هل تنهض سوريا من تحت الركام بعد عقد من الحرب؟

الجزء الأسوأ من الحرب السورية انتهى.. في انتظار إعادة العلاقات مع بقية العالم إلى طبيعتها.
الجمعة 2021/01/15
الفرار من الخراب

لندن - فتحت الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات في ظل الجدل القائم داخل دوائر صنع القرار في عواصم القوى العظمى، ملف مستقبل سوريا بعد عقد من الحرب الأهلية، وذلك في ضوء المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة، التي شهدتهما الساحتان الدولية والإقليمية في الأشهر القليلة الماضية.

وتعتبر سوريا حاليا بلدا في حالة خراب، ومع ذلك لا تزال الدولة مهمّة وأساسية لتوازن منطقة الشرق الأوسط، ويظهر الدور الذي لعبته حتى الآن في الصراع، من قبل روسيا وإيران وتركيا، وإن كان بشكل هامشي، من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويرى جيانكارلو إيليا فالوري الرئيس المشارك لمجلس المستشارين الفخري (كوساما)، أن ما حصل في سوريا بدا في البداية أنه ضمن سياق “الربيع العربي”، لكن في الواقع كان محاولة لاستغلال عدم الشعبية الدولية لنظام بشار الأسد.

جيانكارلو إيليا فالوري: سوريا نجت من تأثير ما يسمى "الربيع العربي" الكاذب
جيانكارلو إيليا فالوري: سوريا نجت من تأثير ما يسمى "الربيع العربي" الكاذب

وأشار في تقرير نشرته مجلة “موديرن بوليسي” الأوروبية، إلى أن الاحتجاجات التي تحوّلت إلى حرب، غيرت الميزان الإقليمي لصالح تركيا وقطر والميليشيات المتطرفة التي كانتا تدعمانها ضمن سياسة المحاور، ولذلك خلفت المعارك مأساة كبيرة تحتاج إلى سنوات حتى تزول.

وبالنظر إلى أهمية سوريا في المنطقة وفي توازن منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا، فالتطورات المستقبلية المحتملة للوضع الجيوسياسي الناجم عن الصراع، ستكون ضمن سياق الأزمة التي مرت بخمس مراحل، وفق فالوري، والتي انقلبت لتكون النتيجة الأكثر دموية وانفجارية لظاهرة ما يسمى بـ”الربيع العربي”.

ولقد انطلقت المرحلة الأولى من الاحتجاجات في مارس 2011، عبر مظاهرة طلابية في درعا خرجت إلى الشوارع ضمن موجة الاحتجاجات الأولى في مصر وتونس للمطالبة بإسقاط بشار الأسد ونظامه، لكن كان القمع البوليسي للتظاهرات قاسيا للغاية، كما ساهمت في ذلك المعلومات المضللة التي أطلقتها قناة الجزيرة، التي تدافع عن مصالح الإخوان المسلمين.

وفي المرحلة الثانية، وفي الوقت الذي بدأ فيه النظام السوري يفقد السيطرة على أراض استراتيجية في شمال وجنوب البلاد، متنازلا عن مدينة حلب للمسلحين، فإن إيران التي كانت قلقة على مصير النظام والأقلية العلوية، أقحمت الشيعة وميليشيات حزب الله في الصراع، بدعم من مستشارين عسكريين من الحرس الثوري.

وتميزت المرحلة الثالثة بتدويل الصراع، مع ظهور داعش والتدخل الأميركي والتركي، ففي يونيو 2014 وفي مواجهة التهميش الكامل للأقلية السنية من قبل الأغلبية الشيعية في العراق، سرعان ما احتل التنظيم مدينة الرقة وأراضيها في الشمال الشرقي على الحدود مع تركيا وكردستان العراق، بفضل المساعدة التركية التي هددت بإبادتها في البداية.

وكانت العزلة الدولية للنظام شبه مطلقة، وهذه الحالة طبعت المرحلة الرابعة، وبدا أن داعش وجبهة النصرة سيحققان انتصارا يسلم سوريا إلى الأصوليين، ويعيد تركيا العثمانية الجديدة التي يقودها رجب طيب أردوغان إلى وسط مشهد الشرق الأوسط، لكن في ذلك المنعطف، دخلت روسيا الميدان مباشرة بقواتها مما أدى إلى قلب مسارات الصراع.

ويؤكد فالوري أن سوريا نجت من تأثير ما يسمى “الربيع العربي” الكاذب، والذي تم تحليله بشكل سيء من قبل الغرب، الذي وصفه فالوري بـ”قصير النظر والسطحي”، ولم يتم فهمه في البداية بالمعنى الأكثر واقعية، وهو محاولة منسّقة جيدا من قبل الجزء الأكثر رجعية في السياسة الإسلام السياسي للإطاحة بالحكومات العلمانية في العالم العربي الإسلامي.

إعادة الإعمار.. عملية معقدة
إعادة الإعمار.. عملية معقدة

ويعتقد أن الجزء الأسوأ من الحرب السورية انتهى، فرغم هزيمة المتطرفين إلا أنهم ما زالوا يسيطرون على البعض من الأجزاء من شمال شرق سوريا، ولا يزالون قادرين على شن هجمات متفرقة ضد القوات المسلحة النظامية. ولا تزال تركيا تشكل تهديدا لاستقرار سوريا، وهي دولة نصف مدمرة، واقتصادها منهار نتيجة العقوبات الأميركية ووباء كورونا.

وتعمل مصر ودول الخليج وروسيا على إعادة العلاقات السورية مع بقية العالم إلى طبيعتها، وبالتالي اتخاذ الخطوات الأولى في عملية إعادة البناء المادي لبلد مدمر، كما أن الصين وكوريا الشمالية طرفان أيضا في اللعبة التي ستكون لها في المستقبل تداعيات اقتصادية إيجابية مهمة على أبطال العملية.

ولدى أوروبا والولايات المتحدة موقف الانتظار والترقب، وهما راضيتان عن الحفاظ على نظام العقوبات العشوائية التي لها آثار سلبية ليس على استقرار النظام فحسب، ولكن على رفاه مواطنيه.

والمؤكد أنه بعد عقد من الحرب، تتمتع سوريا بالحق في السلام وإعادة الإعمار وهي عملية معقدة يجب أن تنظر فيها أوروبا ببراغماتية وعقلانية، مذكّرة بتصريح وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر بأنه “لا يمكن أن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط دون سوريا”.

7