مدير عام الأمن اللبناني رجل المهمات المتشعبة لتحرير الرهائن

بيروت – برز اسم مدير عام الأمن اللبناني عباس إبراهيم مجددا خلال الأيام الأخيرة، بعد نجاح وساطته في الإفراج عن لبنانيين كانوا مسجونين في الإمارات.
ونجح إبراهيم خلال السنوات الأخيرة في أن يبني لنفسه موقعا يتجاوز صلاحياته الأمنية، ليكون “الوسيط” النافذ الذي نجح في إطلاق رهائن، بينهم غربيون، ودخل على خط التقريب بين القوى اللبنانية المتناحرة.
ويُعدّ اللواء عباس إبراهيم (61 عاما) الشخصية الشيعية التي تتولى المنصب الأمني الأرفع في لبنان، البلد الصغير الذي يقوم نظامه على مبدأ المحاصصة، وحيث لا يمكن تعيين مسؤول رفيع من دون موافقة مرجعيته السياسية والطائفية.
ويقول متابعون إن إبراهيم ما كان ليلعب هذا الدور الواسع لولا علاقته الوثيقة بحزب الله. كما يرى كثيرون أن نشاطه هذا يمهد له لدخول ميدان السياسة من بابه الواسع، متنبئين بأن يخلف الزعيم الشيعي القوي نبيه بري في رئاسة مجلس النواب في يوم من الأيام.
ورغم أنه يظهر في الإعلام أكثر من غيره من المسؤولين الأمنيين الآخرين أو الذين سبقوه، لكن جوانب كثيرة من شخصيته وعلاقاته التي تسمح له بإتمام صفقات تبدو للوهلة الأولى أنها مستحيلة، تبقى محاطة بالأسرار والغموض.
منذ التحاقه بالجيش كتلميذ ضابط في سن التاسعة عشرة، تدرّج إبراهيم ذو الملامح الجدية في السلك العسكري، وتولى مسؤوليات عدة آخرها في مديرية المخابرات، قبل تعيينه على رأس الأمن العام.
وتزامن تسلّم إبراهيم مهامه في 2011 مع اندلاع النزاع في سوريا المجاورة. ومن بوابة النزاع السوري، برز اسمه في ملفين رئيسيين قاد التفاوض بشأنهما بالتعاون مع قطر، الأول “مخطوفو أعزاز”، وهم لبنانيون شيعة احتجزتهم مجموعة سورية معارضة لمدة 17 شهرا لدى عودتهم برا من زيارة حج إلى إيران، وأُفرج عنهم في خريف 2013. أما الملفّ الثاني فهو تحرير راهبات دير معلولا اللواتي خطفتهن “جبهة النصرة” لأربعة أشهر، في قضية استقطبت اهتمام وسائل الإعلام حول العالم.
ومنذ ذاك الحين، بات إبراهيم مقصد كل من لديه محتجز في سوريا. وأثمرت وساطاته الإفراج عن المواطن الكندي كريستيان لي باكستر والأميركي سام غودوين في صيف 2019.
وتمكن بعد وساطة مع إيران من إخراج اللبناني المقيم في الولايات المتحدة نزار زكا، من أراضيها بعد أكثر من ثلاث سنوات على اعتقاله بتهمة التجسس لصالح واشنطن.
وبعد وساطة استمرت عامين، وصل تسعة لبنانيين الأسبوع الحالي إلى بيروت، بعدما كانوا محتجزين في الإمارات التي أوقفت خلال السنوات الماضية لبنانيين كثرا، بتهمة الارتباط بحزب الله المدعوم من طهران، الخصم الإقليمي الأبرز لدول الخليج.
ويعمل إبراهيم منذ أشهر على ملف الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي فُقد أثره قرب دمشق صيف 2012. وقد التقى والديه في واشنطن في أكتوبر على هامش تسلمه جائزة من مؤسة “جيمس فولي فاونديشن” لدوره في إطلاق الرهائن.
ويعرف عن إبراهيم الذي يطلّ على الإعلام دائما بملابس مدنية رسمية، تكتّمه على المهمات والمفاوضات التي يتولاها بسرية مطلقة ولا يفصح عن تفاصيلها.
“ساعي بريد”
قام إبراهيم بزيارات خارجية عدة خلال السنوات الأخيرة، بدءا من سوريا، مرورا بدول خليجية، فواشنطن وفرنسا لبحث سبل المساعدة لإخراج لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية.
ويلعب أحيانا دور المهدئ في الداخل، مثل محاولته حاليا تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون وسعد الحريري المكلف بتشكيل حكومة جديدة، بعدما وصلت مساعي تأليف الحكومة إلى طريق مسدود. ووفق التقارير الإعلامية، يقود هذا المسعى بتفويض من حزب الله وحليفته حركة أمل الشيعية.
ويرفض إبراهيم وصفه بـ”ساعي بريد للسلطة”، ويقول “لا أحد يطلب مني أن أتدخل، أنا دائما صاحب المبادرة انطلاقا من قراءتي السياسية، لكنني بالتأكيد لا أقدم على أي خطوة قبل مناقشتها مع الرؤساء والمعنيين وأخذ الضوء الأخضر”.
ويربط نجاح مساعيه بـ”شبكة علاقاتي وقدرتي على التواصل مع الجميع”. ويقول “حين أتولى وساطة ما، لا تكون لدي أي أجندة خاصة”، معتبرا أن مساعيه تنسجم مع منصبه على رأس مؤسسة من أبرز مهامها “جمع المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحساب الحكومة”.
وعما إذا كان تصنيفه بـ”رجل حزب الله” يزعجه، يجيب “أبدا لا يزعجني، ثمة من يتهمني بأنني على تواصل مع الأميركيين. يهمني الحكم عليّ بعدما أنهي كل مهمة”.
لكن في لبنان، ينقسم اللبنانيون إلى حدّ بعيد في تقييم عمل عباس إبراهيم، فالبعض يشيد به وبدوره الفعال، بينما لا يثق به آخرون بسبب علاقته بالحزب الشيعي، القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذا في لبنان في الوقت الحالي.
ويربط محللون دور إبراهيم بالدرجة الأولى بـ”ثقة” حزب الله فيه، إذ يقول المحلل السياسي علي الأمين “اكتسب إبراهيم حضورا أمنيا وسياسيا من كفاءة امتلكها من أدوار لعبها في الجيش، ومن مهمات حساسة تولاها في إدارة المخابرات في الجنوب”، معقل حزب الله.
ويرى أن هذه الثقة “هي القاعدة التي أهّلته لأن يكون مدخلا دوليا وعربيا للتواصل مع حزب الله بما يتصل بالعناوين اللبنانية الأمنية”، موضحا أنه يدرك جيدا أنّ “أي اختلال بهذه الثقة تعني اليوم نهايته الوظيفية والسياسية”.
ويؤكد الأمين أنّ “شيعية عباس إبراهيم تجعله في موقع يؤهله لأن يلعب دورا سياسيا مستقبليا”.
أما إبراهيم فيقول لدى سؤاله عن احتمال خوض الانتخابات والترشح إلى رئاسة البرلمان، “وجدانيا، أطمح إلى التقاعد في قريتي، لكنني لا أعلم ماذا ستحكم الظروف وإلى أين ستأخذني”.