الهجرة غير الشرعية عقبة جديدة أمام تسوية الخلافات التركية – الأوروبية

تبذل تركيا جهودا حثيثة لتطبيع علاقاتها مع أوروبا وتجاوز الخلاف الأكثر تعقيدا بشأن حقوق التنقيب عن الغاز الطبيعي شرق المتوسط، إلا أن ذلك حسب مراقبين لا يمكن البناء عليه لبدء صفحة جديدة مع تفجر ملف المهاجرين غير الشرعيين مجددا، وهو الملف الأكثر إثارة للانقسام داخل الاتحاد الأوروبي.
أثينا – طلبت اليونان المساعدة من الاتحاد الأوروبي من أجل “العودة الفورية” للمئات من المهاجرين إلى تركيا المجاورة، رفضت السلطات اليونانية منحهم اللجوء وترفض أنقرة استقبالهم، ما يفتح فصلا جديدا من الخلافات مع الاتحاد الأوروبي يقوّض آمال أنقرة في بدء صفحة جديدة.
وتم تقديم الطلب إلى المفوضية الأوروبية وإلى وكالة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي فرونتكس، ويتعلق “بالمهاجرين من دول ثالثة، الذين لا يتمتعون بالحماية الدولية”.
وأوضحت أثينا أن طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم يعيشون حاليا في مخيمات إيواء وتسجيل في الجزر اليونانية الواقعة بالقرب من الساحل التركي، وهم 995 شخصا في ليسبوس و180 في خيوس و187 في كوس و128 في ساموس.
وأشار وزير الهجرة نوتيس ميتاراخي إلى أنه “يتعين على أوروبا إنشاء آلية مشتركة للتعامل مع هذه المشكلة في إطار الميثاق الأوروبي الجديد بشأن اللجوء، ولكن أيضا لتطبيق الإجراء القانوني العملي اللازم للسماح بهذه العودة”.
ويرى مراقبون في طلب أثينا إحراجا جديدا للمفوضية الأوروبية وعقبة أمام تركيا من أجل تجاوز خلافاتها مع الاتحاد الأوروبي.
ويشير هؤلاء إلى أن الطلب اليوناني وضع أنقرة أمام ضرورة الاستجابة واستعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين انطلقوا من على أراضيها وهو ما ترفضه حاليا، كما أن الطلب يحرج أيضا المؤسسات الأوروبية الساعية إلى التخلص من ملف الهجرة، الذي يستثمره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ابتزازاها سياسيا واقتصاديا.
ويحرص الاتحاد الأوروبي على تجنب تكرار أزمة المهاجرين، التي وقعت في عامي 2015 و2016 وشهدت دخول أكثر من مليون لاجئ، أغلبهم من الشرق الأوسط وآسيا، إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر تركيا واليونان.
وكانت تركيا توصلت مع الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق في مارس 2016، ينص على إعادة اللاجئين الموجودين في اليونان إلى تركيا إذا لم يحصلوا على حق اللجوء في أوروبا.
كما يشترط الاتفاق على الاتحاد الأوروبي استقبال لاجئين سوريين من تركيا بطريقة شرعية، إلى جانب تعهده بتقديم مساعدات مالية بقيمة 6 مليارات يورو لدعم الحكومة التركية في تقديم خدمات للاجئين على أراضيها.
وفي المقابل، تعتبر تركيا الدعم الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي لتمكينها من إيواء نحو أربعة ملايين مهاجر، يريد قسم كبير منهم التوجّه إلى أوروبا، غير كاف.
ويبدو أن أنقرة تريد المزيد من الأموال وتسهيل حصول الأتراك على تأشيرات دخول الاتحاد الأوروبي، والتقدم في مفاوضات التوقيع على اتفاق جمركي بين الطرفين للالتزام ببنود الاتفاق.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أكد في ديسمبر أنه صرف مساعدة بقيمة ستة مليارات يورو التي تعهد بها لتركيا في عام 2016. وتهدف هذه الأموال إلى تمويل مشاريع معينة في تركيا تلبي احتياجات اللاجئين.
وفي وقت تتحدث فيه أثينا عن بضع مئات من المهاجرين الذين فشلت أثينا في إعادتهم إلى تركيا، فإن حكومة العدالة والتنمية تقول إن حكومة اليونان أجبرت أكثر من 78 ألف طالب لجوء على العودة إلى المياه الإقليمية التركية خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتقول أثينا إنه تمت عودة 139 لاجئا فقط في عام 2020 قبل أن توقف أنقرة هذه العملية في مارس.
ويأتي تفجر ملف الهجرة المثير للانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، في وقت تستأنف فيه المحادثات بين أنقرة وأثينا لحل النزاعات الإقليمية طويلة الأمد بين اليونان وتركيا في شرق المتوسط، بعد أشهر من التوترات بين البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وعلى الرغم من قبول الطرفين الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد طلب تركي لحل الخلافات بشأن حقوق التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، لا تزال اليونان تحشد لفرض عقوبات أوروبية أكثر قسوة لوقف الاستفزازات التركية.
وتعزو اليونان قبولها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات إلى إتاحة الفرصة للمحادثات الفنية والدبلوماسية لتبديد الخلاف مع أنقرة، لكن ذلك يجب أن يكون بالتوازي مع احتمال فرض عقوبات في مارس المقبل إن لم تحترم أنقرة تعهداتها بخفض التصعيد.
وكانت تركيا قد خفضت التصعيد في وقت سابق شرق المتوسط، وسحبت سفينة تنقيب قبل انعقاد قمة أوروبية للنظر في فرض عقوبات عليها، لكنها تراجعت عن تعهداتها بعد أن أفلتت من العقوبات.
وتنطلق الجولة الـ61 من المحادثات الاستكشافية بين تركيا واليونان في مدينة إسطنبول في 25 يناير الجاري، فيما انطلقت الجولة الأولى من المحادثات الاستكشافية بين البلدين عام 2002، من أجل تحضير أرضية لحل “عادل ودائم وشامل” يقبله الطرفان من أجل مشكلات بحر إيجة، وانعقدت آخر جولة منها في 1 مارس 2016 بالعاصمة أثينا.
وبعد ذلك التاريخ، استمرت المفاوضات بين البلدين على شكل مشاورات سياسية، دون أن ترجع إلى إطار استكشافي مجددا، بسبب تراجع أنقرة عن تعهداتها واتخاذها خطوات أحادية الجانب.
وهدد الاتحاد الأوروبي العام الماضي، باحتمال فرض عقوبات على أنقرة بسبب الخلاف، لكنه علق اتخاذ أي إجراء حتى مارس. ودعت تركيا في الأسابيع القليلة الماضية مرارا إلى تعزيز الروابط مع الاتحاد.
وكانت فرنسا قد قادت مطلع ديسمبر جهود الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات تمهيدية على تركيا، على أن يتم فرض عقوبات مشددة أكثر في مارس المقبل في ضوء التقييم الأوروبي لسلوك أنقرة في شرق المتوسط.
وشملت العقوبات التمهيدية أفرادا يعملون في مجال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، فيما لم توجه العقوبات إلى الاقتصاد التركي، ما دفع مراقبين إلى اعتبارها “غير كافية”.
ويعزو متابعون عدم استهداف العقوبات للاقتصاد التركي إلى حالة انقسام داخل أروقة التكتل الأوروبي، ففي وقت تدعم فيه دول مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا المزيد من المفاوضات، تدعو النمسا وفرنسا إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة حيال أنقرة.