المقاربة الدولية في معالجة معضلة اللاجئين بحاجة إلى هندسة بديلة

واشنطن- تتخذ أزمة اللاجئين أهمّية بالغة في السياق الدولي، لا فقط لكونها الأزمة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، بل أيضا لأنها قلبت العالم رأسا على عقب بعد أن فتحت ملفّات عديدة، بعضها له علاقة بالحرب على الإرهاب، وبعضها الآخر كشف عن أبعاد جديدة في العلاقات الدولية والأزمات الداخلية للمجتمعات المستقبلة.
وتقدر إحصائيات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 80 مليون إنسان يعيشون في حالة نزوح كلاجئين، أو نازحين داخليا أو طالبي لجوء بسبب الصراعات أو الاضطهاد.
وتقول شيلي كالبرتسون، الباحثة بمؤسسة راند الأميركية للبحث والتطوير، إن النزوح القسري تضاعف خلال العقد الماضي، ومن المرجّح أن يزداد بوتيرة أسرع حيث يضطر الكثير من الناس إلى ترك ديارهم بسبب تغيّر المناخ أو الكوارث الطبيعية خاصة وأن بعض التقديرات تظهر أن الأعداد ستصل إلى 200 مليون خلال العقود الأربعة المقبلة.
ولم تعد الاستراتيجيات الحالية في العالم للتعامل مع قضية النازحين كافية، لكن لدى الإدارة الأميركية الجديدة فرصة لقيادة العالم من أجل إيجاد وسيلة جديدة للتعامل معها في المستقبل نظرا لدور الولايات المتحدة كممول إنساني رئيسي لأوضاع اللاجئين عالميا، وطوال معظم التاريخ الحديث.
وترى كالبرتسون في تقرير نشرته مؤسسة راند أن هناك خمس مشاكل رئيسية في ما يتعلق بكيفية التعامل مع النازحين في الوقت الحالي، وهو أمر يشمل كافة النازحين قسريا، من بينهم 30 مليونا عبروا الحدود إلى دولة أخرى كلاجئين، لكن ترى أن الضرورة تقتضي اعتماد هندسة جديدة لسياسة اللجوء بشكل عام.
وأحد الحلول المقترحة لمواجهة هذه الأزمة هو بذل المزيد من الجهد في إطار دبلوماسية منع الصراعات وحسمها حتى لا يلجأ المواطنون إلى النزوح من دولهم بهذا العدد الكبير، كما تستطيع الولايات المتحدة وغيرها من الدول توفير المزيد من السبل القانونية المرنة الخاصة بمنح التأشيرات لإتاحة فرصة الهجرة أمام اللاجئين.
وتتصدر الأساليب الحالية أبرز المشاكل، حيث تؤدي إلى تضخم عدد الأشخاص الذين يعيشون في المنفى في طي النسيان طوال عقود أو أجيال دون حل يسمح لهم باستئناف حياة مستقرة.
وبالرغم من أن الأمم المتحدة تعزز مساعدة النازحين على إيجاد حلول دائمة مثل العودة إلى بلدانهم أو الاندماج في المجتمع الجديد الذي يستضيفهم أو الدولة التي تستضيفهم، أو إعادة التوطين في دولة ثالثة، إلا أن الغالبية العظمى تبقى في حالة تيه.
وتتمثل المشكلة الثانية في أن سياسة اللاجئين الحالية تضع ضغوطا هائلة على المجتمعات والدول المضيفة، إذ أن حوالي 85 في المئة من اللاجئين يعيشون في دول نامية، غالبا ما تعاني هي نفسها من أجل توفير سبل المعيشة لمواطنيها.
وأحيانا تكون تدفقات اللاجئين كبيرة للغاية لدرجة أنها تتسبب في تغييرات ديموغرافية وازدحام المساكن والمدارس والمستشفيات وفي ضغط على الخدمات العامة.
وتشعر المجتمعات المضيفة بالقلق من أن فرص العمل المتوفرة لديها سيحصل عليها القادمون الجدد الذين سيقبلون العمل مهما كان الأجر، وغالبا يشعر السكان المحليون بالاستياء تجاه اللاجئين لحصولهم على المساعدات في الوقت الذي يعيشون فيه هم أنفسهم في فقر، ومثل هذه الظروف تؤثر على الاستقرار والأمن في الدول المضيفة.
أما المعضلة الثالثة، فهي أن السياسات التي يتم وضعها على المدى القريب كحلول بالنسبة إلى أزمات اللاجئين تتسبب في ترسيخ هياكل معقدة أساسا تستمر لفترات مقبلة، مما يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة، فهناك 40 في المئة من اللاجئين يعيشون في خيام والتي جُعلت في الأساس كحلول مؤقتة لاحتياجات إنسانية ملحة وقصيرة المدى.
ومع ذلك، فإنها تزداد وتتحول إلى بلدات تدوم لعقود تحصر المقيمين فيها في ظروف سيئة متدنية المستوى، لذلك لا يجب أن يعيش البشر الذين لم يرتكبوا أي جرم مقيدين في مخيمات لا يتمتعون فيها بحرية الحركة.
وتقول كالبرتسون إنه بالرغم من أن بعض الدول المضيفة تسمح بتجنيس اللاجئين، فإن الكثير منها لديه سياسات تقيّد الاندماج أو تبقي اللاجئين في مخيمات.
وفضلا عن ذلك، فإن الأسلوب الحالي مكلف اقتصاديا، ما يعد أحد المشاكل الرئيسية، إذ يتم الإبقاء على النازحين في فقر مدقع، فيعتمدون على المساعدات ويستنزفون ميزانيات الدول المضيفة والحكومات المانحة على السواء.
وفي الكثير من الدول المضيفة، يتم حرمان اللاجئين من حق العمل أو منحهم فرصا محدودة للعمل، حيث يخشى قادة أي دولة مضيفة أن يحصل اللاجئون على فرص عمل المواطنين، مما يدفع اللاجئين إلى العمل سرا وبأجور متدنية ودون حماية اجتماعية. وفي الوقت نفسه، لا توجد أموال كافية من جانب الجهات المانحة لدعم الملايين من الأشخاص إلى ما لا نهاية.
وتبقى النتائج المنجرّة عن ذلك في ما يتعلق بالتنمية البشرية وحقوق الإنسان أكثر سوءا بالنسبة إلى اللاجئين مقارنة بالسكان المحليين، مما يتسبب في وجود طبقة مستضعفة من البشر، ففي الكثير من الدول يتمتع اللاجئون بفرص في التعليم والعمل أقل بكثير من غيرهم من مواطني هذه الدول، وهو ما يمثل فقدانا هائلا للقدرات البشرية.
وثمة افتقار للقيادة القادرة على إصلاح هذا النظام العالمي الخاص باللاجئين، كما أن هناك القليل من الآليات لتحسين هذا النظام، وكذلك فإن جميع الاتفاقات والمواثيق الدولية القائمة منذ وقت طويل والخاصة بحماية اللاجئين لم تعد كافية أو مناسبة لمواجهة مشكلة اللاجئين التي اتسع نطاقها وطال أمدها.