ذوبان جليد القطب الشمالي.. رزق ذو حدين لروسيا

موسكو – تسعى روسيا، التي تمتلك وحدها أكثر من نصف السواحل المطلة على القطب الشمالي في العالم، إلى الاستفادة من إمكانية الوصول المتزايدة إلى المنطقة خلال السنوات المقبلة مع استمرار ذوبان الجليد، جراء التغير المناخي الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
ووفقا لاستراتيجية الكرملين للخمسة عشر عاما القادمة لتطوير المنطقة، والتي وقعها الرئيس فلاديمير بوتين في أكتوبر الماضي، فإن أكثر من 80 في المئة من إمدادات الغاز الطبيعي بالبلاد تأتي من القطب الشمالي. وكما هو معروف فإن الغاز هو من بين الصادرات الرئيسية للبلاد.
ويعني اعتدال درجات الحرارة تسهيل حركة الملاحة عبر “طريق بحر الشمال”، وهو ممر شحن بحري يمر في أقصى الشمال الروسي ويربط بين أوروبا وآسيا، وذلك مع ذوبان الجليد.
ولفت الكرملين إلى أن استخدام هذا الممر “سيزداد نتيجة للتغير المناخي”. إلا أن سهولة الوصول هذه لها ثمنها، حيث يزيد تغير المناخ من احتمالات حدوث حرائق غابات وفيضانات مدمرة، وغير ذلك من الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي في مناطق أخرى في روسيا، أكبر دولة في العالم من حيث المساحة.
ويقول ديمتري دوبرينين، خبير شؤون القطب الشمالي في مركز جامعة موسكو الرسمية للأبحاث البحرية، إن من بين المخاوف الأخرى التي قد تؤثر على تنمية المنطقة تَشكّل عواصف أقوى وازدياد نشاط الأمواج في القطب الشمالي.
وأضاف، “الجليد العائم بدأ في التناقص بالفعل، وقد تزامن ذلك مع مهمة الحد من تأثير الأمواج”.
وقال دوبرينين “مجموعتي البحثية قلقة للغاية بشأن ظاهرة تأثير الأمواج المتزايدة على السواحل، وعلى السفن وعلى الهياكل التي أقامها الإنسان”.
وفوق كل هذا، فقد أثار تسرب الديزل الضخم الذي شهده القطب الشمالي في مايو مخاوف كبيرة لدى دعاة حماية البيئة، من أنه يمكن أن تكون هناك عواقب كارثية لزيادة النشاط الاقتصادي في المنطقة البكر إلى حد كبير.
وخلال ذلك الحادث، تسرب ما يقدر بنحو 20 ألف طن من وقود الديزل من خزان بمحطة للطاقة الحرارية تشغلها شركة التعدين الروسية العملاقة “نوريلسك نيكل” في شبه جزيرة تايمير في القطب الشمالي.
وقالت منظمة “غرينبيس” (السلام الأخضر) المعنية بالبيئة، في بيان في ذلك الوقت، إن “هذه هي واحدة من أكبر حوادث تسرب المنتجات النفطية على الإطلاق في القطب الشمالي الروسي”.
ولفتت إلى أن الحكومة الروسية بحاجة إلى “إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الذي تعتمده البلاد والقائم على الوقود الأحفوري والإساءة للبيئة”.
ويعتمد الاقتصاد الوطني الروسي على صادرات السلع، لاسيما الغاز الطبيعي والنفط والمعادن، مثل النيكل الذي تستخرجه “نوريلسك نيكل”، إحدى أكبر الشركات الروسية.
وتعد مدينة نوريلسك الروسية في القطب الشمالي، وهي مركز لشركة التعدين، واحدة من أكثر مدن العالم تلوثا، حيث ترتفع نسب التلوث في الهواء من جراء صهر خام النيكل.
ولكن، هل ستؤثر مثل هذه الحقائق على روسيا هذا العام عندما تتولى الرئاسة الدورية لمجلس “المنطقة القطبية الشمالية”، وهي منظمة حكومية دولية تضم الدول الثماني التي لها أراض تخضع لسيادتها في القطب الشمالي، ومن بينها الولايات المتحدة وكندا و”دول الشمال”؟
وأوضح مجلس المنطقة القطبية، في بيان، أن روسيا تخطط للتركيز، خلال رئاستها التي ستستمر حتى عام 2023 ، “على التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا”.
وأشار البيان إلى أن من أولويات روسيا أيضا تطوير طريق بحر الشمال “كخط شحن وطني موحد لروسيا الاتحادية”، لكن يبقى السؤال أيضا هو كيف ستوازن روسيا بين ما تسعى إليه وبين حقيقة التكاليف المترتبة عليه؟
وفي إشارة إلى التداعيات الناجمة عن تغير المناخ، قال بوتين قبل أكثر من عام بقليل، إن معدل ارتفاع درجة الحرارة في بلاده يتجاوز ضعف معدل ارتفاعها عالميا. مشيرا إلى أن هذا الارتفاع في درجة الحرارة هو سبب مباشر لزيادة حرائق الغابات والفيضانات.
وقدمت وزارة البيئة الروسية تقييما مماثلا في تقرير قبل تصريحات بوتين بثلاثة أشهر، وأوضحت أن السنوات الأربع السابقة شهدت أعلى درجات حرارة تم تسجيلها.
ويتوقع الخبراء أن يكون لاختفاء منطقة الجليد الأخير تأثير عميق على النظام البيئي المحيط في هذا الجزء من العالم. من الدببة القطبية إلى الطحالب الجليدية التي تزوّد البيئة بالكربون والأكسجين والعناصر الغذائية الأخرى. ستكون الخسارة هائلة.
ويقول هؤلاء، إنه إذا أردنا تجنب إحداث المزيد من الضرر والعواقب الكارثية التي قد تسببها، فهناك حل واحد فقط: خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والبدء في وقف الارتفاع السريع في متوسط درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم.