تقاطع مصالح تركي إثيوبي يثير مخاوف مصر والسودان

الدوحة تقايض الخرطوم: التدخل لتأجيل ملء سد النهضة مقابل إفساح المجال للإسلاميين للحضور مجددا على الساحة السياسية.
الاثنين 2021/02/15
لكل خطوة ثمن

تبدي أديس أبابا حماسة لتعزيز العلاقات والروابط مع أنقرة، في خطوة لا تخلو من براغماتية لاسيما في ظل الضغوط التي تتعرض لها من قبل القاهرة والخرطوم على أكثر من مستوى، ويدرك رئيس الوزراء آبي أحمد اهتمام تركيا اللافت بمجال بلاده الحيوي، وهو يحاول استثمار الأمر في مواجهة السودان ومصر.

أديس أبابا- يجري وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين الاثنين، زيارة إلى تركيا، تستمر ليومين ومن المرجح أن يلتقي خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، كما سيفتتح مبنى جديدا للسفارة الإثيوبية في العاصمة أنقرة، بحضور نظيره التركي مولود جاويش أوغلو.

ونقلت وكالة “الأناضول” عن بيان لوزارة الخارجية التركية، أن الزيارة تأتي بمناسبة الذكرى الـ125 لأول اتصالات دبلوماسية بين تركيا وإثيوبيا، وسيتم خلالها بحث العلاقات الثنائية، كما سيتم تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية.

وتشهد العلاقات الإثيوبية التركية زخما في الفترة الأخيرة، ترجم في الاتصالات الجارية بين الطرفين والتصريحات الودية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول سر هذا التغير المفاجئ، لاسيما وأن العلاقة بينهما شابها نوع من الفتور خلال الأشهر الماضية بعد اكتشاف أديس أبابا لشحنات أسلحة ضخمة يجري تهريبها من تركيا إلى أراضيها.

صلاح حليمة: تركيا طالما استخدمت أزمة سد النهضة للضغط على مصر
صلاح حليمة: تركيا طالما استخدمت أزمة سد النهضة للضغط على مصر

وكان جهاز المخابرات والأمن الوطني الإثيوبي، أعلن في مارس الماضي عن إحباط أخطر محاولة لتهريب الآلاف من قطع السلاح التركية “خططت لها شبكات تهريب دولية لإثارة الاضطرابات في البلاد”، لافتا إلى أن الأسلحة تم شحنها على حاويتين من ميناء مرسين في تركيا إلى ميناء جيبوتي، ليتم الكشف عنها بعد دخولها البلاد عقب أن تم إخفاؤها بالميناء لمدة خمسة أشهر للتمويه.

ورغم أن أديس أبابا حرصت في معرض كشفها عن الأسلحة المهربة، حينها على عدم توجيه تهمة مباشرة للحكومة التركية، تجنبا لانعكاسات ذلك على العلاقات الثنائية، لكن مجرد الإعلان عن أمر الحاويتين عكس قلقا إثيوبيا من مخططات لأنقرة تستهدفها. واليوم يبدو الوضع انقلب وباتت الحكومة الإثوبية المأزومة داخليا وخارجيا ترى في تركيا ملاذا أو أقله ورقة يمكن أن تلوح بها لاسيما ضد خصومها في الإقليم.

واستقبل رئيس مجلس النواب الإثيوبي آدم فرح قبل أيام السفير التركي لدى أديس أبابا ياباراك ألب، وأبلغه باهتمام الحكومة الإثيوبية بتعزيز العلاقات الثنائية مع تركيا حكومة وشعبا، وشكر الحكومة التركية على دعمها وتعاونها مع حكومة وشعب إثيوبيا.

وأشاد السفير التركي بدوره خلال اللقاء بالتغيير المستمر في إثيوبيا، وقال إن الحكومة التركية ستواصل دعم التعاون الإنمائي. وأضاف أن إثيوبيا هي ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث جذب المستثمرين الأتراك، مضيفًا أن هذا سيستمر في التعزيز.

وقال إن العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين في مستوى جيد، مضيفًا أن المستثمرين الأتراك مهتمون بالاستثمار في إثيوبيا. وعقدت الشهر الماضي الدورة الثامنة للجنة الاقتصادية المشتركة بين إثيوبيا وتركيا، في العاصمة التركية أنقرة، برئاسة ملاكو ألبيل وزير التجارة والصناعة في إثيوبيا، وسليمان صويلو، وزير الداخلية التركي.

ويرى مراقبون أن توقيت هذا التحول الإثيوبي صوب تركيا، يعكس براغماتية الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد، فالأخير يسعى للاستفادة من اهتمام الرئيس رجب طيب أردوغان بالمجال الحيوي لبلاده، لاسيما بعد فقدانه حليفا مهما وهو نظام الرئيس عمر حسن البشير في السودان.

عصام دكين: الدوحة طرحت على السودان تدخلا مشروطا لتأجيل ملء السد
عصام دكين: الدوحة طرحت على السودان تدخلا مشروطا لتأجيل ملء السد

ولا ينحصر الاهتمام التركي بأثيوبيا في البعد الاقتصادي بحكم أنها أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية في القارة السمراء، بل أيضا لموقع هذه الدولة الجيوسياسي الاستراتيجي. وهو ما يسمح لها بفرض حضورها في المنطقة وإيجاد منصة للتصويب على خصوم لها على غرار مصر، فضلا عن خططها للدفاع عن مصالحها في السودان، في ظل وجود سلطة انتقالية لا تبدو متحمسة لعلاقات قوية معها.

وقال المحلل السياسي السوداني، عصام دكين، إن زيارة وزير الخارجية الإثيوبي إلى أنقرة لا تنفصل عن محاولات قطر وتركيا الانغماس مرة أخرى في الشأن السوداني، مشيرا إلى أن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى الدوحة قد تطرقت إلى إمكانية إثناء إثيوبيا عن الملء الثاني لسد النهضة في مقابل إفساح المجال للإسلاميين للحضور مجدداً على الساحة السياسية.

وأضاف لـ”العرب”، أن أنقرة قد تلعب دوراً في إقناع إثيوبيا بإرجاء الملء الثاني للسد بعد أن خرجت تشكيلة الحكومة الجديدة بشكل يرضي بعض الإسلاميين، إذ شهدت ما يمكن تسميته بالهبوط الناعم لعدد من الشخصيات التي كانت لها صلات سابقة مع نظام عمر البشير، بعد أن كانت الحكومة السابقة في جعبة شخصيات ثورية وليبرالية وشيوعية معارضة للحركة الإسلامية.

وتوقع دكين أن تمارس تركيا المزيد من الابتزاز السياسي بحق السودان من خلال زيارة وزير خارجية إثيوبيا، وفي حال نجاحها في الضغط على آبي أحمد لتهدئة الأوضاع على الحدود بين البلدين، سوف توظف ذلك بحثاً عن استعادة نفوذها في السودان، مستفيدة من الانفتاح الحالي على قطر، لإبعاد مصر والإمارات والسعودية عن الخرطوم، حيث تغيرت تحالفات الخرطوم الإقليمية عقب الإطاحة بالبشير.

ولتعزيز العلاقة مع أديس أبابا فوائد اقتصادية كبرى بالنسبة إلى تركيا التي تواجه وضعا اقتصاديا أقل ما يوصف بأنه صعب، وهي ترى في بلدان مثل إثيوبيا (ثاني أكبر كتلة سكانية في أفريقيا) سوقا مهمة.

وأوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، أن وجود استثمارات تركية في إثيوبيا تقدر بـ2.5 مليار دولار، وهي تشكل نصف استثماراتها بالقارة، يجعلها أكثر قدرة على تقوية شوكة أديس أبابا في مواجهة الضغوط المصرية، وأن أديس أبابا استفادت كثيراً من تشييد أنقرة سدودها على نهري دجلة والفرات، بالمخالفة لكافة المواثيق الدولية، وتحاول تطبيق الأمر ذاته على نهر النيل بدعم من الخبراء الأتراك.

وأوضح في تصريح لـ“العرب”، أن تركيا طالما استخدمت أزمة سد النهضة في الضغط السياسي على مصر، في أثناء تصاعد الأزمة بين البلدين على وقع التطورات في ليبيا.

آبي أحمد، فالأخير يسعى للاستفادة من اهتمام الرئيس رجب طيب أردوغان بالمجال الحيوي لبلاده، لاسيما بعد فقدانه حليفا مهما وهو نظام الرئيس عمر حسن البشير في السودان

ومتوقع أن تقدم دعما متنوعا لإثيوبيا مع غياب أي أمد للحلول الفنية والسياسية، في ظل توقعات دوائر عديدة بإمكانية لجوء مصر والسودان إلى استخدام القوة للدفاع عن النفس، طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد أن المفاوضات بشأن ملف سد النهضة لم تثمر عن شيء ملموس ولم تأت بالنتائج المرجوة.

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه الوزير شكري من وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، تناول آخر التطورات في منطقة القرن الأفريقي وخاصة المستجدات ذات الصلة بملف سد النهضة الإثيوبي.

ووفق المُتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير أحمد حافظ، فإن الوزير شكري أشار إلى أن “مصر كانت تأمل في نجاح مساعي الاتحاد الأفريقي في إدارة ملف سد النهضة، إلا أن المفاوضات لم تثمر عن شيء ملموس ولم تأت بالنتائج المرجوة”، مؤكداً أن مصر تتطلع لاستئناف المفاوضات في ظل رئاسة “فيليكس تشيسيكيدي” رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية للاتحاد الأفريقي.

2