دمشق تحاول إزالة ركام الحرب والحظر أمام المزارعين

تظهر التقديرات الدولية الرسمية أن الزراعة من أكبر ضحايا الحرب السورية، التي تقترب من عامها العاشر، وهي تشير إلى أن الإنتاج انحدر إلى مستويات غير مسبوقة ومع ذلك تكافح دمشق لإعادة الروح إلى شرايين القطاع، رغم الحظر الأميركي وتداعي العملة المحلية اللذين تسببا في ارتفاع تكاليف الاستثمار بشكل غير مسبوق.
دمشق - تواجه سوريا واحدة من أعقد الأزمات في العالم بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، ما قلص الفرص الاقتصادية ودمر سبل عيش السكان بما في ذلك البنية التحتية والخدمات الزراعية.
ويشكل قوت السوريين إحدى الدعائم المتداعية، ولذلك دخلت دمشق في محاولة اعتبرها محللون يائسة من أجل إحياء قطاع الزراعة الذي كان يحتل مكانة مركزية في الاقتصاد، فقد مثل قبل اندلاع الأزمة 19 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وساهم في تشغيل 26 في المئة من مجموع السكان العاملين.
وتحوّلت الجائحة إلى كابوس مزعج للملايين من السوريين بعد أن تسببت في غلق منافذ استيراد الغذاء وتوقف الأنشطة الزراعية المنهارة أصلا ما هدد بتفاقم مشكلة الجوع، بينما لا تملك الحكومة في دمشق خيارات بديلة في ظل الحرب المستمرة وعقوبات “قيصر” التي فرضتها الولايات المتحدة.
وفي مسعى لتوفير الغذاء، كشفت هيئة الاستثمار الحكومية عن الحوافز المقدمة لدعم الاستثمار في قطاع الزراعة وتشجيع المستثمرين ولاسيما المغتربين على إقامة المشاريع الاستثمارية الزراعية.
ونسبت وكالة الأنباء الرسمية إلى مدين دياب، مدير عام الهيئة قوله إن “الهيئة تتولى الترويج للحوافز وإعدادها بعد أن قامت بدعم عدة مشاريع خلال العام الجاري”. وأشار إلى أنه بات بإمكان المستثمرين الحصول على التراخيص المبدئية للمشاريع الزراعية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام.
ومع ذلك، تبدو الشكوك مسيطرة على هذه الخطة لأن دمشق سبق وأن أعلنت عن حوافز لقطاعات أخرى مثل الصناعة ولكنها لم تفلح بسبب قيود الاستيراد وأيضا التراجع القياسي في سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار.
وحتى وإن استطاعت دمشق تجاوز ذلك بدعم من روسيا وإيران فإن نظام بشار لن يتمكن من تحقيق الأهداف المرسومة بسبب الضغوط المفروضة على حليفيه حيث يعانيان أيضا من عقوبات غربية جعلتهما يتجهان لحل أزماتهما الداخلية المقرونة بتفشي الوباء.
ورغم أن الحكومة تحثّ العاملين في قطاع الزراعة كغيره من القطاعات الأخرى في كافة المحافظات على العودة إلى المناطق التي استعادت السيطرة عليها، إلا أن بعض رجال الأعمال يقولون إنها لا تبذل من الجهد ما يكفي لإعادتهم.
وقوّض ارتفاع كلفة الإنتاج أداء القطاع حيث اصطدم المزارعون بمشاكل مالية مرتبطة بأعمال الحرث نتيجة ارتفاع أسعار الوقود المخصص لعمل الجرافات ومعاصر الزيتون وارتفاع أسعار الأسمدة.
ويقول المزارعون إن أسعار العلف المخصص للدواجن، على سبيل المثال، تضاعفت عدة مرات خلال أشهر ووصلت إلى نحو 1.4 مليون ليرة (نحو 1114 دولارا) للطن وهذا أدى إلى ارتفاع التكاليف بشكل لا يستطيع المربي تحمله وبالتالي توقف عملية الإنتاج وارتفاع أسعار المنتجات من بيض ولحوم.
ولكن دياب حاول بث التفاؤل في القطاع حينما قال إن “الحوافز لجميع المشروعات تتضمن إمكانية تخصيص المستثمر بأحد العقارات التابعة لأملاك الدولة في المحافظات وفقا لخصوصية المشروع وطبيعة العقار وبأسعار رمزية وحصوله على قرض عن طريق برنامج دعم أسعار الفائدة للمشاريع المعتمدة ببرنامج إحلال بدائل المستوردات”.
وهناك مساع من أجل جذب أموال المغتربين للاستثمار في القطاع، والذي تشير تقديرات منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (فاو) إلى أن الكلفة الإجمالية لإعادة بنائه تتطلب استثمارات تتراوح بين 10 و17 مليار دولار.
ويعتقد خبراء أن الخسائر قد تبدو أكبر من ذلك بكثير خاصة وأن دمشق لم تحسب الأضرار، التي لحقت بمشاريع الري الحكومية وقنوات الإنتاج في قطاعات التجارة الخارجية والتصنيع الغذائي.
ومن بين المشاريع الاستثمارية الزراعية المعروضة على المستثمرين المغتربين إنشاء معامل الأسمدة العضوية من مخلفات تقليم الأشجار وقشور الفستق الحلبي وعصر الزيتون والدواجن وإقامة وحدات تربية متكاملة للأبقار وتسمين العجول ومراكز لتجميع الحليب وتصنيعه وإنتاج مشتقاته.
وفضلا عن ذلك، تعرض دمشق مشروعات لبناء مداجن لإنتاج البيض والفروج ومعامل لإنتاج مستلزمات الري الحديث وتصنيع الأعلاف الجاهزة وإكثار بذار الخضار البلدية والمحسنة.
ويؤكد دياب أن بإمكان المستثمرين من المغتربين إقامة مشاريع للطاقة المتجددة ومراكز للآليات الزراعية اللازمة للزراعة وخدمة الأراضي الزراعية وتأجيرها للمزارعين ومشاغل متطورة وحديثة لفرز وتوضيب وتغليف المنتجات وشركات متطورة لتسويق المنتجات في الأسواق الخارجية.
35
مليون دولار هي قيمة 53 مشروعا زراعيا تقول دمشق إنها قدمتها للمستثمرين هذا العام
وكانت هيئة الاستثمار السورية قد أعلنت في وقت سابق هذا العام عن 53 مشروعا استثماريا العام الجاري بتكلفة تقديرية 1.3 تريليون ليرة (35 مليون دولار)، يتوقع أن توفر 9377 فرصة عمل عند التشغيل الكامل لها حيث استحوذ قطاع الصناعة على 68 في المئة من المشاريع المشملة والزراعة على 15 في المئة والباقي من قطاعات مختلفة.
وذكر تقرير لبرنامج الأغذية العالمي في مايو الماضي، أن قرابة 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في ارتفاع ملحوظ جراء الوباء وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وتقوم الفاو منذ عام 2011 بدعم سبل المعيشة وتأمين الغذاء لأكثر من 2.4 مليون سوري في المناطق الريفية والمناطق الحضرية المحيطة بها في حلب والحسكة ودرعا ودير الزور وحماة وحمص وإدلب وريف دمشق والسويداء والقنيطرة.
وفي إطار خطة الأمم المتحدة للاستجابة للأزمة السورية التي تبلغ موازنتها الإجمالية نحو 3.18 مليار دولار، تنفق منظمة الفاو نحو 87 مليون دولار لدعم الفئات الأكثر معاناة لتحسين فرصها في الحصول على الغذاء والنهوض بمستويات التغذية والدخل.
وفي دليل على عمق الأزمة دعا وزير الزراعة السوري حسان قطنا في تدوينة نشرها على حسابه في فيسبوك الشهر الماضي إلى استثمار كل أرض مهما كانت صغيرة، وزراعة “كل متر مربع في الحديقة أو البستان” خاصة بالقمح الذي تعاني البلاد أزمة في توافره.
وكتب يقول “نحن اليوم تحت الضغط الاقتصادي اللامحدود، وغذاؤنا يعني وجودنا” مشيرا إلى ما تعيشه البلاد مما وصفه بـ”زمن الندرة والحاجة والضغط”.
ومنذ العام الماضي، تتالت الأزمات الاقتصادية مع تسجيل العملة المحلية انخفاضا قياسيا أمام الدولار وخاصة في السوق السوداء حيث بات الدولار يعادل أكثر من 1200 ليرة لأول مرة في تاريخها فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي عند 434 ليرة، فضلا عن أزمة وقود حادة شهدتها مناطق سيطرة القوات الحكومية.
ويعزو بعض المحللين تسارع انهيار الاقتصاد السوري إلى الأزمة التي يعيشها لبنان، حيث يودع التجار السوريون الملايين من الدولارات في المصارف التي فرضت قيودا مشددة على عمليات السحب في ظل أزمة سيولة حادة.