اتفاق إثيوبي – سوداني على تسوية سلمية للخلافات الحدودية

أزمة تيغراي تدفع أديس أبابا إلى مهادنة الخرطوم ما يمكن السودان من ممارسة ضغط لإحداث تغيير في الموقف الإثيوبي.
الأربعاء 2020/12/23
أزمة حدودية تحركها الأجندات الداخلية

خفّف إعلان إثيوبيا عن توصلها إلى اتفاق نهائي وسلمي لحلحلة الخلافات الحدودية مع السودان من مخاوف التصعيد بين البلدين اللذين يمران بأزمات داخلية حادة، لكنّ مراقبين يشككون في نوايا أديس أبابا التي تسعى إلى الإيحاء بأن الوضع القائم هو حالة تعايش سلمي لتهدئة الجانب السوداني وكسب المزيد من الوقت لحسم الصراع في تيغراي بعيدا عن الضغوط.

أديس أبابا- أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية الثلاثاء اتفاق أديس أبابا والخرطوم على حل نهائي وسلمي للقضايا الحدودية بينهما، في خطوة تقلل من مخاطر انزلاق الوضع باتجاه سيناريوهات مواجهة خطيرة تعمل الميليشيات والجماعات المتطرفة على تغذيتها.

ووصف المراقبون الاتفاق المعلن بالمهم، إلا أنهم استبعدوا في ذات الوقت أن ينحسر التوتر المسجل خلال الأيام الماضية بمجرد عودة عمل اللجنة المشتركة لترسيم الحدود، خاصة وأن أطرافا من مصلحتها تغذية هذه التوترات.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، إن أديس أبابا “تحمّل أعداء إثيوبيا محاولات تصعيد الأوضاع على خلفية الأحداث التي شهدتها المنطقة الحدودية مع السودان”. وأضاف مفتي أن “بالرغم من محاولاتهم (الأعداء) تصعيد الأوضاع، إلا أن الدولتين (إثيوبيا والسودان) تعهدتا بحل جميع القضايا بينهما بشكل سلمي ونهائي”.

عمار عوض: آبي أحمد لن يستجيب لجهود تسوية الأزمة
عمار عوض: آبي أحمد لن يستجيب لجهود تسوية الأزمة

وحول عملية ترسيم الحدود، يقول المحلل السياسي السوداني ربيع عبدالعاطي، إنها “مسألة مطروحة من قبل وليست جديدة، وهي ليست عملية إجرائية تتم بين يوم وليلة، هناك خرائط ونقاط اتفاق وطبيعة تلك الحدود والخطوط التي تحكم تلك الحدود بين البلدين، لأن هناك تداخلات قبلية وأخرى في المناطق الزراعية، النقاش حول موضوع الترسيم مطروح منذ فترة لكن التطبيق على الأرض لا أعتقد أن يكون قريبا”.

وجاءت هذه التطورات بعد إعلان الجيش السوداني الأسبوع الماضي، عن سقوط خسائر في الأرواح والمعدات جراء تعرض قواته “لاعتداء” من ميليشيا إثيوبية قرب منطقة الفشقة الحدودية، فيما قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن مثل هذه الحوادث “لا تكسر الروابط” بين البلدين.

ويعود تاريخ اتفاق ترسيم الحدود إلى مايو 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، لكن مازالت هناك ثغرات في بعض النقاط ما يتسبب بانتظام في وقوع حوادث مع المزارعين الإثيوبيين الذين يأتون للعمل في أراضٍ يؤكد السودان أنها تقع ضمن حدوده.

ومنذ نحو 26 عاما، تستولي ميليشيات إثيوبية على أراضي مزارعين سودانيين في الفشقة بعد طردهم منها بقوة السلاح، وتتهم الخرطوم الجيش الإثيوبي بدعم هذه العصابات لكن أديس أبابا عادة ما تنفي ذلك.

ويشهد السودان، خصوصا منطقة الفشقة من ولاية القضارف المتاخمة لإثيوبيا، أزمة إنسانية كبيرة بعد وصول 50 ألف لاجئ إليها هربا من الحرب التي قادتها سلطات أديس أبابا في إقليم تيغراي المتمرد، ما يفاقم الضغوط على الخرطوم التي تواجه أزمات على عدة جبهات.

ربيع عبدالعاطي: ترسيم الحدود مطروح منذ فترة، لكن تطبيقه متعثر
ربيع عبدالعاطي: ترسيم الحدود مطروح منذ فترة، لكن تطبيقه متعثر

وليست هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها الميليشيات الإثيوبية الجيش السوداني. وفي مايو من العام الجاري، هاجمت عصابات الشفتة، التابعة لقبائل الأمهرا، القرى المحيطة بمدينة القضارف السودانية، ما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وجرح عدد من العسكريين السودانيين.

ولكن بعض المراقبين يخشون من أن التوترات هذه المرة قد تتوسع إلى حرب، وأنها تشكل تهديدا كبيرا على منطقة تعج أصلا بالاضطرابات والصراعات، والتي كان آخرها صراع إقليم تيغراي.

ويشير مراقبون إلى أن تحالف آبي أحمد مع قومية الأمهرا، التي تسعى للحفاظ على نفوذها بالسيطرة على جزء من الأراضي السودانية، في مواجهة قادة إقليم تيغراي المتمرد يضعه أمام خيارات خارجية صعبة وعلى رأسها تسوية الخلافات الحدودية مع الخرطوم على حساب حلفائه في الداخل.

وقال المحلل السياسي السوداني عمار عوض في تصريحات لـ”العرب” إن آبي أحمد لن يستجيب للجهود الحالية التي يقودها السودان في ظل تعقيدات المشهد على الحدود، لأن قومية الأمهرا التي تعد من الحلفاء الرئيسيين له في الصراع الحالي ضد تيغراي، تسعى للحفاظ على نفوذها بالسيطرة على جزء من الأراضي السودانية، بعد أن ظل قادتها داخل الجيش يستفيدون من الموارد الطبيعية في منطقة الشفقة الحدودية على مدار سنوات طويلة.

وأشار عوض إلى أن “التزام آبي أحمد بالحدود المرسومة سلفا بين الدولتين يعني خسارته لتلك القومية، ما يجعله يواجه ضجرا من قبل قادتها، قد يصل الأمر للتخلي عنه، خاصة أنه استطاع بصعوبة تجاوز الخلافات معهم بعد تنازله عن مثلث بادمي المتنازع عليه مع إريتريا ضمن اتفاق السلام الموقعة بينهما”.

وتظل الحدود بين البلدين غير محسومة بالكامل، وتؤدي بالتالي، حسب متابعين، إلى إثارة التساؤلات والإشكاليات فليس لدى إثيوبيا من داع إلى الاهتمام بها، بينما تمكنها من التنقل عبر كل هذه التحولات. وكلما ضاقت الحال وتطلبت اتخاذ إجراءات، تجريها شكليا للإيحاء بأن الوضع القائم هو حالة تعايش سلمي لتهدئة الجانب السوداني وكسب المزيد من الوقت.

تحالف آبي أحمد مع قومية الأمهرا في مواجهة قادة إقليم تيغراي المتمرد يضعه أمام خيارات خارجية صعبة وعلى رأسها تسوية الخلافات الحدودية مع الخرطوم

وبرزت أصوات سودانية تدعو إلى استثمار حرب إقليم تيغراي من أجل الضغط على الحكومة الإثيوبية للتخلي عن مماطلتها في قضية ترسيم الحدود.

ويقول هؤلاء إن أديس أبابا بحاجة إلى دعم السودان في حربها على تيغراي، على مستوى تأمين الحدود وضمان عدم فرار قوات تيغراي وإعادة تمركزها في عمق الأراضي السودانية، حيث يعد السودان المنفذ الدولي الوحيد لقوات تيغراي، باستثناء إريتريا، التي تؤيد إثيوبيا في هذا الصراع.

ويشير هؤلاء إلى أن موقع السودان الآن يسمح بالمزيد من الضغط على إثيوبيا، ليس لأن نزاعا حدوديا قد نشأ بين البلدين، بل لأن أديس أبابا بحاجة الآن إلى الخرطوم، ما يمكن السودان من ممارسة ضغط لإحداث تغيير في الموقف الإثيوبي.

5