عروض الأزياء تنير أفغانستان المحافظة

شباب وشابات يسعون لإظهار وجه بلاد أفضل من الحروب.
الخميس 2021/02/04
ألوان زاهية لحياة أفضل

يطالب المحافظون في جل المجتمعات الشبابَ بأن يعيشوا مثلما عاش أجدادهم وآباؤهم، والحال أن الأزمنة لا تتشابه. فالشباب في أفغانستان يقبلون على الحياة والحرية، من ذلك أن عارضي وعارضات أزياء يواجهون اليوم تحديات جمّة من أجل أن يتقدموا في عالم الموضة ويجعلوه تقليدا في بلاد أنهكتها الحروب.

كابول - ثمة محظورات كثيرة في المجتمع الأفغاني التقليدي، أحدها عروض الأزياء التي تقام أمام المتفرجين على خشبة مسرح ضيّقة، حيث تعد مخالفة لتعاليم الإسلام، ويربطها السكان بالبغاء.

ولئن ارتبط اسم أفغانستان بالحروب وإراقة الدماء، بسبب ما شهدته خلال أربعة عقود من صراعات مدمرة ومستمرة، فإنه لا يمكن اعتبار هذا الوضع الدامي هو الحال الوحيد الذي يسود البلاد، فثمة شباب متعطشون إلى تحقيق التقدم والتغيير.

من هؤلاء الشباب حامد والي (27 عاما) الذي دخل مجال صناعة الأزياء عندما كان يدرس في الهند، وأسس عام 2019 أول وكالة محترفة لعروض الأزياء في كابول، أطلق عليها اسم “مودلستان”.

وتحدث والي، الذي يحتفظ بشاربه ويرتدي سروالا مخططا، عن أولى تجاربه في هذا المجال قائلا “إنها كانت شيئا غريبا بالنسبة إلى السكان المحافظين”، مضيفا “إنهم لم يعرفوا كيف يتصرفون إزاء هذا الحدث”.

ورغم أن والي يعلم الأحكام المسبقة داخل المجتمع الأفغاني المحافظ، نظم عام 2020 مسابقة في إطار الاحتفال بعيد الحب (فالنتاين)، وقف فيها عارضو وعارضات الأزياء على البوديوم تحت اسم “مستر وميس فالنتاين”.

وسارت سلمى (20 عاما)، ابنة إقليم باميان، على بساط العرض مرتدية قميصا باللونين الوردي والأصفر، وبنطالا أبيض قبل أن تحصل على وشاح الفوز.

عارضو وعارضات الأزياء مصرون على تقديم وجه مشرق لبلادهم على الرغم من انتقادات أغلبية الناس من المحافظين

وقالت الشابة آنذاك “عيد الحب معروف في كل أنحاء العالم، والآن يجد مكانه في أفغانستان أيضا، احتفلنا بعيد الحب بعرض الأزياء هذه المرة، لكننا سنقدم عددا من عروض الأزياء في المستقبل”.

وفي ديسمبر الماضي نظم والي هذه المسابقة التي سار خلالها 60 من العارضين والعارضات فوق خشبة العرض الضيقة، واختارت لجنة التحكيم في النهاية أفضل عارض وعارضة لعام 2020.

واتسمت تعليقات الكثيرين على منصات التواصل الاجتماعي بالغضب، حيث انتقدوا ملابس العارضات، ووصفوا المشي على خشبة مسرح العرض والتوقف أمام الجمهور بأنهما من الممارسات التي تنتمي إلى الثقافة الغربية ولا تليق بدولة محافظة. وأشاد عدد محدود من المعلّقين بشجاعة العارضين، معربين عن اعتقادهم في أن هذه الخطوة تمثل تحسنا إيجابيا.

وعلّق والي “إنهم يعتقدون في الغالب أن بعض المنظمات الغربية وغير الإسلامية هي الراعي لهذه المسابقة، وأننا نسعى إلى الترويج لثقافة بعيدة عن الثقافة الأفغانية، غير أن هذا الاعتقاد ليس صحيحا”، مضيفا أنهم يعتقدون أن هذه الفكرة لها علاقة بالبغاء، “وهذا ما يسبب الاستياء البالغ لدى الشباب المتفتحين”.

وتفاقمت المشكلة عندما بدأت عائلات العارضات تظهر الشكوى، بعد أن سمعت بعض الأحاديث السيئة من الأقارب والدوائر المقربة منها.

ولا تتعلق التحفظات بالنساء فحسب؛ فمثلا نجد أن مرتضى صافي الفائز بلقب أفضل عارض، يواجه صعوبات خلال سعيه لتحقيق أحلامه بعد أن عارض والده قراره بأن يصبح عارضا للأزياء، لأنه يعتقد أن هذه المهنة تجلب إلى العائلة العار.

وأصبحت المشكلة، بالنسبة إلى العارض صافي الذي يبلغ من العمر 19 عاما، حادة إلى درجة أن أباه أجبره على حلق شعر رأسه قبيل موعد إجراء مسابقة لعروض الأزياء.

Thumbnail

ومع ذلك لا يزال صافي يسافر سرا من المقاطعة التي يقيم فيها شمالي العاصمة كابول، حيث فاز على العديد من منافسيه.

وأوضح صافي أنه منذ ذلك الحين وجد أن الكثير من معجبيه ينتظرون مشروعه القادم، وقال “لديّ خطط كثيرة”.

وأضاف “إننا نحاول أن نظهر للعالم الوجه الجديد لأفغانستان”.

وقالت عارضة الأزياء وحيدة عبادى “نعلم أن أغلب الأفغانيين يعتقدون أن مثل هذه العروض أمر سيّء وخطأ، تلقينا اعتراضات من الناس، لكني أقول لهم إنه ليس بالأمر السيء، وينبغي أن ينظروا إليه بشكل إيجابي، فنحن نريد أفغانستان حرة ينعم فيها الناس بالسلام”.

وأضافت “نريد أن يرى العالم الخارجي صورة مختلفة للمرأة الأفغانية”، متابعة “رأيت أن هناك فكرة مختلفة عن المرأة الأفغانية خارج أفغانستان، يعتقدون أنها تضع البرقع، وتجلس في المنزل، ولكن هذا ليس صحيحا، الفتيات الأفغانيات جميلات”.

أما نيجارا سادات الفائزة بلقب أفضل عارضة أزياء، فتفضل الابتعاد عن وسائل الإعلام بعد فوزها في المسابقة، بسبب التهديدات التي تلقتها والمشكلات التي تواجهها أسرتها.

ورغم التهديدات المباشرة لا يخاف الشباب من حركة طالبان الإسلامية وغيرها من المتطرفين الذين يملكون نفوذا هائلا في البلاد.

----

ويقول مؤسس وكالة عروض الأزياء “إنني لا أفعل أي شيء يتعارض مع معتقداتهم”، مشيرا إلى أنه توجد وكالات لتنظيم عروض الأزياء في الكثير من الدول الإسلامية.

ورغم كل المشكلات والمصاعب، هناك جيل جديد يحب أن يعبر عن وجهات نظره الشخصية بعيدا عن التقاليد، على سبيل المثال انضمت هوما سارفرازي -التي تبلغ من العمر 22 عاما- إلى وكالة والي مؤخرا، وهي تعيل أسرتها بمفردها بعد أن فقدت أباها عندما كانت طفلة، وتساند أسرتها قرارها.

تقول “عندما التحقت بهذه الوظيفة، واجهت ردود فعل مختلفة، ولكني لم أتوقف عن العمل بسبب ردود الفعل السلبية، وكنت أخبر من ينتقدني أنني ما دمت حية سأتبع طريق ما يمليه عليّ حماسي وشغفي”.

وتفيض هذه العارضة الشابة بأحلام مستقبلية كبرى، وتقول “أريد أن أصبح مشهورة ذات يوم، بحيث يعرف كل شخص اسمي”.

وعلى الرغم من الأحكام السلبية التي تتردد داخل بلدهم، يعرب العارضون والعارضات عن أملهم في إظهار صورة لأفغانستان لم يرها الناس من قبل، كما أن لديهم رسالة يبعثون بها إلى العالم، تقول “إننا موجودون، ولدينا موهبة، فقط امنحونا الوقت والفرصة”.

20