طالبان تشعر بالقوة وبتردد الأميركيين ولا تريد تضييع فرصتها

إسلام آباد- عندما بدأت الجولة الأولى من المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في سبتمبر الماضي، وهي المرة الأولى، التي يلتقي فيها الطرفان المتحاربان حول طاولة مفاوضات تم تحذيرهما من إضاعة الفرصة النادرة لتحقيق سلام دائم وأن عدم استثمارها يعني استمرار الحرب المستمرة لأكثر من أربعة عقود، والمزيد من الموت والدمار.
ومع استئناف المفاوضات الثلاثاء لإيجاد نهاية لعقود من الصراع المستمر تتلاشى الآمال ويتنامى الإحباط والخوف من تصاعد العنف في جميع أنحاء أفغانستان، في ظل إلقاء جانبي الصراع باللوم على بعضهما البعض على ما يحصل، مما زاد من منسوب الشكوك حول وقف إطلاق النار رغم أن طالبان تشعر أنها في موقف قوة وتريد استغلال الفرصة على أكمل وجه.
وتعكس تصريحات المسؤولين ذلك الموقف في الواقع فقد قال توريك فرهادي، مستشار الحكومة الأفغانية السابق، إن الحكومة وطالبان “أقليتان متحاربتان، والشعب الأفغاني محاصر بينهما. تقول إحداهما إنها تمثل الجمهورية، والأخرى تقول إننا نريد إنهاء الاحتلال الأجنبي والفساد لكن الحرب تتعلق فقط بالسلطة”.
وتبدو التوقعات لإحداث اختراق في جدار الأزمة ضئيلة، فالتغيير الذي سيحدث من جهة الولايات المتحدة هو أنه من المرجح أن تمدد الإدارة الأميركية الأيام الأولى من المحادثات حيث ينتظر الجانبان لمعرفة ما إذا كان الرئيس جو بايدن سوف يلتزم بالاتفاق الذي توسط فيه دونالد ترامب.
واقترحت كل من الحكومة وطالبان بنود أجندة المفاوضات، وفي هذه الجولة، سيقرر الجانبان العناصر التي يمكن دمجها وكذلك كيفية مناقشة البنود المنفصلة.
ويرى نادر نادري عضو فريق التفاوض الحكومي أن أول الفرص هي أن العديد من بنود أجندة المفاوضات متشابهة، وسيكون من السهل إحراز تقدم فيها لكنه حذر من أن تصاعد العنف سيزيد الضغط الشعبي على مفاوضي الحكومة مما قد يعرقل المحادثات.
وربما تكون اتفاقية تقاسم السلطة من أصعب البنود، فهناك القليل من الأدلة على أن حكومة كابول ستكون على استعداد لتقاسم السلطة أو أن طالبان ستكون مرنة بشأن من ستقبله في الإدارة الانتقالية.
وتريد الحكومة أن يكون وقف إطلاق النار على رأس أجندة المفاوضات، بينما تريد طالبان مناقشة تقاسم السلطة مع بعض الالتزام بالشكل الذي قد تبدو عليه أفغانستان بعد الحرب. ثم هناك مسألة كيفية نزع سلاح طالبان والميليشيات الموالية لأمراء الحرب، بعضهم متحالف مع الحكومة، والبعض الآخر في المعارضة.
وتصاعد العنف جعل جميع الأطراف توجه أصابع الاتهام لبعضها البعض. زتلقي الحكومة باللوم على طالبان في سلسلة من عمليات القتل المستهدف ضد النشطاء والصحافيين والقضاة والمحامين. ونفت طالبان بعض الهجمات، واتهم المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد الاثنين الولايات المتحدة بضرب معاقل طالبان التي ليس لها أهمية عسكرية.
وقد أظهر مقطع فيديو ثلاثة رجال ملتحين يحملون علم طالبان ويقولون إن طالبان، وليس تنظيم داعش، نفذوا هجوماً على جامعة كابول في ديسمبر الماضي أسفر عن مقتل 25 طالباً ومعلماً. ونفت الحركة هذا الهجوم. وقد اتهم بعض المحللين الحكومة بإدانة طالبان بذلك المقطع ولكن أعلن داعش مسؤوليته عن الهجوم وصعد أيضا من هجماته في كابول في الأشهر الأخيرة، واستهدف في كثير من الأحيان المتعلمين والأقلية الشيعية.

ولدى فرهادي قناعة بأن أي عدد من اللاعبين يمكن أن يدمر عملية السلام. فمتشددو طالبان الذين يريدون فشل المحادثات؛ وأمراء الحرب الذين يريدون الاحتفاظ بأسلحتهم؛ إضافة إلى المسؤولين الفاسدين الذين يريدون حماية ثرواتهم والمسؤولين الحكوميين المتشبثين بالحكم، جميعهم يكرهون تقاسم السلطة.
وكشف أحد مسؤولي طالبان، الذي تحدث لوكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، أن قيادة طالبان كانت متشككة في أن الحكومة الأفغانية تريد السلام، وأنها تفضل الوضع الراهن والبقاء في السلطة. وقال إن “وقف إطلاق النار يمكن التوصل إليه بسهولة بمجرد أن يقتنع قادتنا بصدق الطرف الآخر”.
ويمارس جيران أفغانستان نفوذهم. وكان مبعوث واشنطن، زلماي خليل زاده، في باكستان الاثنين الماضي، وبينما لم يتم الكشف عن تفاصيل زيارته، يبدو أنه من المحتمل أنه هناك لطلب مساعدة باكستان لإقناع طالبان بعقد اتفاق للحد من العنف. وذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن خليل زاده كان في كابول الثلاثاء ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق إلى الدوحة.
وقال مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون بواشنطن “للأسف، لا يبدو أن المفسدين ينقصون هنا. نحن لا نتحدث عن تفاحة واحدة سيئة؛ نحن نتحدث عن بستان كامل من التفاح الفاسد الذي من الممكن أن يعرقل المحادثات في أحسن الأحوال وأن يخرّبها في أسوأ الأحوال”.