العراق ينتظر العوائد الاقتصادية للمدن الصناعية الجديدة

وعود حكومية بإنقاذ القطاع الصناعي الغارق في الأزمات.
السبت 2021/02/06
محاولات مضنية لإيقاظ الصناعة

يدرك المسؤولون العراقيون مدى سوء الأوضاع المالية التي تمر بها البلاد، لذلك يحاولون الإسراع في تنفيذ استراتيجية طموحة لبناء مدن صناعية في مختلف المحافظات، بهدف تعزيز الإيرادات وتوفير فرص عمل للمواطنين الغاضبين من استشراء الفساد وسوء إدارة الطبقة السياسية للأزمة الاقتصادية.

بغداد - كشف وزير الصناعة العراقي منهل الخباز الجمعة، عن آخر تفاصيل تشييد خمس مدن صناعية في البلاد، في إطار خطط أعلنت عنها بغداد في أبريل من العام الماضي، لتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط الذي تمثل إيراداته أهم مورد لخزينة البلاد.

وبدأت الحكومة في وضع اللمسات النهائية للافتتاح الرسمي لمدينتين صناعيتين إحداها في محافظة ذي قار جنوب البلاد بعد اكتمال عمليات تشييد البنية التحتية، وهذه المدن تأتي كحافز مهم لتشجيع الاستثمارات في القطاع الصناعي.

ويؤكد محللون أن عددا من القطاعات على رأسها الصناعة، تعاني ضعفا شديدا في الإنتاج وأنها لم ترق إلى مستوى التحديات التي يواجهها العراق، في ظلّ استمرار انخفاض أسعار النفط، وتراجع الإيرادات ووباء كورونا، مما أثر سلبا على موازنة الدولة.

ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى الخباز قوله إن “المدينة الصناعية في ذي قار سيتم افتتاحها رسميا في غضون أسابيع قليلة، بعد الانتهاء من بعض اللمسات على المنشآت”.

ولفت إلى أن المدينة الصناعية في البصرة تم إنجازها بنسبة 70 في المئة وتحتاج إلى أشهر قليلة لافتتاحها، بالإضافة إلى مدن صناعية في الموصل وصلاح الدين والأنبار.

مصطفى الكاظمي أكد خلال افتتاحه معرض “صنع في العراق”، عزم حكومته على إعادة الاعتبار للصناعة العراقية

وتسعى الصناعة العراقية لتعزيز حضورها في السوق المحلية، عبر تفكيك العقبات، التي تكبلها بالنظر إلى رخص السلع المهربة، التي تتسرب عبر المنافذ الحدودية، وتقادم المصانع نتيجة الحروب.

وكشف الخباز أن الوزارة تتفاوض الآن مع مجموعة استثمارية عراقية أجنبية مشتركة لتقديم كافة التسهيلات لإنشاء مدينة صناعية طبية في العاصمة بغداد، حيث تم تخصيص الموقع وجاري العمل على الاتفاقات حول استملاك الأرض بغية إقامة المشروع.

ومن المتوقع أن يتم تشييد المدينة الطبية في بغداد، والتي ستنتج مستلزمات طبية وأدوية ومعدات وقائية في غضون ستة أشهر.

ولم يذكر الخباز قيمة المشروع بالتدقيق أو العوائد المتوقعة من المدن الصناعية، لكنه قال إن “المشروع بحاجة إلى أموال ومواد خاصة وذات مواصفات، فضلا عن اختيار الشركات المناسبة لتنفيذه”.

وفي نوفمبر الماضي، قالت وزارة الصناعة، إنها تعتزم إنشاء 9 مدن صناعية جديدة في المحافظات بعد إكمال تحويل ملكية الأراضي، وتعمل على إكمال تنفيذ 4 مدن أخرى عن طريق الاستثمار، وذلك في محافظات الديوانية والمثنى وبابل وواسط والنجف وميسان وصلاح الدين وديالى وكربلاء.

وتشير التقديرات إلى أن مساهمة الصناعة، التي كانت تنافس أفضل المنتجات العالمية، تراجعت إلى اثنين في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت تبلغ حوالي 10 في المئة قبل الغزو الأميركي في 2003، رغم وطأة الحصار الدولي في ذلك الحين.

ويعاني الاقتصاد العراقي من الشلل التام بعد 17 عاما من سوء الإدارة، وباتت الموازنة تعاني من الإدمان المفرط على عوائد صادرات النفط، في تلبية حاجات البلاد من السلع والخدمات المستوردة من الخارج.

وساهمت عوامل كثيرة في تدهور الصناعة أبرزها تولي مناصب المسؤولية من قبل شخصيات لا تتسم بالكفاءة، بسبب المحاصصة الطائفية وتشجيع الطبقات السياسية على الاعتماد على الاستيراد لتمرير صفقات الفساد.

كما عمقت سياسة إغراق السوق بالسلع الأجنبية أزمات الإنتاج المحلي وازدهار عمليات غسل الأموال وتهريبها واستنزاف العملة الصعبة، ما أدى إلى سقوط البلاد في أزمة اقتصادية خانقة بعد انحدار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014.

وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد أكد الشهر الماضي خلال افتتاحه معرض “صنع في العراق”، الذي أقيم على معرض بغداد الدولي، عزم حكومته على إعادة الاعتبار للصناعة العراقية، قائلا إن “دعم وحماية الصناعة المحلية شغلا حيزا كبيرا في الخطط الحكومية”.

منهل الخباز: خلال أشهر قليلة سنفتتح خمس مدن صناعية جديدة

وأضاف “نعمل حاليا على تهيئة البنى التحتية الضرورية لخلق بيئة ملائمة لإحياء الصناعة العراقية من جديد، ونعول في هذا المسار على الطاقات الشبابية في بلدنا”.

ومنذ انهيار أسعار النفط، التي توفر حوالي 90 في المئة من الإيرادات الحكومية، تراجع الدخل الشهري للعراق بين 2.5 و3.5 مليار دولار، وهذا يعني أن بغداد تعاني من عجز شهري يتراوح بين 3.5 و4.5 مليار دولار.

وبلغت الأزمة ذروتها عندما وجدت الحكومة أن خزائنها فارغة لحظة استحقاق دفع رواتب الموظفين في سبتمبر الماضي، ما أجبرها على توقيع قانون للاقتراض الداخلي، يهدد احتياطي البلاد من العملة الصعبة، الذي يتكفل بحماية قيمة العملة المحلية.

ويحتاج العراق إلى حوالي 40 مليار دولار سنويا لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين، وكل أولئك الذين يتقاضون مبالغ شهرية ثابتة من الحكومة. ولا توفر عائدات بيع النفط سوى مبلغ قريب من حاجة الرواتب.

وبسبب كل هذا بدأت احتياطات العراق من العملة الصعبة في النفاد، ومع صيف العام القادم ستنخفض احتياطات العراق من العملة بشكل خطير، مما يجعل الدولة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.

وأثارت نسبة العجز القياسية في الموازنة العراقية للعام 2021 جدلا واسعا، وطرحت تساؤلات حول هوامش تحرك الحكومة لسد الفجوة المالية وتغطية النفقات، وهو ما دفع البرلمان إلى مطالبة الحكومة بمراجعتها.

ومع تغيير سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية مؤخرا من 1190 دينارا لكل دولار إلى 1450 دينارا لكل دولار، وتقدير الأرقام الواردة في الموازنة بالدينار العراقي وفق سعر الصرف الجديد، اتسعت الهوة بشكل مخيف بين حجم النفقات والواردات المتوقعة.

ويتوقع مشروع الموازنة أن تبلغ النفقات الكلية للدولة العراقية في 2021 ما قيمته نحو 113 مليار دولار، بعد أن توقع وصول الإيرادات إلى أكثر من 63 مليار دولار، وتعني هذه المعادلة أن قيمة العجز المتوقعة تبلغ 50 مليار دولار.

10