تراجع النشاط الإرهابي لا يبدد مخاوف الجزائر من التوترات الأمنية الإقليمية

تراجع النشاط الإرهابي في الجزائر مع نهاية العام 2020، حيث تمكنت قوات البلاد من تحييد عدد من الإرهابيين في عمليات متفرقة بالبلاد، لكن التراجع المسجل لم يزح مخاوف السلطات من التوترات الإقليمية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية على الشريط الحدودي مع دولتي مالي وليبيا.
الجزائر - كشفت الحصيلة السنوية لوزارة الدفاع الجزائرية عن توازي معادلة الحرب على الإرهاب مع عملية تجفيف منابع التموين والتمويل المطبقة في مواجهة نشاط الجماعات الجهادية، حيث أظهرت الإحصائيات المعلنة عن نشاط وحدات الجيش في محاربة الإرهاب مع نشاط مكافحة الجريمة المنظمة التي باتت تشكل الوعاء الخلفي للنشاط الإرهابي خاصة في الشريط الحدودي البري.
وجاء في بيان استعرض الحصيلة السنوية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، أن القوات الجزائرية تمكنت خلال العام الماضي من تحييد 37 إرهابيا في عمليات متفرقة بالبلاد، إلى جانب كميات معتبرة من المخدرات والمعدات الحساسة التي تدخل في التمويل أو الاستغلال لأغراض أخرى.
وذكر بيان وزارة الدفاع الصادر الأحد، أن 21 إرهابيا من بين الرقم المذكور تم القضاء عليهم، بينما تم توقيف تسعة منهم واستسلام سبعة آخرين، كما تم توقيف 108 عناصر من خلايا الدعم والإسناد، وتدمير 251 مخبأ للإرهابيين، إلى جانب مصادرة عشرات القطع من الأسلحة وكميات من الذخيرة.
وتشير الإحصائيات المعلن عنها إلى تراجع في النشاط الإرهابي مقارنة بسنة 2019، حيث جاءت الحصيلة في مستوى نصف ما سجل خلال العام المذكور، أين تم تحييد أكثر من 80 إرهابيا، بين من قضي عليهم أو الذين تم توقيفهم أو سلموا أنفسهم للسلطات المختصة، بينما تجاوز العدد الـ250 فردا بالنسبة لشبكات الدعم والإسناد.
الجزائر تولي أهمية قصوى في مجال الجاهزية في ظل تدهور الأوضاع مع دولتي مالي وليبيا
ومع ذلك، مازالت الجزائر تولي أهمية قصوى في مجال الجاهزية واليقظة لمختلف السيناريوهات الإرهابية، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية على الشريط الحدودي مع دولتي مالي وليبيا، حيث تعبئ نحو 50 ألف جندي على الحدود مدعومين بمختلف الوسائل والمعدات العسكرية واللوجيستية، تحسبا لأي اختراق للمجال الإقليمي.
وكانت صفقة “صوفي بترونين” قد أثارت إزعاجا جزائريا كبيرا، بسبب تحييدها عن الصفقة المبرمة بين فرنسا وتنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، وعدم مراعاة الأعباء الإضافية للصفقة على الجانب الجزائري، على اعتبار أن الـ200 إرهابي المفرج عنهم بموجب الصفقة المذكورة، منهم من يحمل جنسية جزائرية، وأن وجهتهم هي الشريط الحدودي الذي يكلف الجزائر إمكانيات ضخمة.
وفي هذا الشأن تمكن الجيش الجزائري خلال الأيام الأخيرة من العام الماضي من وضع يده على “بيت مال” جماعات إرهابية، حيث ضبطت إحدى وحداته في محافظة جيجل بشرق البلاد مبلغا ماليا يقدر بـ80 ألف يورو، من المرجح أن يكون جزءا من الفدية التي دفعت في صفقة صوفي بترونين.
وتكون الإفادة التي قدمها الإرهابي زرقان حسن، المكنى بأبوالدحداح الذي حيد قبل أيام من ذلك، قد قدمت معلومات مهمة حول تحرك أموال الفدية المذكورة، غير أن مصير باقي المبلغ وسرعة وصوله إلى أقصى الشمال (جيجل) يطرحان استفهامات حول سرعة التحرك اللوجيستي للجماعات الإرهابية، وحتى إمكانية استعمال التحويلات البنكية في العملية.
وذكر بيان وزارة الدفاع الجزائرية حينها أن مفرزة للجيش كشفت ودمرت خمسة مخابئ للإرهابيين، وتم على إثرها استرجاع مبلغ مالي مقدر بثمانين ألف يورو، والذي تبين أنه يمثل دفعة أولى من عائدات الفدية التي كانت محل صفقة بمنطقة الساحل.
وأوضحت بأن “هذه العملية تمت في جبل بمحافظة جيجل، واستفادت من معلومات قدمها الإرهابي رزقان أحسن المدعو أبوالدحداح، الذي ألقي عليه القبض في منتصف شهر ديسمبر الماضي”، ووصفته بـ”الخطير”، كونه يعتبر من الجيل الأول للجماعات الإرهابية في الجزائر، حيث كان من الأوائل الذين رفعوا السلاح العام 1994 ضد مؤسسات الدولة.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية السبت الماضي أن قوات الجيش قتلت أربعة إرهابيين وخسرت جنديين خلال اشتباك في تيبازة غرب الجزائر العاصمة، وذكرت أنه “في إطار مكافحة الإرهاب وخلال عملية بحث وتمشيط تمكنت مفرزة للجيش من القضاء على أربعة إرهابيين وأثناء هذه العملية استشهد في ميدان الشرف الرقيب مباركي سعدالدين والعريف أول قايد عيشوش عبدالحق”. وكانت بذلك أول عملية أمنية تسجل خلال العام الجديد، وهي نادرا ما تقع في إقليم المحافظة المذكورة (تيبازة) القريبة من العاصمة والمعروفة بطابعها السياحي، وتم فيها ضبط قطع سلاح وكمية من الذخيرة.
وعلق عليها قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة بالقول في رسالة التعزية لعائلتي الجنديين الضحيتين “تأتي هذه العملية مع بداية سنة 2021 التي ستكون، بإرادة وتضحيات أبناء الجيش الوطني الشعبي، حاسمة في القضاء على الفلول الإرهابية، وتؤكد مجددا حرص وعزم قواتنا المسلحة على الحفاظ على الأمن والاستقرار عبر ربوع الوطن”.
وكان سقوط زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبدالمالك درودكال، المكنى بأبومصعب عبدالودود، في الأراضي المالية على يد قوات عسكرية فرنسية، أكبر تحول في مسار الجماعات الجهادية في المنطقة، حيث مازال الغموض يكتنف هرم التنظيم رغم الإعلان عن تعيين يوسف العنابي (أبوعبيدة) كقائد للتنظيم.
وذكر مصدر مختص في شؤون الجماعات المسلحة، طلب عدم ذكر اسمه، أن “عدم مباركة زعماء التنظيمات الجهوية، كـ’نصرة الإسلام والمسلمين’ بقيادة إياد غالي، والناشط في التراب المالي والشريط الصحراوي، وحتى عدم صدور أي شيء من هذا القبيل في المنصات الإلكترونية الموالية للقاعدة، فضلا عن صمت القائد الرمزي للتنظيم أيمن الظواهري، يلمح إلى عدم رضا هؤلاء عن التعيين الجديد لأبوعبيدة”.
وإذ يعتبر أبوعبيدة من أشرس قيادات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فإنه يمثل برأي المصدر، امتدادا لتوجهات القيادي الراحل عبدالمالك درودكال، بما فيها طموح سحب شارة قيادة التنظيم من القيادة التاريخية في أفغانستان وباكستان واستقدام مقر القيادة من هناك إلى الساحل الصحراوي.