قيود كورونا الصارمة تنعش بقاليات بيروت

دكاكين البقالة الصغيرة في العاصمة اللبنانية شهدت إقبالا مكثفا بعد إغلاق المحلات الكبيرة جراء تفشي فايروس كورونا.
الاثنين 2021/02/15
هل يبقى الزبائن أوفياء بعد كورونا

بيروت - شهدت دكاكين البقالة الصغيرة في كل أنحاء العاصمة اللبنانية بيروت تقريبا إقبالا مكثفا خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد إغلاق المحلات الكبيرة في إطار القيود الأشد صرامة المفروضة في البلاد للحد من تفشي جائحة كورونا.

وفي حي الأشرفية بالمدينة أطلقت مجموعة مؤلفة من ستة أشخاص مع شبكة من الاستشاريين والمدربين مبادرة شعبية سموها “رايز أب لبنان” لإعادة تأهيل المشاريع الصغرى بعد انفجار ميناء بيروت في الرابع من أغسطس الماضي.

وبعد ستة أشهر من الانفجار واصلوا ترويجهم للتسوق من الدكاكين المحلية، لاسيما بعد زيادة حالات المصابين بفايروس كورونا التي أجبرت البلاد على فرض إغلاق على مدار الساعة، الأمر الذي أدى إلى تقييد التسوق الشخصي.

وقالت غادة بوصافي -وهي صاحبة محل لبيع الخضروات والفواكه- إنها وزوجها لاحظا زيادة في عدد زبائن محلهما الذي تَعتبر أن أسعاره أرخص من أسعار المحلات الكبرى.

وأضافت “أصبح الناس يقبلون علينا أكثر” بالتزامن مع تشجيع بعض المبادرات على الشراء من دكاكين الحي، وتابعت “وهذا ما زاد عدد زبائننا ورفع مداخيلنا بعد أن كانت شبه راكدة في الأيام العادية، فالناس كانوا يفضلون شراء أغراضهم من المغازات الكبرى معتقدين أنها أرخص من بقاليات الحي”.

وأردفت غادة بوصافي “بعد أن عاد إلينا الزبائن عرفوا أن أسعارنا أرخص، ولهذا السبب زاد إقبالهم على دكاكين الأحياء بعد أن كانوا لا يشترون منها إلا أغراضا بسيطة نسوها أثناء تسوقهم، أو لا تستدعي الذهاب إلى المغازات التجارية الكبرى”.

وبعد مرور نحو شهر على الإغلاق بدأت الحكومة تخفف تدريجيا بعض القيود في الأيام الأخيرة. ومعظم المحلات مازالت مغلقة كما لا يزال حظر التجوال على مدار الساعة مفروضا لكن بوسع السكان الحصول على تصاريح تسمح لهم بالتوجه إلى المحلات من أجل التسوق لمدة ساعتين يوميا.

مبادرة "رايز أب" ساعدت على ترميم أكثر من 150 دكانا صغيرا ومتوسط الحجم في أعقاب انفجار الميناء

وتأمل مارسيل المر -وهي صاحبة دكان صغير آخر- أن يستمر الناس في تشجيع الدكاكين الصغرى في أحيائهم بعد انتهاء فترة الإغلاق.

وقالت مارسيل “بدأ الناس يتعودون أو لنقل يعودون إلى الدكاكين لأن السوبرماركات مغلقة، لكن لا أعرف إن كانوا سيظلون يرتادون محلاتنا الصغرى بعد أن يعاد فتح الفضاءات التجارية الكبرى؟ ربما يظلون يشجعوننا بالإقبال على بضاعتنا”.

ويعتمد معظم أصحاب الدكاكين المحلية الصغرى على مبيعاتهم اليومية لكسب الرزق. وجاء في أحد منشورات حملة رايز أب لبنان على وسائل التواصل الاجتماعي “عند الشراء من دكان صغير في حيك فإنك ستدعم حلما كبيرا”.

وقالت مي عطاالله -وهي متسوقة تحب أن تشتري من دكاكين حيها- “أنا أحب أن أشجع أبناء حيي على المحافظة على نظافة المكان الذي نتقاسم فيه العيش، وهذا بيتنا الكبير، كذلك أشجعهم على أن يشتروا ما يحتاجونه من محلات الحي فهم جيراننا، وإذا لم نجد ما نحتاجه عندها يمكن أن نذهب إلى  السوبرماركت”.

وقالت صفا سالم -وهي من المشاركين في مبادرة رايز آب- إن المبادرة ساعدت على ترميم أكثر من 150 دكانا صغيرا ومتوسط الحجم في أعقاب الانفجار الهائل الذي دمر مساحات شاسعة من العاصمة، واستمرت في تقديم ورش عمل لتدريبهم على التسويق والتواصل الاجتماعي كما تقوم بتمويلهم لإنقاذ مشاريعهم الصغرى.

وأضافت “نحن نعيد دكاكين الحي للحي، نحاول أن نقول لسكان بيروت أعيدوا الصلة بينكم  وبين المحلات التجارية في جواركم”.

المبادرة ساعدت على عودة الحياة إلى الدكاكين الصغيرة
المبادرة ساعدت على عودة الحياة إلى الدكاكين الصغيرة

وليس إغلاق الفضاءات التجارية الكبرى وحده ما دفع سكان بيروت إلى العودة للتبضع من دكاكين الحي، بل إن ظاهرة انتشار الفقر والغلاء دفعا الناس أيضا إلى شراء ما يحتاجونه وفق ما يناسب إمكانياتهم المالية، فهم يذهبون إلى المغازات الكبرى لشراء أغراض كثيرة تكفي لأسبوع أو أكثر.

وقالت السيدة مايا “كثيرون كانوا قبل ذلك يذهبون إلى المولات مع أطفالهم وزوجاتهم لشراء ما يحتاجونه من غذاء ومواد تنظيف، لكنهم اليوم وبحكم الغلاء وانهيار العملة وحفاظا على بعض التوازن المالي يشترون من دكان الحي الضروريات فقط”.

وتضيف “كنت آخذ أطفالي معي حين أذهب للتبضع من السوبرماركت، ولا أعترض حين يأخذ أحدهم شكولاتة أو آيس كريم أو شيئا مما يحب، لكنني اليوم أذهب إلى دكان الحي لأشتري ما ينقصني ووجدت في ذلك نوعا من الادخار، فالبقالية لا تغريك بشراء ما لا تحتاجه، وأظنني سأحافظ على ارتياد محلات الحي”.

وقالت صفا سالم “حاولنا في رايز أب لبنان مساعدة أصحاب المحلات من خلال ورشات عمل تحت إشراف مدربين ومدربات لإيجاد طرق تساعدهم على تنشيط تجارتهم. كنا نساعدهم أيضا بالتمويل والتوريد والتواصل الاجتماعي”.

وقال صاحب دكان فضّل عدم ذكر اسمه “بعد أن صار سكان الحي يأتون إليّ في الميني ماركت زادت المداخيل بنسبة 20 إلى 30 في المئة، ونحن نقدم عملية التوصيل باعتبارنا نعرف أغلب السكان”.

وسعت مبادرة رايز أب لبنان أولا لجمع التبرعات عبر الإنترنت للبدء تحت مظلة منظمة غير حكومية تسمى “من قلبي”.

وتعتمد المبادرة حاليا على أموال محلية ودولية من أجل مواصلة مهمتها.