إنترنت الحواس.. عندما يصير الدماغ واجهة المستخدم

رأى الفلاسفة منذ أكثر من ألفي عام، أن ما يفكر به الإنسان مقتصر عليه وحده ولا يمكن لغيره الاطلاع عليه، وأن تلك الانعزالية جزء طبيعي من تركيبة البشر، إلا أن ذلك قد يتغير قريبا، وهو ما مهدت له “إنترنت الأشياء”، وقد يتحول إلى واقع ملموس مع “إنترنت الحواس”.
لندن - هل سبق أن قابلت شخصا يبدو أنه يعرفك، ولم تتذكره أو تتذكر اسمه؟ لن تواجه مثل هذه المشكلة بعد العام 2030، وفقا لتوقع 54 في المئة من المشاركين في استبيان أجرته شركة “إريكسون”، فنظارات الواقع المعزز ستعرض لك معلومات عن الأشخاص حين تلتقي بهم، تتضمن أسماءهم والمواقف التي جمعت بينكم.
اليوم، وبعد عشرين عاما على ظهور مصطلح “إنترنت الأشياء”، تشهد البشرية ولادة “إنترنت الحواس”، أحد أحدث الاتجاهات التقنية المهتمة بالمستهلك للعام 2021 وحتى العام 2030.
توقعات المستهلك
هناك توقعات باختفاء الحدود الفاصلة بين التفكير والفعل خلال 10 سنوات من اليوم، إذ يرى 60 في المئة ممن استطلعت آراؤهم أننا سنتمكّن من رؤية مسار رحلتنا من خلال نظارات الواقع الافتراضي بمجرد التفكير بالوجهة التي نرغب بالذهاب إليها.
إذ يُتوقع خلال عقد من الزمان أن تستجيب التقنية لأفكارنا، بل وتشاركها أيضا مع الآخرين.
استخدام الدماغ كواجهة مستخدم قد يعني نهاية لوحات المفاتيح والفأرة ومقبض التحكم بالألعاب
وكشف تقرير “كونسيومر لاب”، الذي تُعدّه وحدة مختبرات المستهلك في شركة “إريكسون” حول توقّعات المستهلكين حول العالم، عن احتمال بروز مجموعة من الخدمات المفيدة ذات التأثيرات الإيجابية في حياتنا، والتي ستنتج عن تفاعل التقنيات المتصلة مع حواسنا كالبصر والسمع والتذوق والشم واللمس، إلى واقع ملموس. وسلّط التقرير الضوء على توجهات وتوقعات المستهلكين المستقبلية حول مجال “إنترنت الحواس”.
وأشار التقرير إلى الدور، الذي ستلعبه التقنيات الناشئة والمتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزّز والجيل الخامس وحلول الأتمتة في تمكين مجال إنترنت الحواس. وتوقع المستهلكون أنه بحلول 2030 سوف تشهد التكنولوجيا الرقمية، التي تقدمها لنا الأجهزة التقنية مستوى أعلى من التفاعل والتكامل مع التجارب متعدّدة الحواس، التي لا يمكن فصلها عن الواقع.
وقالت رئيس وحدة مختبرات المستهلك وقطاعات الأعمال الدكتورة بيرنيلا جونسون، والمشاركة في إعداد التقرير “ستلعب نظارات الواقع المعزّز دورا محوريا في تمكين هذه التجارب، ولم نتوقع كيف أن المستهلكين يتوقعون بالفعل تغييرات هائلة في حياتنا اليومية مدفوعة بالتواصل الحسي، من خلال الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزّز والجيل الخامس وحلول الأتمتة”.
الواقع المعزز
ووفقا للتقرير فإن استخدام الدماغ كواجهة مستخدم قد يعني نهاية لوحات المفاتيح والفأرة ومقبض التحكم بالألعاب وواجهات المستخدم بكل أشكالها لجميع الأجهزة الرقمية، حتى الهواتف الذكية قد تعمل بلا شاشات لمس، إذ يكفي المستخدم أن يفكر فحسب بالأوامر التي يريدها، لتُنفذ على الفور.
وأشار التقرير أيضا، إلى أن ذلك سيوجد أنواعا جديدة من الأجهزة بأساليب تفاعل جديدة كليا، من أهمها نظارات الواقع المعزز، التي تُعد من أكثرها إثارة لاهتمام المستهلك.
وحين تتاح تقنيات الواقع المعزز بكل إمكانياته، فإن كثيرا من التطبيقات الأخرى التي يصعب اليوم تخيلها أو تصديقها قد تصبح شائعة.
وظهر مصطلح “إنترنت الأشياء”، الذي بنيت عليه هذا الثورة التكنولوجية، أول مرّة عام 1999، ويُعد المبتكر البريطاني الرائد في علوم التقنية كيفن آشتون، خبير أجهزة استشعار المستهلك، أول من استخدم المصطلح لوصف الشبكة التي تربط الأشياء المادية من حولنا بالإنترنت، وذلك أثناء عمله في شركة “بروكتر أند غامبل”.
وأراد آشتون، خلال عمله في تحسين كفاءة سلسلة الإمداد في الشركة، جذب انتباه الإدارة العليا إلى تقنية جديدة ومثيرة للاهتمام تسمى التمييز بالترددات الراديوية.
وتَستخدم التقنية المجالات الكهرومغناطيسية للتعرف تلقائيا على البطاقات المرفقة بالأشياء وتتبعها، وتتضمن البطاقة أجهزة إرسال واستقبال راديوية صغيرة.
كان آشتون يعمل في هذا المجال حين ابتكر مصطلح “إنترنت الأشياء” ليشرح من خلاله أسلوب عمله.
ونما هذا التوجه المبكر بسرعة كبيرة خلال العقدين التاليين، على الرغم من أن عامة الناس لم يفهموا مغزاه تماما إلا في السنوات القليلة الماضية.
الفلاسفة على خطأ
وفقا للتقرير الذي أعدته “إريكسون”، فإن الاطّلاع على أفكار المستخدم هو بلا شك من الأمور المقلقة التي تنطوي عليها هذه التقنية، وعلى الرغم من فائدة ذلك في تسهيل إيجاد وجهتك التالية على الخارطة، أو ربما زيادة الاستمتاع بألعاب الفيديو، فهل ستتمكّن من الاحتفاظ بأفكارك لنفسك إن أردت ذلك، أم أن الخصوصية ستصير شيئا من الماضي؟
يرى نحو نصف المشاركين في الاستبيان، أنه بحلول العام 2030 سيتبين أن الفلاسفة قديما كانوا على خطأ وأن عقولنا ستتصل مع بعضها، إذ يتوقعون مثلا أن نتمكّن من الرد على الرسائل القصيرة من خلال التفكير فحسب، حتى أن 40 في المئة منهم يرون أننا سنتمكّن من مشاركة أفكارنا مباشرة مع أصدقائنا وأحبائنا. ولكن، مرة أخرى، ماذا عن الأفكار التي لا نرغب بمشاركتها مع أي أحد؟
من الواضح مع هذه التقنية، أن مفهومي الأمان والخصوصية سيتخذان أشكالا جديدة.
ومع هذا، فلا يرغب الناس أن يطّلع المعلنون على أفكارهم، إذ يرى أغلب المشاركين ضرورة الحفاظ على خصوصية البيانات المرتبطة بجميع الخدمات الفكرية، وأكّد سبعون في المئة منهم على أهمية حماية البيانات الفكرية المتعلقة بإقفال وفتح أبواب المنازل والأبنية وضرورة الحفاظ على خصوصيتها.
وتعتمد معظم التطبيقات اليوم، إن لم يكن جميعها وبمختلف فئاتها، على الإعلانات كمصدر رئيس للدخل.
إذن، كيف سيبدو أسلوب العمل الجديد في العام 2030؟ تتطلب الإجابة على هذا السؤال المزيد من البحث والتفكير، وقد نضطر، إن قدر لنا ذلك، للانتظار حتى عام 2030 لمعرفة الجواب والحلول المقترحة.