان عن حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني في تصريح لـ”العرب”، “وجود لوبيات فساد في مختلف القطاعات يعطل الإنتاج بالبلاد على غرار الحبوب”.

وأضاف التبيني “أن المسألة تهم الأمن الغذائي للتونسيين، وهذه اللوبيات أتلفت في السابق كميات كبيرة من الحبوب، والآن تريد القضاء عليها منذ البداية، وتونس التي كانت تلقّب بـ’مطمور’ روما اليوم غير قادرة على تموين 4 ملايين فرد”.

وبرأي التبيني “إذا أرادت تونس أن تنجّح منوالها التنموي والاقتصادي عليها أن تحارب لوبيات الفساد”.

وتحتاج الحبوب وفقا لمتخصصين في الزراعة إلى التسميد في مناسبتين من أجل المحافظة على المحاصيل وتحسين جودة الحبوب في كل من ديسمبر وفبراير.

وأفاد الصحافي المتخصص في الشأن الفلاحي بإذاعة محلية أنور حرزلي، أن “أزمة الأسمدة تعود أساسا إلى فقدان مادة ‘دي.أي.بي’، ويحتاج الموسم الفلاحي إلى قرابة 95 ألف طن من هذه المادة”.

وأضاف “تونس صدرت أكثر من 400 ألف طن من المادة دون ترك احتياجات فلاحيها الخاصة وبتواتر الإضرابات والاحتجاجات بمواقع الإنتاج (المنطقة الصناعية بقابس وشركة فسفاط قفصة) (جنوب) اضطر الفلاحون للزراعة دون مادة دي.أي.بي مع وعود بتوفيرها في ما بعد”.

فقدان الأسمدة يؤثر على كميات الإنتاج وجودة المنتوج
فقدان الأسمدة يؤثر على كميات الإنتاج وجودة المنتوج

وتابع “تحتاج تونس إلى 200 ألف طن من مادة الأمونيتر والتجأت على توريد 60 ألف طن على ثلاث مراحل متأتية من روسيا أساسا مع عودة المصنع الكيميائي إلى سالف نشاطه”.

ويؤثر فقدان الأسمدة على كميات الإنتاج وجودة المنتوج، ومع اقتراب نهاية الموسم الزارعي تتضاءل نسب نجاح محاولات الإنقاذ.

وذكّر حرزلي بوجود “مشاكل عدة في توزيع الأسمدة بسبب تدخل السماسرة والتلاعب بالأسعار، فضلا عن الاحتكار والمضاربة وظهور الأسواق السوداء”.

فيصل التبيني: نجاح المنوال التنموي والاقتصادي يتطلب محاربة الفساد
فيصل التبيني: نجاح المنوال التنموي والاقتصادي يتطلب محاربة الفساد

وينظم المزارعون وقفات احتجاجية يوميا أمام مقرات السلطات الجهوية خلال الأسابيع الأخيرة، مطالبين بضخ الكميات اللازمة من الأسمدة في الأسواق وملاحقة المضاربين والمحتكرين الذين أشعلوا الأسعار.

وسبق أن دعا مجلس الجهات بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، إلى الإسراع في توفير الأمونيتر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موسم الزراعات الكبرى خلال هذه الفترة وتسميد الأشجار المثمرة وتشديد المراقبة على مسالك توزيعها.

وحمل الاتحاد، في بيان له، مسؤولية التأخّر والتراخي في الإعداد المبكر لهذا الموسم وما لذلك من تداعيات سلبية على جودة الإنتاج وعلى مردودية المزارعين.

ودعا إلى التعجيل بإنقاذ منظومة الإنتاج الحيواني بتأمين حاجات المربين من الأعلاف وخاصة منها الشعير في كافة جهات البلاد والمراجعة الفورية لسعر الحليب على مستوى الإنتاج واعتماد آلية ديناميكية الأسعار.

واعتبر عدد من المزارعين من منطقة بوسالم بمحافظة جندوبة (شمال غرب)، أن كمية سماد الأمونيتر التي تم توزيعها بداية فبراير الجاري “غير كافية لأصغر فلاح”، إذ يتطلب الهكتار الواحد في المناطق السقوية على الأقل 400 كلغ من هذه المادة الهامة.

من جهتها دعت الغرفة الوطنية لمجمعي ومخزني الحبوب في وقت سابق الحكومة للتدخل العاجل قصد الترفيع في الكميات الموردة من مادة الأمونيتر والترفيع من نسق الإنتاج المحلي بالمجمع الكيمياوي التونسي.

وعبرت الغرفة في بلاغ لها عن تضامنها مع مزارعي الحبوب في هذه الأزمة التي تهدد دخل المزارعين بالتأثير سلبا على مردودية محاصيلهم وترفع من كلفة إنتاجهم وعجزهم على مواصلة نشاطهم.

وتظهر البيانات الرسمية تراجع إنتاج الفوسفات في تونس خلال العام الماضي بنسبة 44 في المئة، بسبب الاعتصامات المتكررة التي تشهدها مناطق الإنتاج.

11